يبدو أن الحلول غائبة لفك تعقيدات الأزمة السياسية الخانقة التي يمر بها العراق، منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد ساعات من توقف اشتباكات أنصار التيار الصدري من جهة وفصائل شيعية موالية لإيران وقوى أمنية.
وعلى الرغم من انسحاب أنصار مقتدى الصدر من المنطقة الخضراء بطلب منه لوقف العنف وإلغاء اعتصامهم أمام مقر البرلمان العراقي، فإن المبادرات لحل السبب الرئيس للأزمة المتعلقة بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، لا تزال بعيدة من أروقة السياسية العراقية.
مواقف متباينة
لم تكن إشادة رئيس تحالف الفتح ومنظمة بدر هادي العامري بموقف الصدر من إيقاف أعمال العنف وإجراء انتخابات مبكرة منسجمة مع موقف الإطار التنسيقي الذي يضم بقية الأحزاب والفصائل الشيعية، الذي كان واضحاً في الدعوة إلى الالتزام بالسياقات الدستورية في تشكيل الحكومة واستئناف عمل مجلس النواب.
ودعا الإطار التنسيقي لتشكيل حكومة خدمة وطنية بمشاركة جميع القوى السياسية “الراغبة” وإعادة عمل البرلمان، مشيداً بجهود جميع القوى في إنهاء أزمة التظاهرات.
الانتخابات المبكرة
يقول الكاتب والصحافي حمزة مصطفى إن “الحكومة إذا ما تشكلت من دون رضا الصدريين لن تصمد طويلاً، وبذلك فإن كل الخيارات بدأت تذهب إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهو الأمر الذي أيده الرئيس العراقي برهم صالح بعدما انضم إلى الداعين لإجراء انتخابات مبكرة في خطابه الأخير”.
وكان صالح دعا، الثلاثاء الـ30 من أغسطس (آب)، إلى الذهاب نحو انتخابات مبكرة وإجراء تعديلات دستورية، مطالباً “الإطار التنسيقي” بالتواصل مع زعيم “التيار الصدري” للخروج بحل سياسي حاسم يتناول قضية الانتخابات الجديدة وتشكيلة الحكومة وإدارة الفترة المقبلة. فيما لوح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالاستقالة، وأكد أنه سيعلن خلو منصب رئيس الوزراء إذا استمرت إثارة الفوضى والصراع.
وشدد الكاظمي في كلمة للشعب العراقي، بثها التلفزيون الرسمي، وسط توترات أدت إلى أعمال عنف هي الأشد دموية في العاصمة بغداد منذ سنوات، على ضرورة وضع السلاح تحت سيطرة الدولة، معلناً تشكيل لجنة تحقيق “لتحديد المسؤولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين”.
سيناريوهات مختلفة
فيما رجح رئيس مركز “كلواذا” لقياس الرأي باسل حسين أن “هناك سيناريوهات عدة متوقعة لعل من بينها انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب رئيس جديد مع تكليف محمد شياع السوداني”، مشيراً إلى أن “الأزمة قد تستمر من دون حل مع عدم تمكن الإطار من تحشيد العدد المطلوب لانعقاد جلسة رئيس الجمهورية أو تعطيل أنصار الصدر لعقد أي جلسة للبرلمان”.
حل البرلمان
وأوضح أن “هناك احتمالات أخرى تتمثل في أن تقوم المحكمة الاتحادية بحل البرلمان”، متوقعاً أن “يغيب الصدر عن المشهد السياسي لفترة نظراً إلى اعتزاله الحياة السياسية، أو أن يعود عن قراره”. ورجح أن “يكون الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو استمرار الأزمة السياسية دون إيجاد حلول في الأفق المنظور”.
وعن إمكانية أن يشرع الإطار بعملية تشكيل الحكومة، ذكر حسين أن “بيان الإطار التنسيقي الأخير تعامل مع الأزمة الأخيرة على أنها انتصار له وفرصة سانحة للمضي في تشكيل الحكومة”، وعده “بياناً غير مسؤول وبعيداً من تعلم دروس الأزمة الحالية وتطوراتها”.
نصاب الجلسة
وتابع أن “عملية تشكيل الحكومة تحتاج إلى تجاوز معضلة نصاب جلسة رئيس الجمهورية وهي لن تتحقق إلا من خلال توافق (كردي – كردي) مع قبول تحالف السيادة حضور الجلسة”، لافتاً إلى أن “كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة وهما حليفا الصدر سبق أن أعلنا عدم حضورهما الجلسة من دون التوافق مع الصدر”.
وتساءل حول إمكانية سماح الصدر بعقد مثل هذه الجلسة، مشككاً في استمرار الصدر بقرار اعتزاله العمل السياسي، لا سيما بعد أن نقل عنه وزيره صالح محمد العراقي بعد خطابه الأخير أنه لم يسمح بفساد جديد.
ستعود التظاهرات
ويرجح رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية مناف الموسوي عودة التظاهرات خلال الفترة المقبلة إذا لم تجد الكتل السياسية حلولاً للأزمة وإذا ما أصر الإطار التنسيقي على المضي بتشكيل الحكومة.
وقال الموسوي، إن “التظاهرات ستتواصل وقد تكون أكثر خطورة إذا استمرت القوى السياسية بهذا الأداء دون التوصل إلى حلول”، لافتاً إلى أن “الدعوات للحوار لا تزال غير جدية لكون الحوار يحتاج إلى دعامتين مفقودتين هما المقدمات والضمانات”.
وأضاف، أن “المقدمات مفقودة من الطرف الآخر وبعكسه فإن أي دعوات للحوار لا تعني شيئاً، لا سيما مع سقوط الدماء”، مشيراً إلى أن “الإطار ما زال يتحدث عن تشكيل الحكومة”. وتساءل عن كيفية حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة والإطار التنسيقي يقوم بتشكيل حكومة، مؤكداً أن “استمرار الأزمة سيعني العودة إلى التظاهرات ما لم يتم إيجاد حلول للمشكلة”.
وكان الصدر قال في مؤتمر صحافي بالنجف، الثلاثاء، بعد يوم من إعلانه الاعتزال السياسي، “هذه الثورة ما دامت قد شابها العنف ليست بثورة”.
وأمهل أنصاره 60 دقيقة للانسحاب من المنطقة الخضراء في وسط بغداد حيث المقار الحكومية والبرلمان، الأمر الذي جرى تنفيذه على الفور، وجرت المصادمات بين أنصار الصدر وفصائل شيعية أخرى موالية لإيران وقوى أمنية أدت إلى وضع متوتر في البلاد، وقادت إلى إعلان حظر التجول يوم الإثنين الذي تم إلغاؤه.
اندبندت عربي