يمثل الأكراد الأغلبية في 15 محافظة تركية من أصل 81، في حين يذهب بعض الأكراد إلى أن هناك 24 محافظة تضم غالبية ناطقة بالكردية، ويرى مراقبون أنه ليس بالإمكان رسم خطوط توضح المناطق التي تعتبر كردية من وجهة نظر إثنية أو لغوية.
ويزيد عدد الأكراد في تركيا على 15 مليون نسمة، أي 20% من سكان البلاد، والمحافظات ذات الغالبيّة الكرديّة، تقع في شرق وجنوب شرق تركيا ويطلق عليها الكرد اسم كردستان تركيا، او كردستان الشماليّة.
وحصد حزب الشعوب الديموقراطي والذي يعتبر ممثلاُ عن الأكراد في الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في الأول من نوفمبر الماضي، 10.3% من مقاعد البرلمان، وهو مايعتبره محللون بأنها نتيجة غير مسبوقه في تاريخ تركيا
ولعب الكرد دوراً مهمّاً واستراتيجيّاً في نجاح الأتراك السلاجقة وانتصارهم على البيزنطيين، وفي انتصار العثمانيين على الصفويين في معركة “تشالدران” عام 1514، تعتبر المعركة الدولة العثمانية والدولة الصفوية من المعارك الفاصلة في التاريخ الكردي-التركي، فالأكراد يرون أن هذه المعركة كانت السبب في تقسيم كردستان الكبرى بين الدولتين الصفوية والعثمانية، وهو ما يجعلهم يطالبون بحقهم التاريخي في دولة كردستان الكبرى.
الأكراد في عهد أتاتورك
عندما هزمت الدولة العثمانية من دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، منح الأكراد الحكم الذاتي، إلا أن الأتراك رفضوا هذه الاتفاقية، وظهرت مقاومة شديدة تطورت إلى حركة تحرر وطني بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، الذي وصف المعاهدة بأنها حكم بالإعدام على تركيا.
حينها، وقّعت حكومة إسطنبول على اتفاقية “سيفر” التي تجيز منح الكرد والأرمن حق الانفصال عن السلطنة، بعد مرحلة انتقالية وجيزة، من دون نسيان أن اتفاقيّة “سايكس – بيكو” عام 1916 كانت التقسيم الأول الذي تعرّضت له السلطنة العثمانيّة، وانتخب برلمان أنقرة مصطفى كمال أتاتورك رئيساً له في 24 نيسان/أبريل 1920، وبقي في هذا المنصب لحين استلامه رئاسة الجمهوريّة في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1923.
وعن محاولات أتاتورك والسلطان العثماني استمالة الأكراد، يشير الدكتور “إبراهيم الداقوقي” في كتابه “أكراد تركيا” إلى أن حكومة إسطنبول أمرت بتشكيل هيئة وزاريّة لدراسة القضيّة الكرديّة، مؤلّفة من شيخ الإسلام حيدري زاده إبراهيم افندي، عيوق باشا وزير الأشغال، عوني باشا وزير البحريّة، الأمير علي بدرخان عضو جمعيّة تعالي كردستان، من أعضاء مجلس الأعيان (البرلمان).
واتفقت الهيئة على منح كردستان الاستقلال الذاتي، شريطة قبول الكرد البقاء في الدولة العثمانيّة، واتخاذ التدابير الفعالة لإعلان هذا الاستقلال والشروع في تنفيذ مقتضاه حالاً.
واستطاع مصطفى كمال إبعاد الأكراد عن دعم حكومة إسطنبول وقطع لهم الوعود الكثيرة بإعطائهم الاستقلال، إن هم ساعدوه في التخلّص من الأعداء، وبيّن للأكراد لزوم إرجاء القضيّة الكرديّة إلى أن يطهّر البلاد من الأعداء… قاطعاً لهم الوعود الصريحة باعتراف تركيا للأكراد بالاستقلال، ووثق الكثير من زعماء الأكراد بمصطفى كمال، لأنه كان يتكلم باسم الدين والوحدة الوطنية، بحسب الداقوقي.
وفي أكتوبر عام 1923 أُعلنت الجمهورية التركية بسقوط الخلافة العثمانية، وإعلان مصطفى كمال أتاتورك أول رئيس لجمهورية تركيا الحديثة، وبالرغم من تعاون الأكراد السابق معه إبان حرب الاستقلال ضد قوات التحالف، إلا أنه أنكر الهوية الكردية بما تعنيه من ثقافة ولغة وحقوق، بل أن الأيديولوجية العلمانية رفضت تسميتهم بالأكراد وأطلقت عليهم “أتراك الجبل”، واعتبرتهم أتراكًا يجب “تمدينهم”.
الأكراد وخلافهم مع أتاتورك
وبعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك ولادة الجمهوريّة التركيّة في 1923، وضمانه دعم الغرب والقوى العظمى، وتغاضيها عن حقوق الأكراد، بدأ أتاتورك التنصّل مما جاء في معاهدة لوزان أيضاً، ووعوده للكرد.
وبدأت مرحلة مظلمة في حياة أكراد تركيا، وكردّ فعل على “خيانة” أتاتورك لوعوده التي قطعها للكرد، اندلعت انتفاضة الشيخ سعيد بيران، عام 1925، وساندها الأرمن والشركس والعرب والأشوريين في مناطق جنوب شرقي تركيا. وانتهت هذه الانتفاضة بالسحق واعتقال الشيخ سعيد وإعدامه مع رفاقه، ثم اندلعت انتفاضة جبل آغري، بقيادة الجنرال في الجيش العثماني، إحسان نوري باشا واستمرّت لغاية 1930وأيضاً تمّ سحقها.
ثمّ أتت انتفاضة الكرد العلويين في محافظة ديرسم، بقيادة سيد رضا، عام 1937 – 1938. وتمّ سحقها عبر استخدام الطيران، وكانت ابنة أتاتورك بالتبنّي، صبيحة غوكتشن (أوّل أمرأة تقود طائرة حربيّة في تركيا والعالم)، هي التي تقصف مدينة ديرسم بالقنابل، وراح في المجازر التي ارتكبت في سحق الانتفاضات الكرديّة عشرات الألوف من الكرد، ومئات الألوف من المشرّدين والمهجّرين قسراً.
وجاء الدستور التركي عام 1923 ليقر اللغة التركية لغة رسمية واحدة، ولا يقر التعدد القومي والعرقي، ولا التعدد اللغوي، وعلى إثر ذلك قد تعرّض الأكراد لما وُصِف بسياسات “تتريك” قسرية، كان يتم تطبيقها أحيانًا باستخدام الأسلوب الأمني.
وبعد وفاة أتاتورك في عام 1938م لم تتغير الأحوال كثيًرا في سياسات تركيا مع الأكراد، واقتصرت سياسات الحزب الديمقراطي بعد وصوله إلى الحكم في دمج الأعيان المحليين من زعماء العائلات الكردية والجماعات الدينية في المجموعات البرلمانية الخاصة بهم، فضلًا عما شهدته تركيا من انقلابات عسكرية متتالية لمواجهة كل ما يمثل تهديدًا على الهوية العلمانية لتركيا، كانت هذه الانقلابات هي الأخرى سببًا في التضييق على الهوية الكردية.
إلى أن نشطت الحركات اليسارية في أوساط الشباب الأكراد وظهر البعد القومي بشكل واضح في المقاومة الكردية، حتى ظهر حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” وتزعم الانتفاضات والمقاومة ضد السلطة في تركيا منذ عام 1978.
الأكراد وتركيا الحديثه
وبعد انتكاسة ثورة سعيد بيران شنت الحكومة التركية حملة اعتقالات وتصفيات واسعة في المناطق الكردية في تركيا وحسب مذكرات “جواهر لال نهرو“ عن اعترافات حكومة أنقرة، فقد بلغ عدد القتلى الأكراد في تلك الأحداث مليوناً ونصف مليون.
واستمرت الحكومات التركية المتعاقبة على نفس النهج وكان مجرد تلفظ كلمة أكراد يعتبر عملا جنائيا إذ كان يطلق على الأكراد مصطلح “شعب شرق الأناضول“ ولكن الاهتمام العالمي بأكراد تركيا ازداد بعد العمليات المسلحة التي شنها حزب العمال الكردستاني في الثمانينيات مما حدى برئيس الوزراء التركي آنذاك توركت أوزال 1927 – 1993 ولأول مرة أن يستعمل رسميا كلمة الأكراد لوصف الشعب الكردي في تركيا، وفي عام 1991 رفع أوزال الحظر الكلي باستعمال اللغة الكردية واستبدله بحظر جزئي.
وأثناء صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني تم تدمير 3000 قرية كردية في تركيا، وتسبب في تشريد ما يقارب 378ألف و335 كردي من ديارهم، وفي عام 1991 تم انتخاب ليلى زانا في البرلمان التركي وكانت أول سيدة كردية في كردستان تصل إلى هذا المنصب ولكنه وبعد 3 سنوات أي في عام 1994 حكم عليها بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة “إلقاء خطابات انفصالية”.
واعتذر رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الأربعاء 23تشرين الثاني / نوفمبر 2011 باسم الشعب التركي عن مجازر مدينة ديرسيم التي تقطنها أغلبية من الأكراد العلويين بين 1937 و1939.
وعرض أردوغان وقتها وثائق تعود لآب/اغسطس 1939 تتضمن تفاصيل حول العمليات في ديرسيم التي راح ضحيتها 13 ألف شخص بين 1936 و1939، ووصف رئيس الوزراء التركي مجازر ديرسيم بأنها (الحادث الأكثر مأسوية في الماضي القريب)، وقد عدَّ مراقبون هذا الاعتذار سياسياً وموجّهاً بالدرجة الأولى ضد حزب الشعب الجمهوري، إذ إن أحداث ديرسيم حدثت عندما كان حزب الشعب الجمهوري في السلطة.
الأكراد في عهد اردوغان وعملية السلام
انطلقت مسيرة السلام الداخلي، أو ما يعرف بـ”عملية السلام” قبل أكثر من عامين، من خلال مفاوضات غير مباشرة بين الحكومة التركية، وأوجلان المسجون في جزيرة “إمرالي”، ببحر مرمرة منذ عام 1999، وذلك بوساطة حزب الشعوب الديمقراطي (حزب السلام والديمقراطية سابقًا، وغالبية أعضائه من الأكراد)، وبحضور ممثلين عن جهاز الاستخبارات التركي.
وشملت المرحلة الأولى من المسيرة وقف عمليات المنظمة، وانسحاب عناصرها خارج الحدود التركية، وقد قطعت هذه المرحلة أشواطًا ملحوظةً. وتتضمن المرحلة الثانية عدداً من الخطوات الرامية لتعزيز الديمقراطية في البلاد، وصولاً إلى مرحلة مساعدة أعضاء المنظمة الراغبين بالعودة – الذين لم يتورطوا في جرائم ملموسة – على العودة، والانخراط في المجتمع.
وتؤكد حكومة أردوغان على التزامها بمسيرة السلام الداخلي، وبدئت المرحلة الثالثة من مفاوضات مسيرة السلام العام الماضي بعد وصول اردوغان لسدة الحكم، والتي تعمل على نزع السلاح وتوسيع دائرة العمل السياسي، وكسب الحزب الحاكم تأييد الاكراد عندما عاملهم من أبناء الوطن وأعطاهم حقوقهم.
وفي عهد الرئيس أردوغان، نجح حزب الشعوب الديموقراطي “الكردي ” في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وتخطى حاجز 10% ودخول البرلمان ومن ثم المنافسه السياسيه بشكل كبير وواضح، ومع معها مناداة البعض بفصل المناطق الكرديه عن تركيا ومن ثم تمتعها بالحكم الذاتي، أصبح للأكراد حزب بالبرلمان قد يكون في يوم من الايام هو الحزب الحاكم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث بدأ نحو 4 آلاف طالب كردي، في ولاية “سيعرت” شرقي تركيا، تعلّم لغتهم الأم، المدرجة ضمن الدروس الاختيارية، خلال العام الدراسي 2015-2016، ويتعلّم 4 آلاف و39 طالبا أغلبهم من الأكراد، اللهجة الكرمانجية -إحدى اللهجات الكردية-، في إطار مقرر “اللغات واللهجات الحية” التي أطلقتها وزارة التعليم والتربية التركية، في المرحلة الإعدادية -الوسطى-، فيما اختار 77 طالبا تعلم اللغة الأباظية -من عائلة اللغات القوقازية، وهو مايعني اهتمام الحكومة التركية بلغتهم وثقافتهم .
وبعد توصيل الأمان من حكومة أردوغان للأكراد، أيدوا مسيرة السلام، بعد أن تمكنوا من دخول البرلمان، وحكم أنفسهم فى مناطقهم، حيث إن البلديات لهم، كما أن لديهم حقوقا ثقافية وتعليمية، وهناك وزراء أكراد فى الدولة، وكل هذه تمنع شريحة واسعة من الأكراد من الانجرار إلى حلم المطالبة بالدولة والحكم الذاتى، وهذا يحتاج لزلزال كبير يضرب ويمزق تركيا، وهو ما لا يلوح فى الأفق.
في ذكرى وفاة أتاتورك الـ77 ووفق مايتردد أن اردوغان يعتبر أقوى زعيم جاء مثل أتاتورك، نجد أن هناك فرقا شاسعا بين معاملة كل من الزعيمين للأكراد، ويبقى السؤال الأقرب هل استفادت الدولة التركيه من قمع الأكراد أم استفادت من احتضانهم؟ وهل استفاد الأكراد أنفسهم من ذلك؟ أم أن حلم الانفصال سيظل الأقرب إليهم دائماً.
أحمد المصري
موقع تركيا بوست