فقدت الأزمة السياسية المتصاعدة في العراق منذ شهور، فرصة أخرى على طريق التهدئة ونزع فتيل الصراع المحتدم عقب قرار المحكمة الاتحادية.
وقررت المحكمة الاتحادية، وهي السلطة القضائية الأعلى في العراق، رد دعوى حل البرلمان وتحويل هذا الملف إلى مجلس النواب، للبت فيه.
وقبل هذا القرار، أجلت المحكمة الاتحادية البت في نظر الدعوى التي تقدم بها أمين كتلة التيار الصدري، لأكثر من 3 مرات، بعد تسلمها طلباً من المدعي العام في محكمة الكرخ في الأمر ذاته في يوليو/تموز الماضي.
وكان رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، دعا بعد أيام على اقتحام أنصاره المنطقة الرئاسية ببغداد أواخر يوليو/تموز الماضي، وإعلان الاعتصام المفتوح عند مبنى البرلمان، إلى حل مجلس النواب الحالي لتجاوزه المدد الدستورية في استكمال الركنين المتبقيين وهما انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء.
ورمى الصدر بعد ذلك الكرة في ملعب القضاء، حين جعل مهمة حل البرلمان في ساحته، وخلال مدة أقصاها 7 أيام، فيما دعا رئيس الجمهورية المنتهية ولايته برهم صالح إلى تحديد موعد لانتخابات تشريعية مبكرة.
وتلقفت العديد من الأوساط السياسية والشعبية مطالب الصدر وتضامنت معها حتى أصبحت رأياً ضاغطاً يفرض على صناع القرار الاستجابة وتحقيقه بأسرع وقت، بعدما باتت جميع الحلول للأزمة الراهنة تبدأ من حل البرلمان.
وخرجت الأزمة السياسية المشتدة بين طرفي المشهد الشيعي، الإطار التنسيقي والصدر، في الـ29 من أغسطس/آب الماضي، عن طاولة تبادل الاتهامات والبيانات الغاضبة إلى الصدام المسلح وتبادل العنف بين الطرفين مما أسفر عن وقوع عشرات القتلى والجرحى.
ورغم موقف الصدر التاريخي بسحب أنصاره المسلحين وفض التظاهرات السمية بشكل نهائي عشية ليلة دامية عاشتها البلاد قبل أيام، إلا أن قوى تشرين الاحتجاجية وبمعية أطراف أخرى بدت بإعادة تنظيم صفوفها الاحتجاجية والنزول بمطالب حل البرلمان وتحقيق انتخابات مبكرة.
“كان متوقعا”
رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، مناف الموسوي، قال في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن “قرار المحكمة الاتحادية كان متوقعاً وليس مفاجئاً للكثير من القوى السياسية المناهضة لبقاء البرلمان، ولكن ذلك لا يعني نهاية المطاف والتسليم عند هذا الأمر”.
ويوضح الموسوي، أن “حل البرلمان والانتخابات المبكرة بات مسألة شعبية ولاقى قبولاً من أغلب القوى السياسية وبالتالي”.
ومضى قائلا إن الحديث الآن عن إيجاد الآليات التي تنفذ بها تلك المطالب”، مستدركا “إن لم تستجب القوى المعترضة أو مارست عمليات التسويف والمماطلة، فإن ذلك قد يدفع بعودة التيار الصدري إلى التظاهرات مجدداً ورفع سقف المطالب”.
ويلفت الموسوي، إلى “أن نص قرار المحكمة الاتحادية الذي رد فيه دعوى حل البرلمان، جاء فيه عبارات ضمنية تدل على التعنيف والاستياء من أداء المجلس النيابي، وبالتالي فإن المحكمة رمت الملف في مرمى المجلس بحكم المسؤولية والعهد الذي قطعه الأعضاء على أنفسهم عند أداء اليمين الدستوري”.
وكانت المحكمة الاتحادية أشارت في بيانها اليوم الأربعاء، إلى أنه “لا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لأن في ذلك مخالفة للدستور وهدما للعملية السياسية بالكامل وتهديدا لأمن البلد والمواطنين”.
وأضافت المحكمة، أنه “كان من المقتضى على أعضاء مجلس النواب، العمل على تحقيق ما تم انتخابهم لأجله وهي مصلحة الشعب، لا أن يكونوا سببا في تعطيل مصالحه وتهديد سلامته وسلامة البلد بالكامل”.
حراك شعبي أم تدويل؟
بدوره، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي عصام الفيلي، إن “ديباجة قرار المحكمة الاتحادية اليوم، تعتبر المرة الثانية التي يشخص فيها القضاء وبشكل صريح خللاً بنيوياً في النظام الحالي والسلوك السياسي للطبقة الحاكمة”.
ويوضح الفيلي خلال حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “القضاء العراقي أسند مهمة حل البرلمان إلى البرلمان ذاته استناداً غلى الفقرة 64 من الدستور العراقي وبالتالي فإن القوى السياسية باتت أمام مسؤولية أخلافيه وتاريخية”.
ويمضي قائلا “بالتالي، إذا لم تستطع القوى السياسية، أن تكون على حجم ذلك الموقف، فإنه من المتوقع أن يكون هناك حراكاً شعبياً كبيراً سيتنزع تلك الحقوق والمطالب بشكل مباشر”.
ويتابع بالقول: “إن غياب ثقافة التنازل لدى الطبقة السياسية والاحتكام إلى المغانم والمكاسب، سيدفع الأمور إلى مسارات أكثر تعقيداً ربما قيد يكون من بينها تدويل القضية”.
العين الاخبارية