لا يزال العراق يعاني حالة من الانسداد السياسي. كل دعوات الحوار إلى التوافق من أجل إنقاذ العراق والعراقيين لا تزال محل جدل، لا حسم فيه.
لم تثمر كل التحذيرات التي أطلقت لمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى حتى الآن، فقد بقيت الأحزاب الولائية تراهن على الزمن للبقاء في السلطة مهما كان الثمن، وكأن الانتخابات المبكرة، التي جرت لم تكن لها قيمة دستورية أو قانونية أو ديمقراطية.
وبالتزامن مع تطورات الأوضاع أطلق بعض المسؤولين شعارات وردية عكس الواقع، وهو ما أفقدهم المصداقية لدى الشعب العراقي الباحث عن مخرج لأزمة وطنه.
بينما طالب كثيرون بحل المليشيات الولائية المسلحة لصالح مؤسسة الجيش الوطنية، التي هي رمز الدولة العراقية، لكن الأمر في كل خطوة كان يقابَل بتكتيكات معرقلة من قبل أحزاب وقوى معروفة ومهيمنة على القرار العراقي، خاصة بعد أن أوجدت الثلث المعطل في البرلمان.. والتي استغلت انسحاب الكتلة الأكبر من البرلمان لتنتقل هي إلى موقع الدفاع عن نتائج الانتخابات بعد أن رفضتها طويلا، وطعنت فيها أمام القضاء، وخرجت ضدها في الشارع، ليصل العراق إلى لحظة الصدام في الشارع، وتتحول “المنطقة الخضراء”، التي كانت رمزا للأمن، إلى بؤرة حرب تُنذر بتفاقم الأزمة.
في جوهر الأزمة العراقية، لا يمكن رؤية ما يجري اليوم بعيدًا عن أزمة بنيان النظام السياسي الذي خلف الأمريكيين بعد غزوهم العراق عام 2003، كما لا يمكن القفز فوق التدخلات الإقليمية التي جعلت من العراق منصة لتحقيق أجندة الآخرين في المنطقة، وفي الحالتين لم تقم العملية السياسية العراقية طوال الفترة الماضية على أسس الدولة الوطنية والمواطنة والعدل، بل على نظام المحاصصة الطائفية، الذي كان طريقا للفساد والفاسدين، للمتسلقين إلى السلطة والتشبث بها، وقد أنتج هذا النظام سيولة عسكرية على كل المستويات، أدت إلى انتشار مليشيات مسلحة في كل الاتجاهات، وهي مليشيات باتت لها اليد العليا في الدولة والنظام السياسي، إذ إنها قادرة على إنتاج دورة العنف وتجديدها عند كل أزمة ومنعطف، كما أنها كفيلة بإجهاض أي مبادرة تغييرية للخروج من الانسداد السياسي الذي وصلت إليه البلاد.
هذه الرؤية ليست وليدة نظرة تشاؤمية بقدر ما هي تعبير عن الواقع المُر، إذ ليس ثمة ما يُنبئ بإمكانية وقف هذه الحقيقة المرة إلا بمعجزات، حيث لا معجزات سياسية في عصرنا الرقمي، فكل المعطيات توحي بأن العراق يسير نحو مجهول.
العين الاخبارية