في الوقت الذي احتفت فيه واشنطن بالذكرى السنوية الأولى لتأسيس تحالف “أوكوس” (AUKUS) الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا، أجرى رئيسا الصين وروسيا اجتماعا مهما على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون.
وقبل عام، أطلقت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا شراكتهم الأمنية لمواجهة النفوذ المتزايد للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، في الوقت الذي اعتبرت فيه الصين التحالف الثلاثي انعكاسا لعقلية الحرب الباردة، وطالبت الدول الثلاث بالابتعاد عن التحيز الأيديولوجي.
وعاد الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين ليؤكدا عزمهما على مواجهة ما يعتبرانه رغبة الغرب -بزعامة الولايات المتحدة- في استمرار هيمنته على بقية العالم.
رسائل قمة شنغهاي المتناقضة
وجاء لقاء الرئيسين في مدينة سمرقند بأوزبكستان على هامش قمة دول منظمة شنغهاي للتعاون، في وقت يشهد فيه العالم أوضاعا جيوستراتيجية مربكة وخطيرة، إذ اقتربت الحرب في أوكرانيا من إكمال شهرها السابع دون ظهور بوادر لنهايتها أو تحقيق روسيا لأهدافها، في وقت استعادت فيه القوات الأوكرانية الكثير من أراضيها بعد تلقيها عتادا أميركيا وغربيا متقدما.
وفي جنوب شرق آسيا، زادت الخلافات الصينية الأميركية وتوترت بشدة عقب زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان في يوليو/تموز الماضي، وزيادة الصين أنشطتها العسكرية حول الجزيرة.
وأعربت الصين عن قلقها بشأن حرب روسيا في أوكرانيا، لكنها لا تنتقدها علانية، ودفع ذلك بالرئيس بوتين للإشارة المباشرة إلى مخاوف الصين، وقال “نحن نقدر تقديرا عاليا الموقف المتوازن لأصدقائنا الصينيين فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.. نحن نتفهم أسئلتكم ومخاوفكم في هذا الصدد”.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار خبير الشؤون الآسيوية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي جوشوا كورلانتزيك، إلى أن “الاجتماع بين الرئيسين الصيني والروسي كان بالغ الأهمية، خاصة أنها أول زيارة يقوم بها الرئيس الصيني خارج حدود بلاده منذ بداية تفشي فيروس كوفيد-19، وتظهر كذلك مدى التزام الصين بالعلاقة مع روسيا على الرغم من الشكوك في التزامها بذلك، ومن الواضح أن الصين أصبحت ملتزمة بشكل متزايد بالعلاقة مع روسيا، وهو ما قد يسبب مشاكل للصين على الساحة العالمية”.
ولا تعني العلاقات الطيبة بين روسيا الصين اتفاقا في كل القضايا، إذ يجمع الدولتين تنافس صامت على النفوذ والثروة في جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق.
وتستثمر الصين بكثافة في شبكة مجالات الطاقة والبنية التحتية في جمهوريات آسيا الوسطى، ضمن مبادرة الرئيس الصيني “الحزام والطريق” التي تربط الصين بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا.
لكنّ لروسيا والصين مصالح متضاربة في آسيا الوسطى، حيث تشعر بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة بالقلق من مغامرة بوتين في أوكرانيا، وتطور علاقات اقتصادية أوثق مع الصين.
وعبّر رئيس مؤسسة “أوراسيا غروب” آيان بريمر عن الخلافات الصينية الروسية في تغريدة أشارت إلى أن بكين تتحفظ على التدخل الروسي في أوكرانيا، وقال إن “غياب الدعم الصيني لروسيا فيما يتعلق بأوكرانيا واضح وثابت منذ فبراير/شباط الماضي”.
دعم اقتصادي لا عسكري
من جهتها، رأت خبيرة العلاقات الأميركية مع دول شرق آسيا بمركز “ستيمسون” بواشنطن صون يون أن اجتماع القمة الصينية الروسية “يشير إلى أن المزيد من التعاون الاقتصادي سيأتي بين الدولتين، لكن الصين لا تزال حذرة بشأن التعاون العسكري ذي الصلة المباشرة بالحرب في أوكرانيا، لكنني أتوقع أن تكون الصين أكثر إقداما على التعاون الاقتصادي مع روسيا”.
وتضع هذه الشراكة غير المتكافئة الصين في وضع مهيمن، حيث إن روسيا تحتاج إلى الصين أكثر مما تحتاج الصين إلى روسيا، خاصة بعد بدء حربها على أوكرانيا.
وأضافت الخبيرة صون يون -في حديثها للجزيرة نت- أن “أهمية الاجتماع تنبع من تجديد الالتزام بالمواءمة الإستراتيجية بين البلدين بعد 7 أشهر من الحرب في أوكرانيا، وذلك بغض النظر عن نتيجة الحرب. سوف تتحالف الصين مع روسيا، وهذا ما يحدده السياق الجيوسياسي الأوسع، وهو تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين”.
من ناحية أخرى، جددت قمة الرئيسين الصيني والروسي رفضهما “لعالم أحادي القطبية”، كما تم الحديث عن طبيعة وتشكيل النظام الدولي.
وغرّد ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، والمسؤول السابق في عدة إدارات أميركية، منبها إلى تراجع الفهم التقليدي لمفهوم النظام الدولي.
وقال هاس إن “النظام العالمي ليس انعكاسا لمقياس واحد، بل هو نتاج للنظم الجيوسياسية التي تعكس توازنات القوى المادية، ونظام العولمة الذي يعكس الجهود الجماعية لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ. النظام العالمي التقليدي في تراجع وانحدار”.
المصدر : الجزيرة