اعتقد دعاة حماية البيئة أنهم انتصروا حين حظرت أوروبا عمليات التكسير الهيدروليكي، لكن الولايات المتحدة، وبدلا من الابتعاد عن هذه التقنية، عمدت إلى “تنظيف” عملياتها بطرق مبتكرة طرحتها كحلول، فهل يجد الأوروبيون أنفسهم اليوم بحاجة ماسة للعودة إلى الغاز والنفط الصخريين مع ازدياد الطلب على الطاقة بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا؟
لندن – استخدمت الولايات المتحدة تقنيات التكسير الهيدروليكي منذ 1947، وحفرت 1.2 مليون بئر. وهذه التقنية تعني استخراج النفط والغاز عن طريق الحفر في الأرض وبلوغ مزيج عالي الضغط من الماء والرمل والمواد الكيميائية في طبقة صخرية في باطن الأرض لإطلاق الغاز الموجود بداخلها. وقد ساعدت هذه العمليات المنتجين في الوصول إلى سبعة مليارات برميل من النفط و600 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
وقد استفادت الولايات المتحدة بشكل كبير مما عرف لاحقاً باسم “التصديع المائي” على مدار العقد الماضي، حيث ساعد المنتجينَ على الوصول إلى بعض موارد الوقود الأحفوري التي كانت بعيدة المنال.
شركة “مايكروسيسميك” تقدّم آلات فريدة لمراقبة آثار الحفر الهيدروليكي، معتمدة تقنيات تشبه سماعة الطبيب
ووفقاً لفيليستي برادستوك في موقع “أويل برايس” فقد ساعد استخدام تقنيات التكسير الولايات المتحدة في الاستفادة من احتياطيات النفط والغاز الهائلة التي كان يستحيل على المنقبين التقليديين الوصول إليها. وتفوقت الولايات المتحدة خلال طفرة هذه العمليات في 2010 على روسيا والمملكة العربية السعودية كأكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم.
وارتفع الإنتاج الأميركي من الخام المحلي من 5.4 مليون برميل يوميا في 2010 إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول سنة 2019. لكنه تراجع في السنوات الأخيرة حيث شهدنا بدايات التباطؤ في 2019 ثم القيود الوبائية والانخفاض في الطلب.
وبينما تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على التكسير الهيدروليكي لإنتاج النفط والغاز، كافح دعاة حماية البيئة باستمرار لوقف هذه العمليات بسبب المخاوف البيئية التي تشمل المخاطر على جودة الهواء وتلوث المياه في مناطق التكسير والمخاوف بشأن الزلازل التي يسببها التكسير.
وحسب تحليل مجلة “إينيرجي بوليسي” فإن مشاريع الحفر المخطط لها في الولايات المتحدة ستطلق 140 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي إذا استمرت. وكان مجال الاهتمام الرئيسي هو حوض بيرميان الذي يبلغ عرضه حوالي 250 ميلا ويمتد غرب تكساس ونيو مكسيكو. ومن المتوقع أن يصدر حوض ديلاوير 27.8 مليار طن متري من الكربون بناء على خطط الحفر الحالية، ويمكن أن يطلق حوض ميدلاند ما يصل إلى 16.6 مليار طن من الانبعاثات.
وحظرت العديد من البلدان في جميع أنحاء أوروبا عمليات التكسير الهيدروليكي بسبب الشكوك المحيطة بالحركات الزلزالية وغيرها من المخاوف البيئية. وفرضت المملكة المتحدة حظرا على التكسير في 2019، لكنها غيرت هذا القرار في عهد رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس التي تهدف إلى إعادة تأسيس أمن الطاقة في البلاد.
المنتجون يتطلعون الآن إلى تنظيف عملهم بعد سنة الضغط التي تلت قمة المناخ “كوب 26” والتقدم اللاحق في سياسة المناخ الأميركية. وفرضت وكالة حماية البيئة في الدولة معايير الانبعاثات لمحركات الديزل غير المستخدمة للطرقات، مما يعني أن عمليات التكسير الهيدروليكي ستتحول إلى محركات المستوى الثاني والمستوى الرابع، مما سيقلل من انبعاثات الكربون. كما يدخل العديد من مشغلي التكسير تدابير جديدة مثل إعادة تدوير المياه وخفض الانبعاثات في موقع البئر واستخدام رمال الحوض للتخلص من التجفيف والنقل لمسافات طويلة.
وتحاول العديد من الشركات الناشئة التوصل إلى بدائل مبتكرة خاصة بها للاستفادة من تقنية التكسير الهيدروليكي بطرق صديقة للبيئة. وتتوقع إحدى هذه الشركات الناشئة، “مايكروسيسميك”، أن تزدهر في عصر تغير المناخ، وقدمت آلات فريدة لرصد الزلازل في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، واعتمدت تقنية تشبه سماعة الطبيب بدلا من الهزازات الزلزالية، التي تعمل مثل معدات الموجات فوق الصوتية. وتدعم “مايكروسيسميك” عمليات الصخر الزيتي مع ترسخ طفرة الغاز على الرغم من أنها لم تكن الغرض الأصلي للشركة. وقال الرئيس التنفيذي بيتر دنكان “طلبوا منا مراقبة التكسير، وأصبح الأمر أكثر قيمة للعملاء عندما بدأوا في حفر آبار أفقية طويلة لم يعد من الممكن استشعارها أو مراقبتها بفتحة سفلية واحدة”.
ودفع الوباء “مايكروسيسميك” إلى تسريح عدد من عمالها بسبب اعتمادها على أعمال النفط الصخري المتراجعة، لكنها ازدهرت بأفكار مبتكرة لتقليل الانبعاثات في عمليات كالصخر الزيتي.
وتتمتع الشركة بخبرة في تقنية التقاط الكربون وتخزينه، وهي عملية أصبحت ضرورية في عمليات النفط والغاز. ويقول دنكان “تقنيتنا مهمّة للغاية في إنجاح عزل ثاني أكسيد الكربون، ونحن نتابع ذلك”.
الشركة الناشئة تقدمت بالفعل بطلب للحصول على منحة وزارة الطاقة للاستخدام التجاري لمعداتها في التكسير والاستكشاف ودعم عمليات احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه. وهو طلب قيد الدراسة حاليا.
ويرى دنكان أن تقنية المراقبة الزلزالية ستساعد في تحديد المخاطر، مضيفاً قوله “يمكنك سماع أحداث زلزالية صغيرة تتزايد في الحجم، ثم ستعرف أنها قد تؤدي إلى حدث زلزالي على السطح، ويمكنك اتخاذ إجراءات لوقف ذلك. يمكنك اكتشاف ما إذا كان هناك صدع يسمح لثاني أكسيد الكربون بالتسرب خارج الخزان وخلق أحداث زلزالية”.
لقد ساعد التكسير الهيدروليكي الولايات المتحدة في النهاية على أن تصبح عملاقا للنفط والغاز على مدار الأعوام السبعين الماضية. وعلى الرغم من أن المخاوف البيئية قد أعاقت عمليات التكسير، إلا أن التطورات التكنولوجية الجديدة والممارسات المثلى تساعد على تغيير طريقة الاستخراج في الولايات المتحدة.
العرب