نحو خيار راديكالي لتفادي الفراغ الرئاسي ولمواجهة الأزمة: التوجّه شرقاً إلى إيران وقطر؟

نحو خيار راديكالي لتفادي الفراغ الرئاسي ولمواجهة الأزمة: التوجّه شرقاً إلى إيران وقطر؟

بات الفراغ في سدة رئاسة جمهورية لبنان محتوماً. مشهدُ الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي يضج بالأدلة والشواهد.. مَن بقي لديه شك بدّدته الجلسة الأولى، وربما الأخيرة، لمجلس النواب في محاولته انتخاب رئيس جمهورية جديد يوم الخميس الماضي. هل شكّل ما حدث ويحدث حافزاً لتفادي الفراغ الرئاسي قبل آخر المهلة الدستورية في 31 الشهر الجاري؟ من مجمل المعطيات والتطورات والاحتمالات ذات الصلة بالأزمة المتفاقمة، أمكنني توليف المقاربة الآتية:
أولاً المعطيات
ـ لا أكثرية واضحة في مجلس النواب لأي حزب أو كتلة أو تحالف أحزاب وكتل يمكنه انتخاب رئيس جديد قبل 2022/10/31.
ـ لا بوادر ولا مؤشرات جدّية إلى إمكانية تغيير هذا الواقع البرلماني في المستقبل المنظور.
ـ دولياً، العالم منشغل بالحرب الدائرة في أوكرانيا بين دول الغرب الأطلسي من جهة وروسيا وحليفتها الضمنية الصين من جهة أخرى.
ـ الولايات المتحدة منشغلة، أولاً، بتحدي التضخم الذي ينعكس سلباً على اقتصادها وملتزمة ثانياً، بتوفير مليارات الدولارات لحكومة أوكرانيا، لتمكينها من الاستمرار في استنزاف روسيا على أراضيها وربما عبر حدودها إذا تيسّر لها ذلك.

احتمالات خطيرة قد تضع لبنان على شفير فوضى شاملة قد تفقد معها البلاد وحدتها السياسية وتضعها في فوهة المجهول

ـ حلفاء أمريكا الاوروبيون منشغلون أيضاً بتداعيات الحرب في أوكرانيا على أوضاعهم الاقتصادية المأزومة. كل ذلك يخفّف من فعالية تدخل الغرب الأطلسي في شؤون لبنان الداخلية.
ـ «إسرائيل» منشغلة بثلاثة أمور: أولها مواجهة تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. ثانيها مشاغل الانتخابات النيابية في أول الشهر المقبل. ثالثها متابعة تطورات الصراع مع حزب الله حول حقوق لبنان في ثروته النفطية والغازيّة في مياهه الإقليمية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة. كل هذه المشاغل والتحديات تخفف من فعالية تدخل «إسرائيل» في شؤون لبنان الداخلية.
ثانياً: الإحتمالات
ـ لا مؤشرات إلى حدوث تغيير في اصطفافات الكتل السياسية داخل البلاد من شأنه تعديل موازين القوى السائدة حاليّاً.
ـ يُصعّد السفير السعودي في بيروت مساعيه لتحشيد النواب السنّة بغية تحقيق غرضين: مواجهة حزب الله وحلفائه، ودعم مرشح لرئاسة الجمهورية لا يكون لحزب الله وحلفائه صلة به أو تأثير فيه.
ـ لا مؤشرات إلى حصول توافق بين شتى القوى السياسية اللبنانية حول مقاربة مشتركة لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقة، أو لكيفية الاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بغية الحصول على دعمه وقروضه، أو لكيفية الانفتاح على إيران للحصول على مساعداتها النفطية وقبول عروضها لبناء معامل كهربائية جديدة.
ـ تزداد وتتوالى الاحتجاجات والإضرابات والتظاهرات لدرجة تهدّد بانفجار اجتماعي واسع، تعجز معه قوى الأمن الداخلي والجيش عن لجم الاضطرابات وتداعياتها.
ـ كل هذه الاحتمالات الخطيرة تضع لبنان على شفير فوضى شاملة قد تفقد معها البلاد وحدتها السياسية وتضعها في فوهة المجهول.
ثالثاً: الخيار الراديكالي: التوجّه شرقاً إلى إيران وقطر
ـ إذ يبدو الأفق السياسي مسدوداً، يتعيّن على القوى الوطنية الحيّة بشتى انتماءاتها أن تبحث عن مخرج آمن مما نحن فيه من بلاء.
ـ المهمة صعبة للغاية، لكن القوى الوطنية الأكثر ترجيحاً لتلبية نداء النهوض إلى اجتراح سبيلٍ للإنقاذ هي عناصر جادّة وجدّية من القوى الوطنية التقدمية المستقلة، بالتعاون مع قوى وعناصر جدية منضوية في حزب الله، أو متحالفة معه بغية بناء تحالف، أو تكاتف بين مختلف هذه القوى والعناصر، ما يضفي على تضامنها وتعاونها صبغة وطنية واسعة، وشعوراً محفز للنهوض إلى العمل.
ـ دول الغرب الأطلسي لا تمتلك من القوة والنفوذ ما يكفي لتعطيل تكاتف القوى الوطنية المتضامنة والمتعاونة، أو لإحباط نشاطها.
الشواهد كثيرة أهمها:
أ ـ نجاح حزب الله في استيراد مئات أطنان البنزين من إيران منذ أشهر وتوزيعها مجاناً على عشرات المؤسسات الاجتماعية الفاعلة، وإخفاق الحكومة والقوى المحلية المتحالفة مع أمريكا في إحباط هذه العملية الجريئة.
ب ـ عرضت إيران تزويد لبنان بأكثر من 600 طن من الفيول وتوريدها مقسطةً على خمسة أشهر، فما استطاعت حكومة نجيب ميقاتي ولا القوى المتحالفة مع امريكا رفضها أو تعطيلها.
ج ـ ما نجح حزب الله وإيـران فيه شجّع العــراق على القيام بمبادرات مماثلة لاقت ترحيبــاً من حكومــة ميقاتي وسائر القوى السياسية بشتى انتماءاتها.
ـ يبدو أن حاجة أمريكا إلى تليين سياسة محاصرة إيران، دفعها ويدفعها إلى عدم الاعتراض على نزوع بعض الدول العربية والإسلامية إلى الانفتاح على إيران، من أجل الحصول على دعمها المالي والنفطي، خصوصاً بعدما باشرت السعودية نفسها مفاوضة إيران بوساطة العراق.
ـ إلى ذلك، فإن قطر وحدها من بين دول مجلس التعاون الخليجي تدير شراكة نفطية مجزية مع إيران في بعض حقول الخليج، وتقيم علاقات سياسية ودّية معها، كما تدعم بعض المؤسسات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
– من هنا يستبين مخرج واقعي وراديكالي في أن لتفادي الفراغ الرئاسي وتداعياته ولمواجهة الأزمة المتفاقمة أيضاً، يتمثل في التوافق بين القوى الوطنية بشتى انتماءاتها، وحزب الله وحلفائه من جهة، ومن جهة أخرى مع ما يتيسّر من سائر القوى السياسية حتى تلك المتحالفة مع دول الغرب الأطلسي، للتوافق على أربعة أمور:
(أ) مرشح وطني نظيف الكف، غير حزبي وغير مرتبط بجهة سياسية معينة، لانتخابه رئيساً خلال المهلة الدستورية أو بعدها.
(ب) تأليف حكومة جديدة كاملة الصلاحيات من أطراف تكاتف القوى الوطنية وحزب الله وحلفائه ببرنامج اقتصادي – اجتماعي – إنمائي لمواجهة الأزمة المستفحلة.
(ج) التوجه إلى إيران وقطر طلباً لدعمهما المالي والاقتصادي والنفطي.
(د) إشراك قطر في عمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز واستثمارهما في البلوكات Blocks العشرة على امتداد الساحل اللبناني، خصوصاً في حال امتناع بعض شركات الحفر والتنقيب الغربية، بضغط من الولايات المتحدة، عن العمل والتعاون مع لبنان في البلوكات المشار إليها.
(هـ) تطوير العلاقات مع دول الغرب الأطلسي وصندوق النقد الدولي بغية الحصول على مساعدات وقروض، وكذلك مع كل الجهات المانحة شريطة عدم المساس بسيادة لبنان.
هذا خيار واقعي وراديكالي للخروج من حال الأزمة والاستعصاء اللذين نرتع فيهما. ألا يستحق أن يُدرس بتعقّل وأناة؟

القدس العربي