الاقتصاد السعودي حقق خلال عام 2022م نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 8.7%، إذ يُعد هذا المعدل أعلى معدلات النمو بين دول مجموعة العشرين خلال هذا العام رغم الظروف والتحديات الاقتصادية المُعقدة التي تعيشها دول العالم، اذ فاق التوقعات للمنظمات الدولية التي بلغت في أقصى تقديراتها 8.3%، فيما يُعد معدل النمو الحالي أعلى المعدلات السنوية في العقد الأخير، وذلك بحسب ما أصدرته الهيئة العامة للإحصاء وفقًا لتقرير الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات الحسابات القومية للربع الرابع من عام 2022م.
المملكة العربية السعودية بلد شرق أوسطي غني بالنفط وله اقتصاد سريع التطور. وعلى مر السنين، انتقلت البلاد من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع، يعتمد على تطوير القطاع غير النفطي.
اذ تمتلك المملكة خططا طموحة لزيادة تنويع اقتصادها ، بهدف تقليل اعتمادها على عائدات النفط وتحويلها إلى اقتصاد أكثر اكتفاءً ذاتيًا واستدامة، كما هو معروف النفط العمود الفقري للاقتصاد السعودي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولا يزال يمثل حوالي 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، و 90٪ من عائدات التصدير ، و 80٪ من الإيرادات الحكومية.
السعودية البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ، وتدير شركة النفط المملوكة للدولة ، أرامكو السعودية ، إنتاجها النفطي. صناعة النفط شديدة التركيز ، مع وجود عدد قليل من الشركات الكبيرة التي تسيطر على السوق.
صناعة النفط : صناعة النفط هي العمود الفقري للاقتصاد السعودي وتعد السعودية واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم. وتمتلك المملكة خُمس احتياطيات النفط في العالم ، وتشكل صادرات النفط حوالي 80 ٪ من الإيرادات الحكومية. تتمتع المملكة بتأثير كبير على أسعار النفط العالمية ، ويمكن أن يكون لتقلبات أسعار النفط تأثير كبير على الاقتصاد السعودي.
نفذت الحكومة السعودية تدابير مختلفة لضمان استقرار صناعة النفط والتخفيف من تأثير تقلبات أسعار النفط. وتشمل هذه الإجراءات إنشاء صندوق ثروة سيادي ، وهو مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) ، الذي يدير الاحتياطيات الأجنبية للبلاد ، ووضع سياسة مالية مرنة تسمح بإجراء تعديلات على الإنفاق الحكومي استجابة للتغيرات في أسعار النفط.
القطاعات غير النفطية : في السنوات الأخيرة ، ركزت الحكومة على تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط وتطوير القطاعات غير النفطية. وقد أحرزت الدولة تقدمًا كبيرًا في هذا الصدد ، حيث يمثل القطاع غير النفطي أكثر من 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. تشمل القطاعات الرئيسة التي تساهم في نمو القطاع غير النفطي والتمويل والسياحة والبناء.
أما قطاع التمويل فيعد مكونًا حيويًا للاقتصاد السعودي ، حيث تعد سوق الأسهم في البلاد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. وتنظم مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) قطاع التمويل ، ويلعب البنك المركزي دورًا حاسمًا في تعزيز الاستقرار المالي وضمان سلامة النظام المالي. وتعمل الحكومة بنشاط على تعزيز تطوير القطاع المالي ، مع مبادرات مثل إنشاء مركز مالي في الرياض وتنفيذ إصلاحات القطاع المالي لتحسين كفاءة القطاع وقدرته التنافسية.
أما السياحة فهي مجال له إمكانات كبيرة للاقتصاد ، حيث تهدف الحكومة إلى زيادة عدد السياح الذين يزورون البلاد من 19 مليون في عام 2019 إلى 100 مليون بحلول عام 2030. وقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات للترويج للسياحة ، بما في ذلك إصدار التأشيرات السياحية وتطوير البنية التحتية السياحية كالفنادق والمواقع السياحية. وإن التراث الثقافي الغني للبلاد وجمالها الطبيعي ، جنبًا إلى جنب مع جهود الحكومة للترويج للسياحة ، يجعلها وجهة جاذبة للسياح.
مشاريع البناء:
يعد قطاع البناء فهي تتميز أيضا بـ استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية والتنمية الحضرية ، بما في ذلك بناء مدن وطرق ومطارات جديدة ، لدعم النمو الاقتصادي وتحسين نوعية حياة مواطنيها.
التحديات الاقتصادية:
على الرغم من التقدم المحرز في تنويع الاقتصاد ، إلا أن المملكة العربية السعودية لا تزال تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. فاعتماد البلاد الكبير على صادرات النفط يعني أن التقلبات في أسعاره يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك ، يشكل الهيكل الديموغرافي للبلاد تحديًا ، حيث أن نسبة كبيرة من السكان تقل أعمارهم عن 30 عامًا ويحتاجون إلى فرص التعليم والعمل.ومع ذلك ، حيث من المتوقع أن ينخفض الطلب العالمي على النفط على المدى الطويل بسبب تزايد اعتماد مصادر الطاقة المتجددة.
في عام 2016 ، أطلقت الحكومة السعودية خطة رؤية 2030 ، والتي تهدف إلى تحويل الاقتصاد وتقليل اعتماده على النفط من خلال تطوير صناعات جديدة وزيادة مشاركة القطاع الخاص.
أحد مجالات التركيز الرئيسة لرؤية 2030 هو تطوير القطاع غير النفطي. حيث تهدف الحكومة إلى زيادة مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي من 16٪ في عام 2016 إلى 50٪ بحلول عام 2030. ولتحقيق ذلك ، تستثمر الحكومة بكثافة في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية ، كما تقوم بتنفيذ عدد من الإصلاحات لتسهيل عمل الشركات في البلاد. وأطلقت الحكومة أيضًا عددًا من المبادرات لتعزيز ريادة الأعمال والابتكار ، مثل إنشاء صندوق بقيمة 1.3 مليار دولار لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
بالإضافة إلى هذه المبادرات ، تقوم الحكومة أيضًا بتنفيذ عدد من الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال في البلاد. على سبيل المثال ، في عام 2018 ، أطلقت الحكومة برنامج التحول الوطني (NTP) ، والذي يتضمن عددًا من المبادرات لتحسين كفاءة الخدمات الحكومية ، والحد من البيروقراطية ، وزيادة الشفافية. كما أدخلت الحكومة عددًا من الإجراءات لجذب الاستثمار الأجنبي ، مثل إنشاء مناطق اقتصادية خاصة وإدخال لوائح استثمار جديدة.
في الختام ، يشهد الاقتصاد السعودي تغيرات كبيرة حيث تتطلع البلاد إلى التنويع بعيدًا عن اعتمادها على صادرات النفط. إذ أطلقت الحكومة عدة مبادرات لتعزيز التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي. وعلى الرغم من التحديات التي تمثلها جائحة COVID-19 ، فقد أظهر الاقتصاد علامات على المرونة ، ومن المتوقع أن ينتعش النمو الا قتصادي للبلد وياخذ مكانة اكبر تاثير في المنطقة والعالم .
وحدة الدراسات الاقتصادية /مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية