لا يحظى مرشح حزب الله وحركة أمل لرئاسة لبنان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بدعم داخلي كاف، فيما كشفت دوائر نيابية أن السعودية لن تدعم بأي حال من الأحوال مرشح حزب الله للرئاسة وهو ما قد يعيد خلط الحسابات الداخلية.
ويعول الساسة اللبنانيون على مغادرة الرياض لانكفائها والعودة إلى دعم لبنان المأزوم اقتصاديا وهو ما لا يوفره وصول مرشح حزب الله إلى قصر بعبدا. وأعلن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الثلاثاء أن بلاده ستدعم رئيس جمهورية منزّها وغير متورط في أي فساد مالي أو سياسي، وأن يكون مشروعه لحماية وإنقاذ لبنان.
واعتبرت المصادر أن تصريحات البخاري تؤكد بصفة غير مباشرة عدم رضا الرياض عن ترشيح فرنجية لاعتبارات عديدة أولها أنه مرشح خصمها الإقليمي اللدود (إيران) وثانيهما أن حزبه (تيار المردة) قد جاهر بالعداء للمملكة وكاد يتسبب في أزمة لبنانية – خليجية.
وفي وقت سابق، قال النائب اللبناني وائل أبوفاعور إنه نقل إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في الآونة الأخيرة معلومات ومعطيات جازمة تفيد باستحالة دعم السعودية لأي تسوية رئاسية تفضي إلى انتخاب مرشح حزب الله.
وتؤكد مصادر أنّ جنبلاط لن يسير بأي طرح رئاسي تعارضه السعودية ربطاً بالعلاقات التاريخية التي تجمعه مع المملكة من جهة، وبعدم القدرة على استنهاض البلد من أزمته الاقتصادية الطاحنة من دون الدعم السعودي من ناحية أخرى.
وانتخابات الرئاسة في لبنان تتداخل فيها التوافقات الداخلية مع الدعم الخارجي للمرشح، لذلك فإن أي توافق لا يحظى بدعم القوى الدولية المؤثرة لن يغيّر معادلة علاقات لبنان الخارجية ومساعيه لحشد دعم الدول المؤثرة بهدف الخروج من أزمته الاقتصادية.
ولا يزال الموقف السعودي من العودة إلى دعم لبنان اقتصاديا وماليا رهن التحركات السياسية في الداخل اللبناني لجهة تبديد تحفظات المملكة التي ظل السياسيون اللبنانيون ينظرون إليها على أنها داعم مالي دون التقيد بالتزاماتهم تجاهها، وهو ما لم يعد ينسجم مع إستراتيجيات الرياض الجديدة في المنطقة.
وتشدد الرياض على عنوانين أساسيين لإعادة دعم لبنان ماليا والانخراط في تحفيز اقتصاده: الأول هو التأكيد على أن الأزمة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله، على أساس أن مصدر التوتر يتمثل في هيمنة الأخير على الساحة السياسية، أما الثاني فهو ضرورة حصول إصلاحات حقيقية بالتزامن مع حثّ القوى السياسية على مواجهة الحزب الموالي لإيران.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إنه بالنظر إلى تاريخ العلاقات بين السعودية ولبنان، فإن الرياض هي الأكثر قدرة من بين دول الخليج على دعم لبنان ومساعدته في الخروج من أزماته، لكن هذه الأوساط تشير إلى أن السعودية قد لا تجازف بدعم حكومة يتحكم فيها حزب الله.
لحزب الله وحلفائه علاقات وثيقة بسوريا وإيران بينما يميل معارضو هذا الجناح في الطوائف المسيحية والسنية إلى الغرب ودول الخليج العربية السنية
ويدعم حزب الله طهران في صراعها الإقليمي على النفوذ مع دول الخليج، ولديه جناح مسلح أقوى من الجيش اللبناني ويدعم حلفاء موالين لإيران في المنطقة، ومن بينهم حلفاء في سوريا. كما تمارس الجماعة وحلفاؤها نفوذا كبيرا على سياسة الدولة اللبنانية.
وبذلت الرياض كل ما في وسعها على مدى سنوات لدعم لبنان وحث الفرقاء على منع ارتهانه لأيّ جهة خارجية، لكن اللبنانيين ظلوا ينظرون إلى المملكة كجهة مهمتها ضخ الأموال وتحريك الاقتصاد والسياحة دون أيّ التزام سياسي تجاهها، وهو خيار لم يعد يتماشى مع سياستها الجديدة.
وترى السعودية المناهضة للمشروع الإيراني في المنطقة أن حزب الله الحليف الأهم لطهران يهيمن على مراكز القرار في الدولة اللبنانية التي باتت مؤسساتها، بما فيها الأمنية، مهمشة وخاضعة له.
ولذلك تعتبر الرياض أن أي دعم يمكن تقديمه للدولة اللبنانية سيسهم في تقوية حزب الله وتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان بشكل أكبر. وأنفقت السعودية من قبل مبالغ كبيرة لدعم لبنان لكن العلاقات توترت بسبب تزايد دور حزب الله في الداخل وفي المنطقة.
وقال كريم إميل بيطار مدير معهد العلوم السياسية وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت إن “حزب الله يبعث برسالة للقوى الإقليمية مفادها أن فرنجية هو مرشحه الرسمي ويقول إنه ليس على استعداد للتفكير في خطة بديلة”. وأضاف بيطار “قد يؤدي ذلك إلى نزاع سياسي طويل الأمد والمزيد من التأخير في الانتخابات الرئاسية”.
الرياض تعتبر أن أي دعم يمكن تقديمه للدولة اللبنانية سيسهم في تقوية حزب الله وتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان بشكل أكبر
ولحزب الله وحلفائه علاقات وثيقة بسوريا وإيران بينما يميل معارضو هذا الجناح في الطوائف المسيحية والسنية إلى الغرب ودول الخليج العربية السنية.
ويعارض ترشيح فرنجية حزب القوات اللبنانية بزعامة السياسي المسيحي سمير جعجع. ولدى الحزب نحو 20 نائبا في البرلمان، كما أن التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل يعارض ترشيح فرنجية أيضا.
وفي الشهر الماضي، التقى ممثلون عن فرنسا والولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر في باريس لمناقشة سبل إنهاء الجمود السياسي في لبنان. لكن مصادر مطلعة على مجريات الاجتماع قالت إنه لم يسفر عن دعم واضح لمرشح بعينه للرئاسة.
ومنذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، خلا منصب الرئاسة في لبنان عدة مرات من بينها فترة بلغت 29 شهرا قبل انتخاب عون في 2016 في صفقة تسوية شهدت اختيار سعد الحريري لرئاسة الوزراء.
والبلاد بلا رئيس منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون التي استمرت ست سنوات في نهاية أكتوبر الماضي، مما أدى إلى تعميق الشلل المؤسسي في بلد تتفاقم فيه بالفعل إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ سنوات.
العرب