يشكل الاتفاق الذي أعلنته السعودية وإيران مؤخرا عن عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما مفاجأة على أكثر من صعيد.
أحد عوامل المفاجأة أن الاتفاق جرى بين بلدين كانت السياسة الخارجية لكليهما مؤسسة على صراع يشبه المعركة الوجودية التي تستخدم فيها كافة الأسلحة للتنافس على النفوذ الإقليمي، بشكل كان يؤدي، في أحيان عديدة، إلى مواجهات عسكرية أو سياسية، عبر تدخل مباشر، كما في اليمن، أو عبر دعم أطراف متنازعة في ساحات عربية كالعراق وسوريا ولبنان.
لم تقتصر المواجهات بين البلدين على خارج حدودهما، فكثيرا ما كان الطرفان، أو أحدهما، يتهم الآخر بالتدخل في الشؤون الداخلية عبر الإعلان عن دعم طهران، مثلا لأطراف شيعية معارضة في السعودية، أو الادعاء بدعم الرياض لجهات سنية معارضة في إيران.
لم يكتف الاتفاق بإعلان استعادة السفراء والقناصل والممثليات، خلال شهرين، بل أضاف أيضا تفعيل الاتفاقية الأمنية بين البلدين الموقعة عام 2001، وكذلك إعادة الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في عام 1998.
العامل المفاجئ الآخر كان أن الاتفاق بين البلدين جاء عبر وساطة من قبل الصين، وبما أن العلاقة الوثيقة بين بكين وطهران أمر معلوم، فالمستجد هنا أن الخطوة السعودية الجديدة جاءت في وقت يدرك الجميع فيه بالتوتر الصيني ـ الأمريكي، وهو ما يعني أن الاقتراب السعودي من بكين، هو ابتعاد متقصّد عن واشنطن.
تزداد أهمية هذه الانتقالة الدبلوماسية الجريئة والرسائل التي توجهها إذا انضافت إلى قضية التقارب السعودي من روسيا، والذي تتوالى فصوله منذ إعلان الرياض موافقتها على دعم موقف موسكو في منظمة أوبك + بتخفيض إنتاج النفط، في تشرين أول/أكتوبر العام الماضي قبيل الانتخابات النصفية الأمريكية، وهو الأمر الذي استجر غضبا أمريكيا سريعا، لم تنفع التصريحات المعتدلة اللاحقة في امتصاصه أو إخفاء آثاره على العلاقات الأمريكية ـ السعودية، وخصوصا بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي قابلتها السعودية حينها باحتفاء يفوق بكثير ما جرى خلال زيارة بايدن إليها.
إضافة إلى الصين فقد ساهمت جهات أخرى لإبرام هذا الاتفاق، وأهمها القيادة العراقية، التي بدأت خلال فترة رئاسة مصطفى الكاظمي للحكومة، بعقد جلسات التفاوض بين طهران والرياض في بغداد، وكذلك سلطنة عُمان، التي عملت بدورها، من موقعها في مجلس التعاون الخليجي، ودفء علاقاتها مع إيران، للتقريب بين الطرفين، وبغض النظر عن موافقة واشنطن على تلك المفاوضات أم لا، فقد كان كل ذلك يجري تحت أنظارها، وكانت تحاط علما به.
دوافع طهران للتقارب مع السعودية نابع بدوره من عوامل عديدة تقف على رأسها رغبة القيادة الإيرانية في فك العزلة العربية والدولية عنها، ولا يخفى على إيران، طبعا، أن إعطاء الصين هذه الأفضلية في الوساطة يصب في رياح حليفتها الطبيعية هذه، ويزعج الإدارة الأمريكية.
تبدو الخطوات السعودية على تنافر مع الخطوات التي حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن التأكيد عليها أثناء زيارته إلى السعودية في تموز/يوليو 2022، وبينها فكرة إنشاء تحالف أمني عربي ـ إسرائيلي بقيادة تل أبيب، والتسويق لتطبيع العلاقات بين الرياض وإسرائيل.
إذا كانت عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران لن تعني حلّ كل الإشكاليات التاريخية بينهما، فهل يمكن اعتبارها، على الأقل، إشارة اعتراض على المطالب الإقليمية الأمريكية؟
بالنظر إلى العناصر المعقدة الآنفة، يمكن القول إن الاتفاق السعودي الإيراني ما زال يتضمن مجاهيل عديدة يصعب حلها، وأن الطرفين سيقومان باحتساب أكلافها بحذر، وإذا كان من غير الممكن الجزم بإمكان تحقيق كل ما يطمح له الطرفان، أو إمكانية إقفال كل الملفات المتوترة بينهما، أو بأن يكون الاتفاق علامة على تغيير جذري في الاستراتيجيات السعودية أو الإيرانية، لكن الأكيد أن الاتفاق، مقروءا ضمن السياق السياسي لتطور العلاقات بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لن يكون خبرا سعيدا للأمريكيين والإسرائيليين.
القدس العربي