نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» خبرا يقول إن كشف الجيش الأمريكي تحضير الحرس الثوري الإيراني هجمات بمسيّرات على سفن تجارية مدنية إسرائيلية تبحر في منطقة الخليج وبحر العرب أدى لإرسال الغواصة «يو إس إس فلوريدا» الحاملة لصواريخ ذات رؤوس نووية موجهة إلى منطقة الشرق الأوسط بهدف ردع طهران والحفاظ على أمن أحد أكثر ممرات الشحن أهمية وازدحاما في العالم.
كانت حاملة طائرات أمريكية، «جورج دبليو بوش» قد تمركزت قبل أيام من إرسال الغواصة، في البحر الأبيض المتوسط بالقرب من السواحل السورية، وذلك بعد هجوم تعرضت له قواعد تضم جنودا أمريكيين في سوريا من قبل ميليشيات محسوبة على إيران، وحسب البنتاغون فإن التمركز جاء كإجراء احترازي بعد «تكثف هجمات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني» على القوات الأمريكية المتمركزة في سوريا.
إذا كان الحدثان الأخيران يؤشران على تصاعد التوتّر بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وهو صراع طويل، فإن تزامنهما حاليا مع أحداث أخرى، ذات صلة بـ«حرب الأقصى» التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين، يوحي بصعود لأثر هذا العنصر، وإمكانية إضافته على العوامل الأخرى لتفاعل الإقليمية المعقدة الجارية في خط يتضمن لبنان وسوريا وفلسطين ويمتد عبر العراق وصولا إلى الخليج العربي واليمن.
نتحدث هنا عن صراعين كبيرين، يحاول بعض الفاعلين الأساسيين فيهما، شبك عناصر من الرأسمال الرمزيّ الكبير للقدس والأقصى وفلسطين، بالقوة الإيرانية الحاضرة في أربع عواصم عربية، وذلك في مواجهة موضعية متعددة مع واشنطن وتل أبيب، وبذلك يتزامن كفاح الفلسطينيين ضد الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، والتي تجرّها عربات حزبي «القوة اليهودية» و«القومية الدينية» والمستوطنين المتطرفين، مع الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، والتي بدأت ملامح جديدة لها تظهر من لبنان حيث سجّلت 34 عملية إطلاق لصواريخ نحو إسرائيل، وإطلاق قذيفتين صاروخيتين من سوريا نحو الجولان المحتل.
أحد المستجدات في هذا المشهد المعقد هو الرعاية الصينية للتقارب السعودي ـ الإيراني، والذي شهدنا أمس بعض وقائعه، عبر وجود وفد سعودي في إيران وإعلان إيران إرسال وفد إلى السعودية خلال أيام، وهذا المستجد يعادل، اتخاذ الرياض، التي كانت تعتبر أحد أوثق الحلفاء العرب لأمريكا، موقفا يمكن وصفه بمصطلح «عدم الانحياز» الشهير، والذي يحاول إبعاد السعودية عن تبعات الحرب الدائرة بين الأمريكيين والإسرائيليين، من جهة، والإيرانيين وحلفائهم، من جهة أخرى (وكذلك الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وحلفائها الغربيين).
حمّلت إسرائيل الحكومة اللبنانية مسؤولية القصف، لكنها ردّت ردودا عسكرية محدودة اعتبر أن «حماس» في لبنان هي المقصودة بها، بما يشير إلى أنها لا تريد الاشتباك المباشر مع «حزب الله» أما في سوريا، فقد استهدفت، وبشكل مباشر، مواقع عديدة لجيش النظام السوري، وحملت مسؤولية إطلاق القذيفتين للحكومة السورية، وابتعدت بذلك عن قصف الميليشيات الإيرانية في الساحة السورية، على ما كان جاري العادة على مدى سنوات.
تمزج السياسات الإسرائيلية في «حرب الأقصى» قضايا السياسة والدين بشكل دمويّ، وتحاول، في الوقت نفسه، «فصل الساحات» والقضايا والعناصر المشتعلة، عبر انتقاء الأهداف التي تعتبرها ضعيفة، كزعم قصف «حماس» في لبنان، رغم معرفتها أن إطلاق الصواريخ يتم عبر موافقة «حزب الله» أو قصف «الجيش السوري» واستثناء إيران هذه المرة، وغير ذلك من التواءات.
لكن الأكيد أن استمرار قمع الفلسطينيين والتنكيل بهم، واستهداف الأقصى، يضيّق مجال اللعب السياسي، ويفتح المجال لانفجار كبير، مما سيجعل حرب القدس صاعقا يحرّك قضايا المنطقة مجموعة.
القدس العربي