إستراتيجية دفاعية جديدة لأستراليا فهل تردع التنين في “المحيطين”؟

إستراتيجية دفاعية جديدة لأستراليا فهل تردع التنين في “المحيطين”؟

أعلن رئيس الوزراء الأسترالي أخيراً مراجعة إستراتيجية بلاده لتكون أكثر قدرة على مواكبة تطورات العصر العسكرية ومجابهة الأخطار المتزايدة. وبحسب الإستراتيجية الجديدة فإن كانبرا ستعمل على زيادة جهودها في شراء صواريخ طويلة المدى ووضعت الصين كأحد الأخطار والمهددات للمصالح الأسترالية وتبلغ كلفة تنفيذ الإستراتيجية الجديدة نحو 12 مليار دولار أميركي للأعوام الأربعة المقبلة.

العلاقات الأسترالية- الصينية مرت أخيراً بسلسلة من التوترات، خصوصاً بعد إطلاق تحالف “أوكوس” الثلاثي، فيما تترقب دول “آسيان” ومنطقة المحيطين الهادئ والهندي سباق التسلح المتزايد في المنطقة بتوجس، لا سيما مع دخول قوى كبرى في تحالفات عسكرية إستراتيجية تنذر بحرب بين قوى نووية في الشرق الآسيوي.

فصول من التوتر

على رغم ارتباط الصين وأستراليا بعلاقات استثمارية وتجارية قوية، إذ تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين عام 2021 أكثر من 230 مليار دولار أميركي، إلا أن المتابع للعلاقات الثنائية يجد أنها ومنذ عام 2018 بدأت بفصول من التوتر، أولها أزمة شركة “هواوي” التقنية، فكانت أستراليا أول دولة من دول تحالف العيون الخمس الاستخباراتي (تحالف يضم أستراليا ونيوزيلاندا وكندا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة) تمنع شركتي “هواوي” و”زد تي أي” من المشاركة في البنية التحتية لتوريد الجيل الخامس، في خطوة عزتها كانبرا إلى أخطار التدخل أجنبي والاختراق الإلكتروني ولأسباب أمنية.

وأعقبت ذلك أزمة جديدة بين البلدين بالتزامن مع جائحة “كوفيد-19” فطالبت أستراليا بإجراء تحقيق عن أصل فيروس كورونا مما حدا بالصين إلى فرض تعريفات جمركية جديدة على عدد من البضائع الأسترالية من بينها الفحم والنبيذ واللحوم والمأكولات البحرية، وزاد الطين بلة انضمام أستراليا إلى تحالف “أوكوس” عام 2021 علاوة على وقوف كانبرا مع الجانب الأميركي بشكل متزايد في ظل الصراع الجيوسياسي بين بكين وواشنطن في المنطقة.

ويعتبر لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ برئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز على هامش قمة الـ20 في إندونيسيا اللقاء الأول من نوعه منذ عام 2016، وتفاءل به كثيرون لعودة العلاقات الاقتصادية لسابق عهدها، ولم يحدث ذلك، فتم استفزاز بكين بزيارة عدد من النواب الأستراليين لتايوان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مما أغضب التنين.

إستراتيجية الدفاع الأسترالية

في الـ24 من أبريل (نيسان) الجاري أعلن ألبانيز عن إصدار مراجعة إستراتيجية الدفاع الأسترالية التي وافقت الحكومة على عدد من الأولويات ضمنها للتطبيق الفوري، وشملت هذه الخطط الحصول على غواصات بالطاقة النووية من خلال تحالف “أوكوس” لتحسين قدرات الردع وتطوير قدرات قوات الدفاع الأسترالية للوصول إلى أهداف ومدى أطول وتصنيع الذخائر في أستراليا وتحسين قدرات الجيش وتطبيق مبادرات لتحسين نمو المهارات المتقدمة لقوات الدفاع، إلى جانب امتلاك الصواريخ طويلة المدى بما يمنح الجيش القوة الضاربة التي يحتاج إليها مستقبلاً.

وذكر ألبانيز أن الإستراتيجية الجديدة صممت لجعل أستراليا أكثر اعتماداً على الذات وأكثر جاهزية وأمناً لتوسيع قدراتها العسكرية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي ولحماية مصالح رئيسة في المنطقة، بناء على قواعد القوانين الدولية. وتهدف الإستراتيجية إلى جعل المنطقة حرة ومستقرة ومزدهرة بما يتطلب قدرات دفاعية قوية والعمل مع الشركاء للاستفادة من إمكاناتهم.

وتشير الإستراتيجية الجديدة إلى أن الحليف الرئيس لأستراليا، الولايات المتحدة الأميركية، لم يعد القائد الأحادي لمنطقة المحيطين الهادئ والهندي، بل صارت المنطقة تشهد صراعاً بين القوى الكبرى بما يجعل هذه التنافسية المحدد الرئيس للمنطقة حالياً، ولذلك غيرت أستراليا من رؤيتها الدفاعية والعسكرية وتحولت من نهج الاستجابة للأخطار منخفضة الدرجة من قبل القوى الكبرى والمتوسطة في المنطقة ليصبح نهجها الدفاعي أكثر تقدماً ونشاطاً فيعمل على دعم بقاء توازن القوى الإقليمية في منطقة المحيطين.

كما تطرقت الإستراتيجية الدفاعية إلى تهديد الصين للمنطقة وفرض سيادتها على بحر الصين الجنوبي بما يهدد قواعد القانون الدولي في المحيطين، وتذكر مصادر غربية أن الخطة الدفاعية الجديدة ستتجاوز 12 مليار دولار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.

بين “كواد” و”أوكوس”

خطوة كانبرا لم تكن مفاجئة، بخاصة مع انتهاجها خلال الفترة الأخيرة مسار الدخول في تحالفات مع عدد من دول المنطقة التي تخشى صراحة من تمدد الصين وقوتها العسكرية، وتعتمد الإستراتيجية الدفاعية الأسترالية على تعميق العلاقات مع عدد من القوى الرئيسة في المنطقة كاليابان والهند ممن تتشارك معهم تحالف “كواد” الرباعي الأمني وهو التحالف الأمني الأول الذي تنضم إليه أستراليا ضد الصين. وتشكل التحالف الرباعي رسمياً عام 2007 بجهد من رئيس الوزراء الأسبق الراحل شينزو آبي، لكن أستراليا انسحبت منه مع تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الصين، حتى لا تكون طرفاً في تكتل يتحدى بكين أو يكون نداً لها، إلا أن النظرة الأسترالية تجاه الصين تغيرت خلال الأعوام الأخيرة، فعام 2017 استعادت كانبرا مجدداً مكانها في التحالف وشاركت في أول قمة لرؤسائه في 2021 بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض.

ولم تكتف أستراليا بالتحالف الرباعي، ففي سبتمبر (أيلول) قبل عامين خرج الإعلان عن تحالف عسكري جديد سمي “أوكوس” وضم أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الذي وصف بـ”التاريخي” في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وفسر بأنه خطوة عسكرية قوية لوقف المد الصيني الذي يتوسع في المنطقة، كما أنه التحالف الأمني الأبرز منذ الحرب العالمية الثانية.

ويسمح الاتفاق الأمني لأستراليا ببناء غواصة بالطاقة النووية للمرة الأولى في تاريخها باستخدام تقنية أميركية، ويعتبر محللون عسكريون أن الاتفاق العسكري هو واحد من أكبر الشراكات الدفاعية بين الدول على الإطلاق ويركز على القدرات العسكرية، كما يتضمن مشاركة القدرات الرقمية وبقية التقنيات الخاصة بأعماق البحار. وبفضل الاتفاق الجديد ستصبح أستراليا الدولة السابعة عالمياً في تشغيل الغواصات بالطاقة النووية بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وروسيا.

تعارض الصين التحالفين متهمة إياهما بالترويج لـ”عقلية الحرب الباردة”، إذ وصفت وزارة الخارجية الصينية التحالف الرباعي بأنه أداة تهدف إلى كبح الصين وتطويقها وطريقة استفزازية للحد من الوحدة والتعاون الدوليين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. كما استنكرت الصين الاتفاق الثلاثي، واصفة إياه بـ”غير المسؤول”، وقال وزير الخارجية الصيني السابق زاهو ليجان إن الاتفاق الجديد يقوض السلم والأمن في المنطقة ويزيد من سباق التسلح، كما اتهمت السفارة الصينية في واشنطن البلدان الشريكة في اتفاق “أوكوس” بالتحيز الأيديولوجي.

“آسيان” وتباين المواقف

العلاقة بين أستراليا ودول “آسيان” مرت بفترات متباينة، إذ كانت كانبرا أول شريك حواري لرابطة “آسيان” منذ عام 1974. وفي 2013 أسست البعثة الأسترالية لدول آسيان في جاكرتا لتصبح مسؤولة عن تحسين العلاقات بين الجانبين.

وعام 2014 أصبحت أستراليا شريكاً إستراتيجياً لآسيان، كما تعد دول الرابطة واحدة من أكبر ثلاث شركاء تجاريين لأستراليا، بحيث بلغ حجم التجارة بين الجانبين 62 مليار دولار عام 2016. ولعل عام 2018 يمثل نقطة مفصلية في تاريخ العلاقات بين الجانبين، فللمرة الأولى تستضيف أستراليا قمة لزعماء آسيان، بما يعكس اهتمام كانبرا بمنطقة جنوب شرقي آسيا وعملها على إرساء عصر جديد من العلاقات.

ومع تسلم الإدارة السابقة الحكم في أستراليا أعلن رئيس الوزراء سكوت موريسون التزامه الرسمي تحسين العلاقات الإستراتيجية مع دول جنوب شرقي آسيا، لكنه كثف من التعاون الدفاعي مع الدول الغربية، بخاصة مع تكوين تحالف “أوكوس” مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الذي كانت تنظر إليه دول عدة في الرابطة بترقب وحذر لدخول عملية التسلح في المنطقة مرحلة خطرة، بما يهدد أمنها.

وحرصت الإدارة الجديدة بقيادة ألبانيز على إظهار اهتمام بلاده بدول المنطقة، بخاصة إندونيسيا، فكانت جاكرتا من أولى المحطات الدولية لزياراته الخارجية، وربما تمثل الإدارة الجديدة لأستراليا فرصة جيدة لبدء عصر جديد من العلاقات الدبلوماسية في جنوب شرقي آسيا، فيما جاء اختيار وزيرة للخارجية ذات أصول ماليزية ليمثل نوعاً من التقارب المشترك بين الجانبين.

من ناحية أخرى ربما يمثل تصاعد النزعة العسكرية لدى كانبرا في الفترة الأخيرة قلقاً بالنسبة إلى دول المنطقة التي تؤكد باستمرار تجنب الميل إلى أي طرف من القوى الكبرى فيها، كي لا تنجر إلى صراع عسكري يتسبب بخسائر جمة ويؤثر في الدول النامية اقتصادياً بشكل متسارع.

تحول في المحيطين 

لم تكن الإستراتيجية الدفاعية الجديدة لأستراليا المشهد الأول للتحول الكبير في منطقة المحيطين الهادئ والهندي والنزعة العسكرية المتنامية وتطوير القدرات العسكرية وتكثيف التسلح واستعراض القوة، إذ إن طوكيو سبقت كانبرا بتعديل واسع النطاق في سياستها الدفاعية وزيادة الإنفاق على الجانب العسكري بنسبة اثنين في المئة من الناتج الإجمالي المحلي بحلول 2027، كما عمقت اليابان التعاون الدفاعي مع بريطانيا.

الصين أجرت هي أيضاً تدريبات ومناورات عسكرية بحرية وجوية لأيام ثلاثة تحاكي تطويق تايوان، كما نقلت وسائل الإعلام الصينية الرسمية تصريح شي الذي دعا فيه قوات بلاده المسلحة خلال جولته التفقدية إلى تعزيز التدريب العسكري الموجه نحو القتال الفعلي، وحث خلاله قادة البحرية على ضرورة أن يدافع الجيش بحزم عن سيادة أراضي الصين ومصالحها البحرية والسعي إلى حماية الاستقرار المحيطي الشامل.

من جهة أخرى تسعى بعض دول آسيان كالفيليبين إلى تطوير علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة الأميركية في منطقة بحر الصين الجنوبي والسماح للقوات الأميركية باستخدام عدد متزايد من القواعد العسكرية، مما يثير قلق بكين التي ترى أن ذلك ربما يعرقل السلام والاستقرار في منطقة بحر الصين الجنوبي.

اندبندت عربي