حفلت زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد يوم الأربعاء الثالث من أيار 2023 بالعديد من المواقف الثنائية التي أكدت عمق العلاقة الوطيدة بين البلدين وطبيعة التحالفات السياسية الإستراتيجية التي أخذ مسارها الميداني التوافقي بعد مجئ الخميني للحكم في شباط 1979 والدعم الذي تبناه النظام السوري ووقوفه مع إيران في جميع المحافل الدولية والإقليمية ومناصرتها لحربها مع العراق البلد العربي المجاور لسوريا وهذا ما أكده رئيس النظام بشار الأسد في حديثه أثناء استقباله للرئيس الإيراني معتبرا أن موقف طهران يعبر عن الوفاء الذي جسدته القيادة الإيرانية في الوقوف إلى جانبه بعد الأحداث التي طالت الساحة السورية عام 2011 وتصاعد حدة المعارضة السياسية الشعبية للنظام ووصلت إلى حد المطالبة باسقاطه لولا تدخل طهران ومساندته عبر المليشيات المسلحة والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والدعم العسكري والاقتصادي الذي استمر طيلة سنوات المواجهة ولحد الان.
تأتي الزيارة في ضوء التطورات والأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، فهي الزيارة التي أعقبت الاتفاق السعودي الايراني الذي تم بضمانة دولية صينية كقوة عالمية أصبحت لها القدرة على التدخل في حل النزاعات الدولية في منطقة مهمة من العالم تشهد الكثير من الخلافات، كما أن وجود الرئيس الإيراني يأتي مع استمرار حدة الضربات الجوية الصاروخية الإسرائيلية للمواقع والأماكن والأهداف العسكرية والأمنية الإيرانية على الساحة السورية والتابعة للحرس الثوري وأدواته من المليشيات المسلحة وآخرها استهداف مطار حلب وضرب المواقع القريبة منه والتابعة لعناصر عسكرية وأمنية تعمل لصالح النظام الإيراني.
تمثل الزيارة حالة سياسية من فك العزلة عن النظام السوري حيث لم يسبق لرئيس ايراني ان زار دمشق هلال عقد من الزمن الذي شهد تدخلا ايرانيا سياسيا وعسكريا وامنيا في سوريا وبعد تنامي العلاقات العربية السورية وقيام العديد من المسؤولين العرب بالتوافد على العاصمة السورية دمشق واستعادة العلاقات معها بعد الزلزال الذي طال الشمال الغربي من الأراضي السورية، كما أن الزيارة مناسبة لعملية مناقشة سبل إنجاح اللقاءات الرباعية الروسية التركية الإيرانية السورية وتعزيز المسار السياسي لإعادة العلاقات مع أنقرة ودمشق عبر ثوابت سياسية ميدانية تسعى طهران للعمل عليها ومساندة النظام السوري فيها وهي مبدأ انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية وهذا ما أعلنه الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي بتاريخ الخامس من أيار 2023 بقوله (ان طهران تؤدي دور الوساطة بين دمشق وانقرة وان على جميع القوات الأجنبية مغادرة الأراضي السورية ويجب أن تعود الأراضي لدمشق ) ،وهو في هذا يتغاضى عن الوجود العسكري والأمني لبلده على الساحة السورية منذ عام 2011 ويشكل هذا الحديث موقفا ايرانيا استراتيجيا يتمثل في اعتبار سوريا عمقا مهما للمشروع الإيراني في التمدد والنفوذ داخل المنطقة العربية ولهذا فهي تعمل جاهدة على بناء القواعد العسكرية وتعزيز أنظمة الدفاع الجوي وأحداث مراكز لتصنيع الطائرات المسيرة التي تحقق لها إمكانيات واسعة في تعزيز دورها السياسي والأمني في سوريا مع دعم حالة الاستثمارات المالية والاقتصادية والعمل ضمن قطاعات الطاقة والشركات والمؤسسات الإنتاجية السورية وهذا ما يمكن أن نستخلص من تصريح ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بقوله ( ان ايران ستقف مع سوريا في مرحلة إعادة الإعمار ) ، كما أكدته طبيعة الزيارة التي شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات الإستراتيجية طويلة الأمد في مجالات الزراعة والسكك الحديدية والاعتراف المتبادل بالشهادات البحرية بين البلدين والمناطق الحرة ومذكرة تفاهم في المجال النفطي .
ان النظام الإيراني يسعى إلى توطين نفسه وادامة مشروعه في سوريا ورفض أي منافسة دولية وإقليمية وعربية له على الميدان السوري وهو في ذلك يسابق الأحداث التي أدت إلى موافقة الاقطار العربية في اجتماع الجامعة العربية على عودة سوريا لموقعها ودورها العربي وإمكانية حضور رئيس النظام السوري لمؤتمر القمة العربي القادم في الرياض ، وتدرك حقيقة انشغال الجانب الروسي بالحرب مع أوكرانيا مع احتمالات أن يتضاءل دور موسكو في سوريا مع رأينا في استبعاد هذا الأمر ولو في الوقت الراهن .
تبقى السياسة الإيرانية معبرة عن الأهداف الميدانية للمشروع السياسي والأمني الذي تتمسك به قيادات الحرس الثوري والذي يحظى بمتابعة ميدانية ونظرة إستراتيجية من قبل المرشد علي خامنئي والذي يعمل على إبقاء ودعم هذه القيادات والوقوف معها وتأسيس مرتكزات وقواعد سياسية لقياداتها داخل أروقة النظام الحاكم ليضمن استمرار وديمومة الدور الإقليمي والدولي لإيران حتى بعد وفاته.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية