يأتي تصعيد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واغتيال خمسة عشر فلسطينياً بينهم ثلاثة من قادة «سرايا القدس» الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، في لحظة موسومة بالتخبط السياسي الداخلي إسرائيلياً، بين حكومة غير مستقرة تشكيلتها، وحركة اعتراض من على يسارها ويمينها ومن داخلها.
هذا في مقابل وجود تقاطع جدي بين مصلحة بنيامين نتنياهو في لملمة حكومته ومعاودة الهروب إلى الأمام على كل صعيد، وبين رغبة الجيش الإسرائيلي في الرفع من درجة استهدافاته للمنظمات الفلسطينية ورفع مستوى انعدام التناسب بين الصواريخ المطلقة من جانب بعض الفصائل، وبين الهجمات الجوية والصاروخية الإسرائيلية.
وهكذا، في ارتداد فوري لاغتيال قادة الذراع العسكرية للجهاد، علق أقصى متطرفي بيئة الاستيطان، وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، مقاطعة اجتماعات الحكومة، مطالباً في الوقت نفسه بالمزيد من الاغتيالات.
الى أين يمكن أن يفضي التصعيد ووتيرته والرد عليه، وهل يتوسع نطاق المواجهة، لا سيما وأن الإعلام الإسرائيلي يركز في الآونة الأخيرة على التواصل بين «حزب الله» وبين «حماس» و«الجهاد»؟ يطرح هذا السؤال نفسه في عام انطلق فيه قطار المصالحة الإيرانية السعودية بالرعاية الصينية، فيما المفاوضات الأمريكية الإيرانية لا تبدو سريعة الإيقاع، وعشية القمة العربية العتيدة، وفي ظل انهماك النظام الرسمي العربي بترتيب عودة النظام السوري إلى «الجامعة العربية» ذلك في وقت تبرز أكثر من أي وقت مضى أن اهتمامات الأنظمة في واد، وما تعيشه الشعوب والمجتمعات في واد آخر، وحيث لا يمكن بأي شكل التعامل مع الصراع المتواصل على أرض فلسطين المحتلة كما لو أنه عالق في مستوى من التوتر لا يزيد فيه ولا ينقص.
فهل تفرض التطورات العدوانية الإسرائيلية نفسها على جدول أعمال القمة العربية؟ أم أن قضية فلسطين محصورة على المستوى العربي بين فريق يردد الشعارات المستهلكة بصددها، وبين فريق لا يزال يمني النفس بإحياء خطة دونالد ترامب «السلام من دون أرض»؟
في الوقت نفسه، التصعيد الحالي يطرح، وعلى نحو من الإلحاح، أهمية تحريك النقاش الفلسطيني الداخلي، والبحث عن تفاهم وطني جديد حول إطار المواجهة في المرحلة الحالية، وكيفية معالجة التناقضات الداخلية والاختلافات في وجهات النظر والأدوات الناجعة لمواصلة الصراع في الآونة الحالية. فالشيء الواضح حتى الآن هو أن الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية لا يمكنه أن يصل إلى أي وضعية «مستقرة». في المقابل، لا يتكفل استمرار سفك إسرائيل للدماء، ولا استمرار النضال الوطني التحرري الفلسطيني في إعادة توحيد البيت الفلسطيني، فلهذا الأمر شروط إضافية من عناوينها قبول التعددية والنأي بالقرار الفلسطيني قدر المستطاع عن التجاذبات والاستثمارات الإقليمية في القضية.
التصعيد الحربي الإسرائيلي يحرك الأسئلة في أكثر من اتجاه. أما الاغتيالات المنفذة تحت اسم «السهم الواقي» فهي سهم تخريبي بامتياز للاستقرار الهش الذي تعيشه المنطقة، ربما لن يتكفل وحده بنسف هذا الاستقرار الهش، لكنه «إسهام قاتل» يدخل في هذه الخانة.
القدس العربي