الباحثة شذى خليل*
مع اقتراب موعد الانتخابات التركية في 14 مايو الحالي، يحتل الوضع الاقتصادي مركز الصدارة على وعود المرشحين وأجنداتهم، في ظل مخاوف الناخبين من التضخم ، وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الليرة التركية وتآكل قيمتها ، وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين.
تركيا دولة تقع على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا ، ويبلغ عدد سكانها حوالي 85 مليون نسمة. حيث شهدت في السنوات الأخيرة سلسلة من الأزمات الاقتصادية ، وتفاقم الوضع بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية. وفقًا للأرقام الحكومية الرسمية ، حيث يتجاوز معدل التضخم في تركيا حاليًا 51٪ ، بينما يقدر الاقتصاديون المستقلون أنه أعلى بكثير ، حيث يبلغ 112٪. كما كان انخفاض قيمة الليرة التركية مصدر قلق كبير ، حيث فقدت العملة أكثر من نصف قيمتها في السنوات الأخيرة.
تبقى البرامج الاقتصادية عامل حسم قوي في الانتخابات ، ونشير الى الأداء الاقتصادي لتركيا خلال الـ 20 عاماً الماضية، فقد شهدت تركيا طفرة اقتصادية خلال العقد الأول من حكم أردوغان، ممّا أدّى إلى تكوين طبقة وسطى جديدة تتسم بالانتعاش.
ووفقاً للبنك الدولي، فإنّ الناتج المحلّي الإجمالي لتركيا – الذي يعدّ مقياساً لثروة أي بلد – انخفض إلى مستوى كبير خلال السنوات الخمس الأولى لوصول أردوغان إلى الحكم.
ومع وصول نسبة التضخّم الرسمية إلى أكثر من 85 في المئة العام الماضي، تبددت مدّخرات ملايين الأُسر، وبالكاد تتمكن عائلات كثيرة من تأمين مصادر إنفاقها حتى نهاية الشهر . فقد ارتفع التضخم بنسبة 70.2%، وكذلك أسعار المنتجين المحليين بنسبة 113.73%، وفقاً لهيئة الإحصاء التركية، وقضت الأزمة الاقتصادية على أكثر من نصف قيمة الليرة التركية، حيث قفز سعر صرف الدولار بنسبة 41.6% منذ يناير/كانون الثاني من العام الماضي.
تبنى أردوغان برنامجًا قائمًا على أسعار الفائدة المنخفضة والتوسع الائتماني ، مما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة ، وارتفاع معدلات التضخم ، وزيادة عجز الحساب الجاري والدين الخارجي ، نظرًا لاعتماد تركيا الشديد على الواردات. حيث واجه المواطن التركي خلال العامين الماضيين أعباء اقتصادية متزايدة ، لكن حزب العدالة والتنمية لا يزال يعتمد على الإرث الاقتصادي الناجح لأردوغان.
كان للزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير من العام الحالي تداعيات اقتصادية كبيرة ، حيث تسبب في خسائر بلغت 103.6 مليار دولار ، أي ما يعادل نحو 9٪ من الحجم المتوقع لاقتصاد البلاد هذا العام ، بحسب تقديرات حكومية.
كانت برامج أردوغان الاقتصادية مثيرة للجدل ، حيث جادل بعض النقاد بأن سياساته ساهمت في الأزمة الاقتصادية. إذ اعتمد أردوغان في البداية برنامجًا قائمًا على أسعار الفائدة المنخفضة والتوسع الائتماني ، مما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة ، وارتفاع معدلات التضخم ، وزيادة عجز الحساب الجاري والدين الخارجي. أعقب ذلك مرحلة حاولت فيها تركيا موازنة هذه الآثار ، مع تركيز الحكومة على برنامج ليبرالي تقليدي جديد ، يتمثل في معدلات فائدة عالية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية واستقرار قيمة الليرة ، مصحوبة بانكماش الائتمان من أجل محاربة التضخم والمديونية.
على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد ، لا يزال حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان يعتمد على ما يعتبره الإرث الاقتصادي الناجح لأردوغان. ويرى الحزب أن الوضع الاقتصادي كان سيصبح أسوأ لولا سياسات أردوغان ، وأنه اتخذ خطوات لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. ووعد أردوغان بمعالجة التضخم واستعادة قيمة الليرة التركية ، لكن بعض المحللين يشككون في هذه الوعود.
في الختام، يعتبر الوضع الاقتصادي قضية حاسمة في الانتخابات التركية المقبلة ، مع قلق كثير من الناخبين من التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة التركية. حيث اثارت سياسات أردوغان الاقتصادية الكثير من التساؤلات، هذا ومن المتوقع أن تأخذ البرامج الاقتصادية دورًا حاسمًا في الانتخابات المقبلة ، مع قدرة المرشحين على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد والتي من المرجح أن تؤثر على نتائج الانتخابات.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاقتصادية