تستعد تركيا لإجراء جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية في الثامن والعشرين من الشهر الجاري بين كل من الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي يسعى لولاية رئاسية ثالثة، ومرشح التحالف السداسي المعارض المدعوم من حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي كمال قليجدار أوغلو. ستكون هذه المرّة الأولى التي تجري فيها البلاد جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية منذ أن أصبح انتخاب رئيس الجمهورية يتم عبر الاقتراع العام بدلاً من اختياره من قبل البرلمان كما كان الحال قبل العقد الماضي. استطاع اردوغان التقدم على منافسه قليجدار أوغلو في الجولة الأولى بفارق يقل بقليل عن خمس نقاط مئوية، لكنّه لم يتمكن من تجاوز نسبة الخمسين زائد واحد اللازمة للفوز دون جولة إعادة. في 28 ايار/مايو، سيكون الوضع مختلفاً عما كان عليه قبل 14 ايار/مايو. سيخوض اردوغان جولة الإعادة بمعنويات مرتفعة بعد أن تمكن من الحصول في الجولة الأولى على 49.5 في المئة من الأصوات وحصل تحالفه الحاكم على أكثرية مقاعد البرلمان الجديد، على عكس قليجدار أوغلو الذي سيُكافح من أجل تقليص فارق النقاط مع اردوغان وتشجيع الناخبين المعارضين المحبطين من أداء المعارضة في انتخابات الرابع عشر من ايار/مايو للذهاب إلى صناديق الاقتراع من جديد.
في ضوء ذلك، يبدو أن فرص اردوغان لحسم جولة الإعادة لصالحه كبيرة بالفعل. فهو يحتاج أقل من 1 في المئة من الأصوات الإضافية لضمان ولاية رئاسية ثالثة. علاوة على ذلك، سيستفيد اردوغان من ميزة مهمة بعد فوز تحالفه بأكثرية مقاعد البرلمان الجديد، من أجل تخيير الناخبين الأتراك بين الاستقرار السياسي وعكسه لأن فوز اردوغان سيعني سلطة جديدة متناغمة بين الرئاسة والبرلمان على عكس الوضع الذي ستكون عليه البلاد في حال فوز قليجدار أوغلو بالرئاسة. يُبدي المسؤولون في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بمن فيهم اردوغان ثقة كبيرة بالفوز في جولة الإعادة. مع ذلك، سيتعين على اردوغان تحفيز مؤيديه على الذهاب بكثافة إلى مراكز الاقتراع في جولة الإعادة وعدم التعامل معها وكأنها محسومة سلفاً له، لأن كل 0.1 في المئة من الأصوات سيكون مهماً. كان اردوغان في الجولة الأولى بحاجة فقط إلى 0.5 في المئة من الأصوات الإضافية لضمان الفوز، لكنّه لم يتمكن من ذلك. على عكس الجولة الأولى، التي اتسمت فيها الحملة الانتخابية لاردوغان بخطاب استقطابي حاد، فإنه يُلاحظ منذ اليوم التالي للرابع عشر من ايار/مايو أن الرئيس تبنى خطاباً أقل استقطاباً على أمل دفع شريحة من الناخبين ممن دعموا قليجدار أوغلو في الجولة الأولى إلى التصويت له في جولة الإعادة.
مع ذلك، فإنه في بلد يتميز بديناميكية سياسية متحركة بسرعة، فإنه من الصعب الجزم بفرضية أن اردوغان سيفوز بجولة الإعادة ولو كانت مرجحة على نطاق واسع.
خطاب متشدد
يسعى مرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو إلى اللعب بكل الأوراق المتاحة من أجل عكس المد الانتخابي لصالحه في جولة الإعادة. لقد شرع الفعل في تبني خطاب متشدد تجاه المهاجرين ووعد بترحيلهم على الفور في حال فوزه في محاولة منه للحصول على دعم تحالف «الأجداد» القومي المتطرف الذي حصل مرشحه الرئاسي سنان أوغان في الجولة الأولى على 5.17 في المئة من الأصوات. كما تحدث قليجدار أوغلو مؤخراً عن رفضه التعاون مع المنظمات الإرهابية في محاولة لاستقطاب الأصوات القومية المعارضة الرافضة لتحالف قليجدار أوغلو مع حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي بسبب صلاته المزعومة بحزب «العمال الكردستاني» المحظور. ينفي الحزب الكردي أية علاقة له بالتنظيم، لكنّ بيانات الدعم التي صدرت من قبل قادة في حزب «العمال الكردستاني» لقليجدار أوغلو قبل الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية دفعت ما يقرب من 3 في المئة من الأصوات القومية في التحالف السداسي للتصويت لصالح سنان أوغان في الجولة الأولى.
حسابياً، سيتعين على قليجدار أوغلو الحصول على كامل نسبة الأصوات التي دعمت سنان أوغان في الجولة الأولى وهي 5.17 في المئة لضمان الفوز في جولة الإعادة، مع افتراض أن اردوغان لن يتمكن من زيادة رصيده من الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى. لكن من الناحية العملية، يبدو الأمر أكثر تعقيداً على قليجدار أوغلو. تُقدر الكتلة التصويتية الصلبة لسنان أوغان بنحو 2.5 في المئة فقط وهي النسبة التي حصل عليها تحالفه «الأجداد» في الانتخابات البرلمانية. أما الـ 3 في المئة الأخرى التي حصل عليها، فلا يُمكن تصنيفها ضمن كتلته الصلبة لأن معارضتها لأداء التحالف السداسي وهندسة قليجدار أوغلو للتحالفات الحزبية وتعاونه مع حزب «الشعوب» الكردي، هي من حددت سلوكها الانتخابي في الجولة الأولى.
قبل انسحاب زعيم حزب «البلد» محرم إينجه من السباق الرئاسي، كانت هذه النسبة تعتزم التصويت لصالحه، لكنّه بعد انسحابه قررت دعم أوغان.
بهذا المعنى، فإنه حتى لو قرر أوغان دعم اردوغان أو قليجدار أوغلو فلن يتمكن من توجيه الـ 5.17 في المئة كاملة التي صوتت له إلى أحدهما. لكنّه في حال قرر دعم اردوغان، فإن الأخير في لغة الحسابات يضمن الفوز لأنه يحتاج أصواتاً أقل من 2.5 في المئة من قوة أوغان الحقيقية.
الأيديولوجيا القومية
على العكس من ذلك، فإن دعم أوغان لقليجدار أوغلو لن يُساعده في ضمان الفوز. السلوك التصويتي المحتمل لـ 3 في المئة في جولة الإعادة لن يُحدده أوغان، بل مجموعة من المعايير الخاصة بهذه الكتلة على رأسها الأيديولوجيا القومية. قد لا تدعم جميعها اردوغان لأنّها تُعارضه أصلاً، لكنّ جميعها لن تدعم على الأرجح قليجدار أوغلو بسبب علاقته بحزب الشعوب الكردي وبدرجة أقل هويته الدينية. يوم الجمعة، اجتمع اردوغان مع سنان أوغان للحصول على دعمه، لكنّه يبدو أقل حاجة من قليجدار أوغلو لتقديم تنازلات لأوغان لعدة اعتبارات:
أولاً، وضع اردوغان جيد في جولة الإعادة، كما أنه يُدرك أنّ قليجدار أوغلو، مهما قدم تنازلات لأوغان، لن يستطيع معالجة الإشكالية الأكبر التي تواجهه في استقطاب الأصوات القومية وهي تحالفه مع حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي.
ثانياً، لأن قوة أوغان الحقيقية لا تتجاوز 2.5 في المئة، فإن أي صفقة يعقدها مع قليجدار أوغلو لن تؤثر بشكل حاد على ديناميكية المنافسة التي تميل لصالح اردوغان.
ثالثا، لا يستطيع اردوغان القبول بكل الشروط التي يطرحها أوغان لا سيما مسألة ترحيل اللاجئين بشكل فوري لأنه شرط يتعارض مع استراتيجية اردوغان لمعالجة ملف اللاجئين السوريين، كما أن القبول بهذا الشرط قد يؤدي لفقدان اردوغان نسبة من الأصوات التي دعمته في الجولة الأولى. كل 0.1 في المئة من الأصوات في جولة الإعادة مهم لاردوغان. لذا قد يكون أوغان أكثر ميلاً للتفاوض مع اردوغان بقدر أكبر من قليجدار أوغلو لأن مكاسب التفاوض مع مرشح أكثر قدرة على الفوز أكبر من مكاسب التفاوض مع مرشح أقل قدرة على الفوز. سيستخدم سنان أوغان على الأرجح مفاوضاته مع قليجدار أوغلو لتحسين وضعه التفاوضي مع اردوغان أو مع كليهما.
المصلحة الانتخابية
تكمن المعضلة الكبرى التي تواجه قليجدار أوغلو في جولة الإعادة في كيفية الموازنة بين الحفاظ على تحالفه مع حزب «الشعوب» الكردي وبين استقطاب نسبة الـ3 في المئة من الأصوات القومية المتسربة من التحالف السداسي. بالنظر إلى صعوبة تحقيق هذا التوازن، سيكون قليجدار أوغلو بحاجة إلى ميرال أكشنار زعيمة حزب «الجيد» القومي المعارض لمحاولة استقطاب هذه الكتلة. مع ذلك، ستواجه مثل هذه المحاولة صعوبة لأن أكشنار فقدت البعض من مكانتها بين القوميين المعارضين بعد الأزمة القصيرة للتحالف «السداسي» على خلفية التوافق على مرشح رئاسي مشترك، فضلاً عن أن الفترة القصيرة المتبقية لجولة الإعادة قد لا تكون كافية لأكشنار لإعادة ترميم الثقة مع هذه الكتلة. قد يتسامح حزب «الشعوب» مع النفس القومي الجديد لقليجدار أوغلو من منظور المصلحة الانتخابية، لكنّ الأخير يصعب عليه حتى مع هذا النفس القومي طمأنة هذه الكتلة بشأن طبيعة علاقته بحزب الشعوب. قد لا تدعم هذه الكتلة بأسرها اردوغان أيضاً لأنها تُعارضه بالأساس، لكنّ الأخير قد يتمكن من استقطاب بعض الأصوات منها لأنه يُركز في حملته الانتخابية على «الصفقة السوداء» بين قليجدار أوغلو وحزب الشعوب.
مُعضلة أخرى تواجه قليجدار أوغلو وهي إقناع الأصوات الرمادية بدعمه لأنّ نتائج انتخابات 14 ايار/مايو (وفوز التحالف الحاكم بالبرلمان) لن تُساعده في ذلك. على اعتبار أن العامل الأساسي المُحدد للسلوك التصويتي للناخب الرمادي هو الاستقرار السياسي، فإن اردوغان سيكون أكثر قدرة على مخاطبة هذا الناخب لأن فوزه يعني استقراراً في السلطة. تبدو جولة الإعادة في الثامن والعشرين من ايار/مايو الجاري فرصة سانحة أمام اردوغان لتمديد فترة حكمه لخمس سنوات جديدة، لكنّها ستُحدد أيضاً مستقبل المصير السياسي لزعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو الذي سيُكافح من أجل تجنب هزيمة جديد قد تُنهي مستقبله السياسي في زعامة حزب «الشعب الجمهوري» المعارض فيما لو خسر الانتخابات الرئاسية.
القدس العربي