الخرطوم – مع بدء شهر ثالث الخميس، يتواصل في السودان قتال لا منتصر فيه حتى الآن، ولا يلوح في الأفق حل سياسي يضع نهاية للمعارك المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي.
ومع مرور الأيام وانهيار الهدنات، زادت حدة القتال وتمددت ساحته من العاصمة الخرطوم إلى ولايات دارفور الخمسة (غرب)، وكردفان الثلاثة (جنوب) من أصل 18 ولاية في إحدى أفقر دول العالم.
وقالت الأمم المتحدة في بيان الأربعاء، إنه منذ منتصف أبريل الماضي “نزح أكثر من مليون و670 ألف شخص داخليا في السودان، بينما بلغ عدد من غادروا الحدود نحو 528 ألفا و147 شخصا”، فيما بلغ عدد القتلى من المدنيين 958 شخصا إضافة إلى 4 آلاف و746 مصابا، بحسب أحدث حصيلة لنقابة أطباء السودان (غير حكومية) الأربعاء.
وظل الأمل بتوقف الحرب يحدو السودانيين، لكن التطورات تنذر بغير ذلك، مع تحذيرات دولية من أن استمرار القتال سيؤدي إلى انهيار سريع للدولة، بل وسيؤثر على المنطقة بأكملها.
ومنذ مايو الماضي، ترعى السعودية والولايات المتحدة في مدينة جدة محادثات مباشرة بين طرفي القتال، في مسعى للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار تمهيدا للعودة إلى طاولة المفاوضات لحل الخلافات بالحوار.
لكن كل هدنة إنسانية تم الاتفاق عليها، لاسيما بهدف إيصال المساعدات إلى المتضررين، جرى خرقها وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن ذلك، باستثناء هدنة أخيرة قبل أيام استمرت 24 ساعة.
والثلاثاء أعلنت الخارجية الأميركية أن طرفي الصراع في السودان لا ينتهزان فرصة محادثات جدة، وأن “المحادثات لا تحقق نجاحا بالنظر إلى ما جرى الاتفاق عليه في البداية مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع”.
وإلى جانب الجهود السعودية والأميركية، طرحت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في 12 يونيو الجاري مبادرة لحل الأزمة السودانية.
ووفقا لما أعلنه الرئيس الكيني وليام روتو، تتضمن مبادرة “إيغاد” عقد لقاء بين رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وقادة دول جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي، إلى جانب لقاء بين البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وأوضح روتو أن “المبادرة تشمل البحث مع طرفي النزاع في فتح ممرات إنسانية مع خلال أسبوعين”، على أن تشرع “إيغاد” خلال ثلاثة أسابيع في إدارة حوار وطني بين قوى مدنية سودانية للبحث في نهاية الأزمة الحالية.
وفي 30 مايو الماضي، أعلن الاتحاد الأفريقي في بيان عن خارطة الطريق لحل النزاع تشمل ستة بنود بينها أن تعمل آلية شكلها الاتحاد على ضمان تنسيق جميع الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة.
وتنص خارطة الطريق على ضرورة الوقف الفوري والدائم والشامل للأعمال العدائية والاستجابة الإنسانية الفعالة لتداعيات النزاع، وضرورة حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية، والالتزام الكامل بالقانون الدولي الإنساني.
والأربعاء، أخذت الحرب منحى جديدا بمقتل والي ولاية غرب دارفور (غرب) خميس عبدالله أبكر أحد قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في أكتوبر 2020، فهو أول مسؤول حكومي يقتل منذ اندلاع الحرب.
وكان أبكر يترأس التحالف السوداني، وهي حركة مسلحة في دارفور، وقد نأت كل الحركات المسلحة بنفسها عن الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
واتهم الجيش قوات الدعم السريع باختطاف أبكر، لكن الأخيرة أدانت مقتله ووصفته بـ”التطور الخطير في الصراع بين المكونات القبلية”.
ويثير مقتل أبكر مخاوف مراقبين من أن دخول الحركات المسلحة في الصراع قد يقود إلى اتساع رقعة الاشتباكات لتشمل كامل إقليم دارفور المضطرب أمنيا بالأساس والذي شهد بداية منذ 2003 حربا بين الجيش السوداني وقوات مسلحة متمردة.
وقال المحلل السياسي أمير بابكر عبدالله إن “القتال توسع إلى أقصى درجاته بعد أن انطلق من الخرطوم ليشمل دارفور وكردفان، وقد أنهك كلا من الجيش وقوات الدعم السريع”.
وأضاف أن “التطورات الدولية والإقليمية يمكن أن تسرع من إيجاد حلول ووقف إطلاق النار.. ودول الجوار قد يكون لها دور في خفض التوتر بين الطرفين، ومسار منبر جدة قد يسرع من إيجاد حل”.
وبين البرهان وحميدتي خلافات أبرزها بشأن المدى الزمني لتنفيذ مقترح لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهو بند رئيسي في اتفاق مأمول لإعادة السلطة في المرحلة الانتقالية إلى المدنيين، بعد إجراءات استثنائية فرضها البرهان حين كان متحالفا مع حميدتي في 25 أكتوبر 2021.
ويعتبر الرافضون لتلك الإجراءات أنها “انقلاب عسكري”، بينما قال البرهان إنها هدفت إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، ووعد بتسليم السلطة إلى المدنيين من خلال انتخابات أو توافق وطني.
العرب