يعود حزب “العمال الكردستاني” إلى نشاطه المسلح ضد القوات التركية، مع إعلان قوى “المجتمع المدني الكردستاني” قبل أيام عن انتهاء وقف إطلاق النار أحادي الجانب من قبل الحزب المسلح، المعلن منذ وقوع الزلزال في 6 فبراير/ شباط الماضي.
و”الكردستاني” الذي يخوض نزاعاً مسلحا ضد الجيش التركي منذ عام 1984 كان قد أعلن من طرف واحد عن وقف إطلاق النار بعد وقوع الزلزال، فيما واصلت القوات التركية عملياتها المسلحة ضد مخابئ الحزب داخل تركيا وشمال العراق وشمال شرقي سورية، إذ لا تعترف الحكومة التركية بهذه الإعلانات ولا تعلق عليها كي لا تكتسب أي مشروعية.
وكان من اللافت أن إعلان “الكردستاني” وقف إطلاق النار تزامن مع دعم حزب “الشعوب الديمقراطي”، الذي يُتهم بأن له علاقات مع “الكردستاني”، مرشح تحالف المعارضة كمال كلجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية.
وأعلن تحالف “الجهد والحرية” الذي قاده “الشعوب الديمقراطي” في الانتخابات السابقة دعم كلجدار أوغلو، ولفتت تصريحات قيادييه في التجمعات الجماهيرية الكبرى بالحديث عن أجواء جديدة في البلاد مع فوز المعارضة في الانتخابات، منها إطلاق سراح القيادات الكردية المعتقلة وزعيم “الكردستاني” عبد الله أوجلان، وآلاف المعتقلين في السجون التركية.
وقال النائب البرلماني في حزب “الشعوب الديمقراطي” سري ساكيك في تجمع جماهيري بولاية أرضروم قبل الانتخابات، التي أُجريت يومي 14 و28 مايو/ أيار الماضي: “سنفتح أبواب السجون، أنتم تطالبون بالحرية لصلاح الدين دميرطاش (زعيم الحزب السابق). سنكون في الميادين بالطبع. سنكسر السجون في جزيرة آمرلي (مكان اعتقال أوجلان)، وسنجلب الحرية لأصدقائنا ولآلاف من أصدقائنا”.
فايق بولوط: قد تكون هناك عمليات في المدن الكبرى
كما قالت الرئيسة المشاركة للحزب برفين بولدان في تجمع بولاية قوجه إيلي في الفترة نفسها: “جميع المعتقلين من حزب الشعوب سيتم إطلاق سراحهم بعد الانتخابات، لن تخرج بالنجاح أنت (الرئيس رجب طيب أردوغان) في انتخابات 14 مايو، بل سيخرج صلاح الدين دميرطاش وجميع أصدقائنا من السجون”. واستغل التحالف الجمهوري هذه التصريحات لمهاجمة بالمعارضة وربطها بالحزب المحظور في البلاد.
هدوء مرحلة ما قبل الانتخابات
وخلال فترة ما قبل الانتخابات وما بعدها وصولاً إلى إعلان انتهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد، شهدت الساحة التركية هدوءاً نسبياً، مع توقف عمليات “الكردستاني”، على الرغم من انخفاضها بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فيما استمرت عمليات الجيش التركي وقوى الأمن داخل تركيا وخارجها، خصوصاً عمليات “المخلب” و”مخلب النسر والنمر” و”مخلب النسر 2″ و”المخلب ـ القفل” في شمال العراق في السنوات القليلة الماضية، وأدت هذه الاشتباكات لسقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
وتواصلت في السياق نفسه عمليات التوقيف التي تجرى من قبل القوى الأمنية لأفراد تتهمهم بالارتباط بـ”الكردستاني”، والإعلان عن إحباط عمليات مسلحة تستهدف مراكز حيوية في البلاد. واستمرت أنقرة في دعم نشاط الأمهات أمام مقر حزب “الشعوب الديمقراطي” في ديار بكر للمطالبة بعودة أبنائهن المختطفين من قبل “الكردستاني”، فيما واصلت المسيّرات التركية عمليات الاستهداف لمن تقول إنهم مطلوبون لقوى الأمن بتهم مختلفة.
كما تضغط أنقرة على الدول الداعمة لـ”الكردستاني”، ومنها السويد التي تطالب بالانضمام لحلف شمال الأطلسي. ومن المؤكد أن الحكومة التركية استفادت من هذه المواجهة مع “الكردستاني” في توظيفها انتخابياً.
ومع انتهاء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة في تركيا، تكثفت الهجمات الجوية المسلحة عبر المسيّرات من قبل القوات التركية على مناطق انتشار “الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب” في سورية والعراق. وأمس الأول السبت أفادت وكالة “الأناضول” بأن الاستخبارات التركية تمكنت من تحييد أحد مسؤولي “الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني” ويدعى عثمان نوري أوجاكلي، شمالي سورية، الذي أعطى سابقاً تعليماته لتنفيذ هجمات ضد قوات الأمن بتركيا، وخطط لهجمات أخرى ومنها الهجوم على سجن بورصة.
وقُتل أوجالكي خلال وجوده في منطقة عين العرب (كوباني) السورية، بعد تعقبه لفترة، وفق “الأناضول”. كما تعاني مناطق شمال وشرقي سورية، وتحديداً تلك الخاضعة لـ”الإدارة الذاتية” ذات الصبغة الكردية، ونفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، توقفاً للحركة، وتعطّل بعض الأعمال والنشاطات وحركة الطرق، نتيجة القصف الجوي التركي عبر المسيّرات.
وقبل أيام كشف مسؤولون عراقيون أكراد في إقليم كردستان، شمالي البلاد، أن الطيران التركي كثّف من هجماته على مواقع مسلحي “الكردستاني” داخل العراق، ما أوقع خسائر وإصابات في صفوف الحزب المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا.
تقارير عربية
الجيش التركي يخلي عدداً من المواقع التي يسيطر عليها شمالي العراق
وذكر مسؤول في قوات البشمركة، شمالي محافظة دهوك، لـ”العربي الجديد”، أن قصفاً تركياً عبر طيران مُسيّر وآخر حربي، شهدته مناطق جبل متين، والعمادية، وسيدكان والزاب، استهدف مقرات تابعة لـ”الكردستاني”، منذ فجر الأربعاء ولغاية صباح الخميس الماضيين.
ومع إعلان “الكردستاني” انتهاء وقف إطلاق النار المعلن من طرف واحد، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عمليات للحزب ضد القوات التركية أو المراكز الحيوية، وربما استهدافات لقواعد الجيش التركي في شمال سورية والعراق.
وفي الفترة الماضية شهدت قواعد القوات التركية في شمال سورية عمليات قصف أيضاً، وبالتالي فإن سيناريوهات المواجهة ستكون مفتوحة مستقبلاً في 3 ساحات: الداخل التركي وسورية والعراق.
مغزى إعلان “الكردستاني”
الكاتب الكردي فايق بولوط، المقرب من القيادات الكردية المعارضة، قال لـ”العربي الجديد” عن مغزى إعلان “الكردستاني” وسيناريوهات المواجهة مستقبلاً، إن “هذا الإعلان من قبل الكردستاني عن وقف إطلاق النار كان مؤقتاً ويبدو أن الحزب سيقوم بحملات معينة في مناطق مختلفة في إقليم كردستان العراق وفي تركيا، وهو ما يعني حصول اشتباكات بين عناصر الحزب وقوات الجيش التركي”.
وأضاف بولوط: “حجم الحزب الكردستاني نوعاً ما تقلص، ولا أعتقد أنه ستكون هناك عمليات كبيرة جداً، وبصورة استثنائية قد تكون هناك عمليات في المدن الكبرى، لا في المناطق الكردية بل في المناطق السياحية والصناعية، وهي عمليات استثنائية لأنه مختلف عن أسلوب الحزب أساساً”.
ليفنت كمال: من المؤكد أن الكردستاني سيلجأ إلى العمليات المسلحة قريباً
وعن المواجهة على الساحة السورية والعراقية، رأى أنه “على الساحة السورية لا يتدخل الكردستاني كثيراً بأمور الحركة الكردية، لأنها تتعامل بصورة عامة مع الولايات المتحدة وأوروبا”.
وتابع: “هذه الحركة قد تقوم بحملات مختلفة بمنظور آخر عبر الحوار مع النظام في دمشق، في ظل المشاكل في المطالب، وأهمها مسألة الحكم الذاتي. وبوجود روسيا وأميركا في سورية، فإن النظام والحركة الكردية في سورية تحت تأثير هاتين القوتين، كما أن هناك حواراً بين النظام وتركيا”. ولفت إلى أن “الظروف هي التي تحدد مسألة المواجهة على الساحة السورية بين القوات التركية والكردستاني”.
وختم بولوط بالقول: “تركيا لن تتخلى عن خطتها بالقضاء على الكردستاني ولكن مع استبدال وزير الداخلية السابق (سليمان صويلو) بالجديد (علي يرلي قايا) قد يقلل هذا من شدة العمليات ومن سرعتها، لذا أعتقد أن الحكومة الحالية ستنتهج سياسة أقل شدة حتى نهاية العام الحالي وهو ما سيحدد مدى مجال وحجم العمليات العسكرية التركية في شمال العراق”.
من جهته، قال الصحافي التركي المختص في الشؤون الدولية، ليفنت كمال، لـ”العربي الجديد”، إن “إعلان الكردستاني وقف إطلاق النار من طرف واحد جاء لدعم التحالف المعارض للرئيس أردوغان خلال فترة الانتخابات، وكانت هناك تصريحات من قيادات الحزب بضرورة كسر حكم أردوغان، لكن ومع خسارة كلجدار أوغلو أعلن أحد قيادات الكردستاني (لم يحدده) أنه (يجب عليهم تحويل المدن التركية إلى جهنم)، وهذا ما يلخص موقف الكردستاني”.
وأضاف كمال: “من المؤكد أن الكردستاني سيلجأ إلى العمليات المسلحة قريباً خصوصاً أن الحزب يعاني في شمال العراق وسورية، ويريد التغطية على خسائره هناك وبالتالي سيلجأ إلى هجمات أكثر عدوانية في تركيا وشمال العراق وفي سورية”.
ولفت إلى أن “مؤشرات ذلك في بدأت تركيا من خلال استهداف مواقع الجيش التركي قبل أيام في شمال حلب، وهو ما يؤشر لعمليات مماثلة تستهدف القواعد التركية خارج البلاد. كما أن هناك احتمالاً لعمليات مسلحة داخل تركيا رغم انخفاض منسوبي الحزب داخل تركيا”.
وحول الموقف التركي من هذا الإعلان، رأى كمال أن “القوات التركية قطعت في جنوب شرقي تركيا خطوط الإمداد بشكل كبير أمام مسلحي الحزب، إلا أن بعض القواعد في شمال العراق قد تشهد عمليات قصف وهجمات كر وفر، والقوات التركية ستواصل عملياتها في شمال العراق”، مضيفاً: “مساحة الحركة داخل تركيا قلّت للكردستاني وبالتالي من المحتمل تحوّله إلى العمليات في المدن الكبرى”.
العربي الجديد