الحلف الأطلسي: شجرة الحشد لا تخفي غابة الاستعصاء

الحلف الأطلسي: شجرة الحشد لا تخفي غابة الاستعصاء

تُفتتح اليوم في العاصمة اللاتفية فيلنيوس أعمال قمة الحلف الأطلسي الثانية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والأولى التي تحضرها فنلندا أحدث المنضمين إلى لائحة أعضاء باتت تضم 31 دولة، في انتظار موافقة تركيا على انضمام السويد واتخاذ مزيد من الخطوات التي تعبد الطريق أمام التحاق أوكرانيا بالحلف. ومن حيث مستويات الحضور تسجل القمة وجود رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وبولندا وجمهورية التشيك وليتوانيا وفنلندا، و15 رئيس حكومة بينهم المستشار الألماني، فضلاً عن ضيفَيْ القمة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي والكوري الجنوبي يون سوك يول.
لكن هذا الاحتشاد الضخم لقادة الحلف لا يلوح أنه أخفى الكثير من حقائق المشكلات المستعصية التي تتصدر جدول أعمال القمة، كما أنه لا يضمن مقداراً واضحاً ملموساً من إمكانية التوصل إلى حلول تذلل العقبات الكثيرة. فمن المعروف أن تسهيل إجراءات انضمام أوكرانيا إلى الحلف تواجهه عراقيل عديدة على رأسها عدم الاتفاق حول جدولة زمنية قريبة تضع كييف تحت حماية المظلة الأمنية العريضة للحلف، والنزاع قائم أو في اشتداد بين كتلة دول مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا تلحّ على تسريع سيرورة الضم، ودول أخرى فاعلة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا تتوخى التريث واعتماد بدائل مؤقتة مثل تعزيز أشكال دعم أوكرانيا تسليحياً ومالياً.
عقدة ثانية هي استمرار اعتراض تركيا على انضمام السويد، خاصة وأن تحفظات أنقرة السابقة حول احتضان ستوكهولم لكوادر وأفراد حزب العمال الكردستاني أضيف إليها مؤخراً سخط تركيا من تكرار حوادث حرق القرآن الكريم بإذن من السلطات السويدية وتحت حماية الشرطة بذريعة الحفاظ على الحق في حرية التعبير. وإلى جانب الشرط الحاسم في نظام الحلف الداخلي والذي يفيد بأن انضمام أي عضو جديد يجب أن يحظى بإجماع الأعضاء وأن اعتراضاً واحداً كفيل بتعطيل الضم، هنالك حقيقة أخرى وازنة تشير إلى أن الجيش التركي هو ثاني أضخم جيوش الحلف بعد الجيش الأمريكي.
عقدة ثالثة قد لا تتصدر جدول الأعمال ولكنها تظل جزءاً عضوياً لا يتجزأ من عقيدة الحلف التأسيسية، أي تلك التي تخص نسبة الـ 2٪ من الناتج المحلي في الإنفاق الدفاعي، والتي انطوت دائماً على تفاوت هائل بين الولايات المتحدة (811,140 مليار دولار أمريكي) ومقدونيا الشمالية (219 مليونا) وما يستتبعه ذلك من هيمنة على القرارات والسياسات للجهة الأكثر إنفاقاً.
عقدة رابعة لعلها الأكثر إفصاحاً عن مستويات الاستعصاء رغم أنها تبدو من حيث المبدأ الأسهل على الحل، وهي انتخاب أمين عام للحلف يخلف ينس ستولتنبرغ الذي يشغل المنصب منذ عام 2014 وقد جرى التمديد له أربع مرات. وإذ تحظى رئيسة وزراء الدانمرك ميتي فردركسن بدعم عريض، فإن كتلة دول البلطيق تطالب بأن يكون الأمين العام الجديد من مواطني بلدانها بعد أن احتكرت الدول الاسكندنافية المنصب مع ستولتنبرغ النرويجي وقبله أندرس راسموسن الدانمركي أيضاً.
وهكذا فإن الشجرة التي يعكسها احتشاد القادة في القمة، يصعب أن تغطي غابة المشكلات واستعصاء الحلول.

القدس العربي