معمر فيصل خولي
في خطوة فاجأت الوحدات الدولية وقد تكون أشبه بالصدمة، حيث توصلت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الايرانية وبرعاية صينية في آذار/ مارس الماضي، الى اتفاق من شأنه أن ينهي حالة الصراع الذي ساد بين الدولتين في فترات متقطعة، وخاصة منذ قيام الثورة الإيرانية في شباط/ فبراير عام 1979م.
هذا الاتفاق إذا قدر له أن يستمر خاصة إذا خلصت النوايا في سبيل نجاحه وتذليل الصعوبات التي ستواجهه فإنه سيؤسس لعلاقات مستقرة ومتوازنة بين طهران والرياض، وهذا سينعكس بشكل إيجابي أيضًا على أمن الخليج العربي بشكل خاص، وعلى البيئة الإقليمية بشكل عام.
وهذا يعني أننا أمام سياسة خارجية إيرانية جديدة إذا جاز لنا القول “إيران المفيدة” ، بمعنى التي لا تسعى إلى عسكرة سياستها الخارجية إزاء الدول العربية وخاصة في دول المشرق العربي، وعدم التدخل في شؤونها، وعدم توظيف الطائفة الدينية خدمة لأهدافها السياسية، بمعنى، أنها ليست وصية على المذهب الشيعي وخاصة في دول الخليج العربي ومن ثم يقع على عاتقها حمايتهم، فأبناء هذه الطائفة ولاسيما في دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والكويت هم من الناحية الوطنية والقانونية يتبعون دولهم وليس إيران، فإذا ارتكب مواطن من تلك الطائفة جريمة يعاقب وفق أحكام قانون تلك الدولة ولا يحاكم كونه منتمي لهذه الطائفة. وهذا يعتبر شأن داخلي لا علاقة لإيران به.
هذا الأمر إذا تحقق فإنه سيفتح الطريق للتعاون بين دول البيئة الإقليمية في المجال الاقتصادي وقد يصل إلى مستوى بناء تكتل إقتصادي يجمع المملكة العربية السعودية وإيران ومصر وتركيا وغيرها من الدول العربية، الأمر الذي سينعكس بشكل ايجابي على شعوبهم بالإضافة إلى تعزيز الأمن الإقليمي بين دول الجوار.
لكن إذا كان الاتفاق وخاصة من الجانب الإيراني ليس إلا مسألة وقتية لتجاوز أزمات داخلية وتخفيف الضغوط الخارجية يعني اتفاق مرحلي ” تكتيكي وليس استراتيجي” هذا يعني أن الصراع سيبقى السمة الرئيسة في البيئة الإقليمية.
وهذا يعني أيضًا بأن إيران مستمرة في التدخل بشؤون دول العربية ولاسيما المشرقية، إما لتبسط نفوذها الإقليمي عليها أو لزعزعة استقرارها.
لكن على قادة إيران أن يتدبروا التجارب التاريخية السياسية ومآلاتها، وخاصة تجربة نابليون بونابرت في القرن الثامن عشر، وهتلر في منتصف القرن العشرين، وشاه ايران الملك محمد رضا بهلوي في ثلث الأخير من القرن ذاته.
فالأول سعى بعد نجاح الثورة الفرنسية لتصدير مبادىء الثورة لإسقاط الأنظمة الملكية في أوروبا، التي اتحدت فيما بينها، وخاض ضدها حروبا انتهت بهزيمته، أما الثاني الذي تبنى فكرًا آريًا عنصريا لفرضه على أوروبا كان من بين الأسباب التي أدت إلى قيام الحرب العالمية الثانية، هذا الفكر قاده إلى الانتحار حينما تأكد من هزيمته في نهاية الحرب العالمية الثانية. وأما شاه إيران الذي مارس دور” شرطي الخليج”، وكان حليف الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة الحرب الباردة ،إلا أنها تخلت عنه ولم تسمح له بالاقامة فيها بعد سقوط حكمه فقد شكل هذا السقوط بداية النهاية للفترة الملكية، التي استمرت ٢٥٠٠ عام في بلاد فارس.
فلا نرغب لقادة إيران مصير كمصير نابليون ولا هتلر ولا الشاه ، كما لا نرغب بعد عقود من قيام الثورة الإيرانية أن تستمر سياستها الخارجية الإيرانية إزاء دول المشرق العربي وفق مبدأ “إيران الثورة” الذي صاحب اليد الطولى فيها الحرس الثوري الإيراني، وإنما نريد إيران الدولة التي تحترم مبادىء حسن الجوار.
شهدت البيئة الإقليمية منذ نجاح الثورة الإيرانية وحتى توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، أحداثا صعبة، لعل من أبرزها الحرب الإيرانية العراقية والتي امتدت لثمان سنوات واتخذت طابع الصراع القومي وانتهت الحرب -في رأيي- بهزيمة الدولتين، لأن تلك الحرب دمرتهما اقتصاديا وعسكريا ونفسيا، وكان المستفيد الأول من هذه الحرب إسرائيل والدول الداعمة للسلاح لكلتا الدولتين.
بعد هذه الحرب، وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، برز أيضًا صراع كان يحمل في طياته أبعادًا قومية وطائفية بين الرياض وطهران، هذا الصراع حرم الإقليم من منظومة تعاون إقليمي، كان المستفيد الأول من هذا الحرمان اسرائيل أيضا.
عاشت هذه البيئة الإقليمية عقودا من الحرب والصراع وكانت المحصلة سلبية تمامًا، فلماذا لا نجرب عقدا من الزمان يتسم بالاستقرار والتعاون الاقتصادي الإقليمي، وهذا الطرح ليس مجرد أمنية وإنما رؤية سياسية يمكن أن يكتب لها النجاح ، كما نجح الآخرين وخاصة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ولكي يتحقق ذلك على قادة إيران بعد اتفاق المصالحة مع المملكة العربية السعودية أن يتخلوا عن ايران الثورة لصالح إيران الدولة للوصول إلى إيران المفيدة إيرانيًا وإقليميًا ودوليا.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية