حرب الـ 12 يوماً… جراح اقتصادية عميقة لإيران

حرب الـ 12 يوماً… جراح اقتصادية عميقة لإيران

الباحثة شذا خليل*

بينما يترنح اقتصادها تحت وطأة عقود من العقوبات والحصار، جاءت حرب الـ 12 يوماً مع إسرائيل لتضيف فصلاً جديداً في سلسلة الخسائر الإيرانية. تدمير للبنية التحتية النووية والنفطية، انهيار في الصادرات، وضغوط داخلية متصاعدة تهدد الاستقرار. ورغم وقف إطلاق النار الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبقى طهران أمام تحديات اقتصادية وسياسية قد تمتد لسنوات، في وقت يزداد فيه المشهد الإقليمي والعالمي اضطراباً مع كل أزمة تمس مضيق هرمز وأسواق الطاقة العالمية.

الضغوط الاقتصادية
واجه الاقتصاد الإيراني ضغوطاً مستمرة لعقود. فبعد الثورة الإسلامية عام 1979، فرضت العقوبات الغربية – التي استهدفت في البداية صادرات النفط ثم توسعت لتشمل البنوك والتجارة والتكنولوجيا – قيوداً مالية مزمنة. كما استنزفت الحرب الإيرانية العراقية (1980–1988) الموارد، ودمّرت البنية التحتية الصناعية والطاقة. وفي السنوات الأخيرة، حدّت العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني من الاستثمارات الأجنبية وقيّدت وصول طهران إلى الأسواق العالمية.
وكما حدث في حرب 1967 العربية الإسرائيلية أو حرب أكتوبر 1973، فإن صراع عام 2025 حمل دلالات رمزية. فقد اندلعت الحرب في 13 يونيو واستمرت 12 يوماً، وهو رقم يرتبط برمزية تاريخية لكل من إسرائيل – كأمة ذات اثني عشر سبطاً – وإيران ذات التقليد الشيعي الاثني عشري. لكن هذه الرمزية لم تحجب حقيقة أن الخسائر الاقتصادية كانت واقعية وقاسية.
تركت حرب يونيو 2025، التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، آثاراً عميقة على اقتصاد البلدين، حيث حملت أصداءً لصراعات الشرق الأوسط السابقة من حيث الرمزية والتداعيات الواسعة. وبينما لا يزال وقف إطلاق النار الهش، الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صامداً لليوم الثاني، يحذر المحللون من أن الأضرار تتجاوز البنية التحتية والخسائر العسكرية، لتضرب في صميم الأسس الاقتصادية لإيران نفسها.

التكلفة الاقتصادية على إيران
كانت إيران، التي أضعفتها سنوات العزلة، هي الأكثر تضرراً من الحرب. فقد قدّر المحلل الدفاعي أندرياس كريغ الخسائر المباشرة وغير المباشرة بما بين 24 و35 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 6.3% إلى 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 380 مليار دولار.
أبرز أسباب هذه الخسائر شملت:
• تدمير البنية التحتية النووية: استهدفت الضربات الأمريكية والإسرائيلية مواقع مثل فوردو ونطنز وأصفهان. ورغم إعلان ترامب تدمير القدرات النووية الإيرانية بالكامل، تشير تقارير استخباراتية إلى أن مخزونات اليورانيوم ما زالت موجودة إلى حد كبير.
• انهيار صادرات النفط: ألحقت الأضرار بمنشآت الطاقة، ما تسبب في اضطرابات حادة في الشحنات النفطية. ونظراً لأن النفط يشكل المصدر الرئيسي للعملة الصعبة لإيران، فإن هذا التراجع سيطيل أمد الأزمة المالية.
• خسائر في البنية التحتية: قصف المراكز الصناعية والموانئ وخطوط النقل سيؤخر جهود إعادة الإعمار ويزيد البطالة.
تتفاقم هذه التحديات بسبب اعتماد إيران الكبير على النفط، وضعف قدرتها على الوصول إلى التمويل الدولي، وهشاشة عملتها المحلية.
التأثير الإقليمي والعالمي
امتدت آثار الحرب إلى الاقتصاد العالمي عبر مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله نحو ربع إمدادات النفط العالمية. وحتى من دون حصار كامل، أدت مخاوف التعطيل إلى مضاعفة أقساط التأمين على ناقلات النفط، وارتفاع أسعار خام برنت بنسبة 15–20%، وإجبار شركات الشحن الكبرى على تغيير مساراتها، ما رفع التكاليف.
كما تأثرت قطاعات الزراعة والصناعة في آسيا وأوروبا بسبب تأخر عمليات التسليم وزيادة النفقات، واضطرت شركات الطيران إلى تعديل مسارات رحلاتها، مما زاد من تكاليف التشغيل.
مقارنة التكاليف: إسرائيل والولايات المتحدة
على الرغم من أن إسرائيل تكبدت خسائر تُقدر بين 11.5 و17.8 مليار دولار، فإن اقتصادها المتنوع القائم على التكنولوجيا العالية واحتياطاتها المالية الضخمة يجعل التعافي أكثر سهولة. أما الولايات المتحدة، التي شاركت مباشرة في “عملية المطرقة منتصف الليل”، فقد كانت تكلفتها المالية محدودة بين مليار وملياري دولار فقط، لكن الكلفة الاستراتيجية لأي تورط أعمق قد تكون كبيرة.
التداعيات طويلة الأمد على إيران
من المرجح أن تستمر تداعيات الحرب الاقتصادية على إيران لسنوات مقبلة:
1. بطء التعافي: الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية النفطية ستؤخر استعادة العائدات.
2. تصاعد الضغوط الداخلية: استمرار التضخم والبطالة والعقوبات قد يزيد من السخط الشعبي.
3. تراجع الاستثمارات الأجنبية: عدم الاستقرار سيُبعد الشركاء الذين تحتاجهم إيران لإعادة الإعمار.
قصة الاقتصاد الإيراني بعد هذه الحرب تشبه تاريخه السابق – دورة من الضغوط الخارجية، والأزمات الداخلية، والصمود الذي يختبره الصراع باستمرار. وبينما يستمر وقف إطلاق النار، تواجه طهران تحدياً مألوفاً: إعادة البناء في ظل العقوبات والعزلة السياسية وتقلبات المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية