على وقع بدء التحضير لإجراء الانتخابات المحلية في العراق والمقررة في ديسمبر/كانون الأول المقبل، تواصل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تسلّم طلبات المشاركة في هذه الانتخابات من قبل الأحزاب والتحالفات السياسية المختلفة، حيث أعلنت، اليوم الإثنين، عن وصول عدد الأحزاب والكيانات السياسية المُسجّلة لخوض الانتخابات المحلية إلى 270، والتحالفات السياسية إلى 9، عدا عن التحالفات السابقة البالغة 42 تحالفاً.
ومن المنتظر أن تجرى الانتخابات المحلية في 18 ديسمبر المقبل، وستكون هذه أول انتخابات محلية تجرى في العراق منذ إبريل/نيسان 2013، أي بعد غياب دام نحو 10 سنوات، بسبب الحرب ضد تنظيم “داعش”، والاحتجاجات الشعبية عام 2019 التي طالبت بإلغاء مجالس المحافظات. وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع وفقاً للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من حكومة بغداد، وذلك بحسب الدستور العراقي النافذ في البلاد منذ عام 2005.
اصطفافات التحالفات وسباق لكسب وجوه جديدة
وعلى غرار مدن ومحافظات العراق الجنوبية والوسطى، فإن محافظات غرب وشمال العراق، تشهد سباقاً مماثلاً على كسب الوجوه الجديدة للانتخابات المحلية، لا سيما الشخصيات الأكاديمية والقبلية وأخيراً الناشطين والمؤثرين على مواقع التواصل. إلا أن المُختلف هو في عجز هذه المحافظات عن إنتاج أي تكتل أو حركة سياسية مدنية أو شبابية مثلما هي الحال في مناطق الجنوب والوسط، إذ ما زالت نفس الأسماء والعناوين تراوح مكانها في هذه المناطق.
يمنع القانون الأحزاب المسلحة من المشاركة بالانتخابات (أحمد الربيعي/فرانس برس)
تقارير عربية
الانتخابات العراقية المحلية: قانون أحزاب معطل منذ ولادته
محافظات ديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك والعاصمة بغداد، إلى جانب بلدتي الزبير وأبو الخصيب ومناطق أخرى ضمن محافظة البصرة، وفي شمال بابل منزوع السكان حيث مدينة جرف الصخر، تعتبر أبرز مناطق التنافس الانتخابي للقوى السياسية العربية السنية.
يعتبر حزب تقدم وتحالف السيادة الأوفر حظاً في الانتخابات
ومن أبرز هذه القوى، حزب “تقدم”، بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحالف “السيادة”، بزعامة الشيخ خميس الخنجر، وتحالف “الأنبار الموحد”، الذي يضم شخصيات سياسية عدة، أغلبها من مسؤولين ووزراء سابقين بين 2004 و2014، و”المشروع الوطني” العراقي بقيادة الشيخ جمال الضاري، وتحالف “عزم”، بقيادة رجل الأعمال مثنى السامرائي، وتحالفات أخرى ثانوية.
ولم تخرج التحالفات السياسية للقوى العربية السنية عن الاصطفاف الطائفي من ناحية التحالف أو الاتفاق على الدخول في قوائم موحدة، خصوصاً في بغداد وديالى، كما أن الشعارات والوعود تشابهت مع الشعارات والوعود التي رفعتها هذه القوى في آخر انتخابات برلمانية عام 2021، وهي إعادة النازحين وإخراج المليشيات من مراكز المدن وإعادة المدن منزوعة السكان لأهلها، وتعويض المواطنين المدمرة منازلهم والبالغة تقديراتها الحكومية 261 ألف منزل، والكشف عن مصير المختطفين، بالإضافة إلى وقف الاعتقالات العشوائية، ووعود أخرى لم تنفذ تلك القوى أيا منها رغم مرور أكثر من 9 أشهر على تشكيل حكومة محمد شياع السوداني.
ويرى مختصون أن التحالفات السياسية بالمجمل في العراق، ترتبط بالانتخابات حصراً، وليست تحالفات قائمة على أسس أيديولوجية أو فكرية أو أهداف مشتركة.
ويعتبر حزب “تقدم” وتحالف “السيادة”، بزعامة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، الأكثر حظاً في الحصول على أغلبية المقاعد المحلية بمجالس المحافظات.
ويقول نائب بارز في البرلمان العراقي، لـ”العربي الجديد”، إن “دخول حزب تقدم وتحالف السيادة بقوائم منفصلة في الانتخابات المحلية المقبلة الأكثر ترجيحاً حتى الآن”. ويضيف النائب طالباً عدم ذكر اسمه، أن “التحالفات الأخرى بالمجمل تشكلت على أساس التصدي أو كسر شوكة الحلبوسي خصوصاً في الأنبار، إذ يتفق كل من جمال الكربولي ورافع العيساوي ومثنى السامرائي وسلمان الجميلي وشخصيات أخرى، على ضرورة إزاحة الحلبوسي في الانتخابات المحلية، بغض النظر عمن سيفوز منهم”.
أكبر المتنافسين في انتخابات العراق المحلية
ووسط مؤشرات إقبال ضعيفة في المدن الكبيرة من قبل المواطنين على تحديث سجلاتهم الانتخابية، خصوصاً في الموصل ثاني أكبر المدن العراقية من ناحية عدد السكان، تليها الفلوجة وتكريت، بسبب ما يعتبره سكان هذه المناطق “تكرار الوجوه والشعارات ذاتها”، يقول المحلل السياسي العراقي كتاب الميزان، إن “تحالف السيادة وحزب تقدم، هما أكبر المتنافسين على حصد مقاعد مناطق شمال وغرب العراق، يليهما تحالف (عزم) برئاسة مثنى السامرائي، ثم تحالف (الأنبار الموحد) الذي يضم وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، وزعيم حزب الحل جمال الكربولي، وشخصيات بارزة مثل وزير التخطيط الأسبق سلمان الجميلي، ووزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي”.
تشهد محافظات غرب وشمال العراق سباقاً لكسب وجوه جديدة
ويضيف الميزان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الاصطفاف السياسي في الانتخابات المحلية تشترك في بنائه طبيعة المحافظات، من ناحية العشائر والقومية والمذهب فيها، لكن التحالفات السياسية السنيّة عادة ما تتبنى قبل كل انتخابات قضايا رئيسية تخص المُغيّبين وإعادة الإعمار، لكن يبقى الأمر في يد الفاعل الشيعي، وما إذا كانت لديه جدية في إنهاء هذه الملفات”. ويؤكد أن “كل هذه القضايا تندرج ضمن الوعود الانتخابية ولا يمكن ضمانها”.
في محافظة صلاح الدين شمالي العراق، الأكثر دماراً بعد الموصل والأقل إعماراً في الوقت ذاته، يقول الناشط السياسي ياسر عدنان، إن هناك “بعض المعالم للتحالفات السياسية في المناطق المحررة من تنظيم داعش”. ويلفت عدنان في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن هذه التحالفات “تتشكل حسب نوعية الاتفاق والأهداف التي تطمح إليها، وترتكز على مدى التوافق السياسي وعلى مدى التوافق في توزيع المحاصصة بعد الانتخابات”، في إشارة إلى الاتفاق على مناصب المحافظ ومعاونيه ورؤساء الدوائر الأخرى في كل محافظة. ويستبعد عدنان رؤية أحزاب جديدة ناشئة في تلك المناطق من القوى المدنية أو غيرها.
العضو البارز في “تحالف الأنبار الموحد”، محمد الدحام، يرى من جهته في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “خريطة القوى السياسية ستتغير في الأنبار بشكل كبير قريباً”، في إشارة إلى ما ستفضي إليه نتائج الانتخابات المحلية نهاية هذا العام. ويضيف الدحام، أن تحالفه “منفتح على جميع القوى السياسية، باستثناء حزب تقدم بزعامة الحلبوسي، والأمر وصل بين تحالف تقدم وتحالف الأنبار إلى كسر العظم”، وفقاً لقوله. كما يوضح أن شعار كشف ملفات الفساد سيكون الأبرز في حملتهم الانتخابية.
وحول الحراك السياسي الحالي في مناطق شمال وغرب العراق، يؤكد الباحث في الشأن السياسي العراقي يحيى الكبيسي، أن ما وصفه بـ”الجغرافية السنية” ستشهد “تحالفات جديدة، من المبكر معرفتها جميعاً الآن، فمن المعروف أن موضوع التحالفات في هذه الجغرافية تبقى رمالاً متحركة حتى لحظة تسجيل التحالفات في مفوضية الانتخابات”.
ويشرح الكبيسي لـ”العربي الجديد”، بحسب رأيه، أن الانتخابات في الجغرافية السنية تعتمد على جمهور زبائني بالدرجة الأولى، وجمهور مناطقي وعشائري بدرجة أقل، ولا يتعلق الفوز بالثقة أو الاحترام، لهذا لا تدخل المبادئ أو المصداقية أو النزاهة ضمن محددات السلوك الانتخابي إلا في حالات نادرة”، وفقا لقوله. ويضيف الكبيسي في هذا الصدد أن “التحالفات تبنى على ثلاث قواعد هي القدرة على التمويل، والعلاقة بالسلطة، والقدرة على التزوير، فهي تحالفات تكتيكية ترتبط بالانتخابات حصراً، وليست تحالفات قائمة على أسس أيديولوجية أو فكرية أو أهداف مشتركة، لهذا لا يمكن التوهم بإمكانية إحداث أي تغيير في واقع هذه الجغرافية على المدى المنظور”.
ويرى الباحث السياسي أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم تحالف السيادة، سيبقيان حاضرين بقوة في المشهد، وحظوظهما تبقى مرتبطة بعوامل غير ذاتية، منها مثلاً إذا تمت إزاحة الحلبوسي عن منصبه ما يجعل حظوظه تتناقص، لأنه سيفقد السلطة. ويؤكد أن الثوابت غائبة، وهو ما يجعل كل التحالفات مهددة بالتفكك، على حد قوله.
العربي الجديد