لم يسبق أن شهد كيان الاحتلال أزمات متتابعة ومتزامنة وانقسامات حادة تهدد كيانه! وتصاعد مخاوف من اندلاع حرب أهلية في الداخل وصلت لحد وصف النظام الحاكم من قبل شرائح بما فيها القوات المسلحة المتمردة بالديكتاتورية ورفض الخدمة العسكرية.
وعبر وزير الدفاع الإسرائيلي عن قلقه وطالب بوقف التعديلات التي تسعى حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً وفاشية بتاريخ الاحتلال، لفرضها بغياب إجماع، لتقويض وإضعاف صلاحيات السلطة القضائية والمحكمة العليا لينجو بجلده من إمكانية إدانته بقضايا جنائية تتعلق بخيانة الأمانة والنصب واستخدام منصبه لمصالح شخصية وفي التعيينات وعدم التدخل في قوانين الكنيست.
كما تواجه إسرائيل أزمة حقيقة مع حليفها إدارة الرئيس بايدن برغم دعمها غير المحدود لضمان أمن واستقرار إسرائيل، لكنها توجه انتقادات لسلوك حكومة نتنياهو بعرقلة حل الدولتين وتسريع وتكثيف الاستيطان غير الشرعي.
لكن الملفت تغير المزاج في واشنطن، وتجرؤ مشرعين أمريكيين ديمقراطيين تقدميين اتهام ووصف إسرائيل بشكل غير مسبوق «بدولة عنصرية» «ودولة أبارتايد» بسبب القمع وجرائم الحرب الممنهجة بحق الفلسطينيين بشكل يومي!
لم يشهد الاحتلال من قبل الانقسام السياسي والاجتماعي الحاد والذي أدى إلى مظاهرات صاخبة وصلت لحد الاشتباكات مع الشرطة، ووصف حكومة نتنياهو السادسة وخامس حكومة في أقل من أربعة أعوام بالنظام الديكتاتوري، وسط مخاوف من تأثير ذلك على أمن إسرائيل وقدرتها القتالية والردعية.
يتزامن مأزق إسرائيل باحتفالها مع حلفائها في الخارج بالذكرى 75 لاغتصاب فلسطين بمنح بريطانيا من لا تملك لمن لا يستحق أرض فلسطين. واعتراف ترومان ـ أمريكا بإعلان الدولة اليهودية، وإغداق الدعم والإسناد والغطاء واستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن 42 مرة من83 مرة استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو لحماية إسرائيل ومنع إدانة جرائمها وتجاوزاتها وخرقها للقانون الدولي والمبادئ التي تدافع عنها وتحاضر على دول العالم على احترامها والالتزام بها! هذا ناهيك عن الدعم العسكري والمالي المباشر بما يصل إلى 4 مليارات دولار سنوياً من دافعي الضرائب الأمريكيين!
روج هيرتزوغ في خطابه بروباغندا إسرائيلية بتكراره «عندما تكون أمريكا قوية، فإن إسرائيل تكون أقوى وأكثر أمناً» لكن الأكثر نفاقاً في خطابه كان اتهامه الفلسطينيين وليس سياسات إسرائيل المستفزة والقمعية المسؤولة عن تدمير فرص السلام بدعم الإرهاب
أغضب ذلك كله الرئيس بايدن وإدارته. وعلى غير المعتاد لم يوجه دعوة رسمية منذ مطلع العام لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض. كما أغضب حتى الجناح اليميني في الحزب الجمهوري. لكن الرئيس بايدن تراجع جزئياً وأمسك العصا من الوسط في مقابلته مع نيويورك تايمز، بعد انتقادات وضغط كبير من الجمهوريين الداعمين لإسرائيل بقوة في الكونغرس بعد دعوتهم للرئيس الإسرائيلي لإلقاء خطاب في جلسة مشتركة في الكونغرس. وأتصل وأرسل الرئيس بايدن شبه دعوة لنتنياهو الذي يشعر بالإهانة والهجران من بايدن لتأخر دعوته رسمياً لزيارة البيت الأبيض، ليحدد موعد الزيارة لاحقاً! في رسالة احتجاج على موقفه من تقويض الصلاحيات القضائية، والاستيطان وحل الدولتين. لكن مع تأكيد وتكرار الرئيس بايدن موقف الولايات المتحدة التاريخي الثابت بالالتزام بالدفاع عن إسرائيل وضمان وحماية أمنها ـ والبقاء على تفوقها التقني عن جيرانها العرب، إلا أن بايدن حذر من تداعيات الانقسام على استقرار ومستقبل إسرائيل. وطالب نتنياهو مباشرة بوقف مساعيه لتعديل قانون القضاء فوراً، وعدم تمرير أي قانون لا يحظى بإجماع واسع من الناخبين ـ مشيراً للتظاهرات الصاخبة والواسعة منذ مطلع العام ـ رفضاً للتعديلات القضائية، لأن ذلك سيصيب الديمقراطية الإسرائيلية بضرر ومعها العلاقة مع الولايات المتحدة، التي سيصعب إصلاحها.
في المقابل، دفع ذلك 9 نواب تقدميين ديمقراطيين، ثلاثة منهم مسلمون ـ رشيدة طليب أول نائبة مسلمة من أصول فلسطينية وإلهان عمر أول نائبة مسلمة محجبة واندري كارسون نائب اعتنق الإسلام، للتنديد بسياسات القمع الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. ووصفت النائبة جايابالا من أصول هندية وبشكل غير مسبوق ـ إسرائيل «بدولة عنصرية». وبعد عاصفة من الغضب تراجعت عن وصفها إسرائيل بدولة «عنصرية» بينما أصرت النائبة طليب على وصف إسرائيل بانتهاج نظام «أبارتايد»!
ما دفع الكونغرس الأمريكي لإطلاق مبادرة للتضامن مع إسرائيل وإحراج إدارة بايدن والديمقراطيين التقدميين عشية استقبال الرئيس الإسرائيلي هرتزوغ ـ زعيم حزب العمل المعارض السابق ـ لإصدار بيان بأغلبية ساحقة 419 ـ 9 ترفض وصف إسرائيل بالدولة العنصرية وتظهر دعمها لكيان الاحتلال! بينما صوت 9 نواب معارضين وهم النواب أنفسهم الذين قاطعوا خطاب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ في الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي أمام أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين. ليصبح الزعيم الإسرائيلي التاسع الذي يلقي خطابا في الكونغرس، بعد خطاب والده الرئيس الإسرائيلي قبل ثلاثة عقود!
وفي ازدواجية معايير، رفض رئيس مجلس النواب ماكارثي الجمهوري في انحياز كلي لإسرائيل وضد الفلسطينيين السماح للنائبة رشيدة طليب تنظيم حفل للتذكير بالنكبة في إحدى قاعات الكونغرس. لكن أنقذ الموقف موافقة السناتور اليهودي المستقل بيرني ساندرز على تنظيم المناسبة التي ذكّرت بمأساة النكبة قبل 75 عاماً، واستضافت مسنين يحملون مفاتيح وصكوك ملكية منازلهم التي أجبروا على النزوح عنها أمام عصابات الصهاينة عام 1948.
كان نتنياهو آخر رئيس وزراء إسرائيلي ألقى خطابا محرضا وضد الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس عام 2015 ـ الذي أبرمته إدارة الرئيس أوباما، بدعوة من أغلبية الجمهوريين ما أدى لغضب وخلاف شخصي مع أوباما الذي رفض استقبال نتنياهو. وقاطع خطاب نتنياهو حينها 50 مشرعاً في الكونغرس!
روج هيرتزوغ في خطابه بروباغندا إسرائيلية في الكونغرس بتكراره «عندما تكون أمريكا قوية، فإن إسرائيل تكون أقوى وأكثر أمناً» لكن الأكثر نفاقاً في خطابه كان اتهامه الفلسطينيين وليس سياسات إسرائيل المستفزة والقمعية المسؤولة عن تدمير فرص السلام بدعم الإرهاب! بينما يتجاهل إرهاب الدولة الذي بات نهج الحكومات المتعاقبة!
واضح إسرائيل على صفيح ساخن داخلياً وتتصدع علاقتها بشكل غير مسبوق مع أمريكا ـ ما يعمق مأزق الاحتلال!
القدس العربي