تصاعدت أخيراً عمليات استهداف أبراج الطاقة الكهربائية بالعراق في محاولة تهدف إلى إحداث فوضى وخلق أزمة جديدة في هذا الملف الذي لطالما شكل عائقاً كبيراً للحكومات المتعاقبة بعد 2003، إذ إن استهداف الأبراج مع قرب الانتخابات المحلية المقررة نهاية السنة يبعث برسائل سياسية أكثر من كونها أمنية حول الاستهدافات الأخيرة.
لعل أحد أبرز الاستهدافات التي طاولت أبراج الكهرباء في العراق، خط نقل الطاقة من محطة (صلاح الدين الحرارية – حديثة) و(شرق بغداد – ديالى)، وجميعها حوادث استهداف مخطط له بحسب ما ذكره مراقبون في الشأن العراقي.
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بدوره وجه بمحاسبة آمر القاطع وضابط الاستخبارات والقائد الذي يقع ضمن مسؤوليته أي عمل تخريبي يمس أبراج الطاقة الكهربائية، فيما أعلنت خلية الإعلام الأمني، أول من أمس السبت، إطلاق عملية تفتيش واسعة للحدود الفاصلة بين ثلاث قيادات أمنية لحماية أبراج الطاقة الكهربائية.
بحسب بيان الخلية فإنه “بناءً على توجيهات القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، في إدامة الضغط على العناصر الإرهابية المنهزمة والخارجين عن القانون لتعزيز الأمن والاستقرار ضمن قواطع المسؤولية لحماية أبراج الطاقة، وبإشراف من قبل قيادة العمليات المشتركة، انطلقت عملية تفتيش الحدود الفاصلة بين قيادات العمليات (غرب نينوى – صلاح الدين – الجزيرة)”.
خطط أمنية
الاستهدافات الأخيرة أجبرت قيادة العمليات المشتركة على وضع خطة لتأمين وحماية أبراج الطاقة الكهربائية. وقال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول، إن “الخطة دقيقة وتقسم قواطع المسؤولية وإدخال الجهد الفني والاستخباراتي، بخاصة استخدام الطائرات المسيرة والاستطلاع الجوي ومحاسبة المقصرين”.
الناطق العسكري ذكر أن العناصر الإرهابية لا تستطيع مواجهة القوات الأمنية، وهي مدفوعة بأجندات لاستهداف أبراج الطاقة، ولكن الخطة التي تم وضعها ستتصدى لتلك المحاولات، إلا أنه رأى أن العصابات الإرهابية المنهزمة وتزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة، تحاول المساس بالبنى التحتية واستهداف أبراج الطاقة، وكان آخرها التفجير الذي طاول أبراج خط نقل الطاقة (شرق بغداد – ديالى) بمنطقة خان بني سعد.
يشار إلى أن وزارة الكهرباء العراقية أزاحت الستار أخيراً عن تشكيل لجنة مشتركة مع وزارتي الداخلية والدفاع لتأمين حماية الأبراج تزامناً مع استمرار تحقيقاتها في الحوادث الأخيرة.
خطة تخريب
عضو مجلس النواب العراقي سالم العنبكي تحدث بدوره عن تسجيل ثلاث عمليات استهداف لخطوط الكهرباء بالبلاد، خلال أقل من أسبوع، بما يدل بأن ما يحدث يتم وفق خطة تخريب مقصودة تجري في ذروة الحاجة للطاقة، وهدفها الأول والأخير ضرب الاقتصاد وإيذاء الأهالي.
أضاف العنبكي في تصريح صحافي أنه “لا يمكن تحديد هوية منفذ هذه الأفعال التخريبية، لكن يمكن تحديد بوصلة الاتهام بأنها عصابات هدفها الضغط على الحكومة وإثارة الشارع أو أن تكون أفعالاً إرهابية، لكن في المقابل يجب أن يكون هناك تغيير حقيقي في الأحكام القضائية الواردة بحق مرتكبيها، مما يؤدي إلى ردع حاسم”.
المتخصص في الشأن الأمني العراقي مخلد حازم اعتبر أن ملف أبراج الطاقة أصبح من الملفات التي تؤرق البنية المجتمعية العراقية، وأضحى حملاً وكاهلاً كبيراً على الجهاز الأمني لعدم معرفة كيفية التعامل معه.
ورأى أن جزءاً من عمليات استهداف أبراج الطاقة في العراق “إرهابية” تقف خلفها عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي لأن البصمة التي وضعوها في صلاح الدين ونينوى “داعشية” من طريق زرع عبوات ناسفة تحت الأبراج، واختيار التوقيت له دلالة وهدف سياسي ضد حكومة محمد شياع السوداني. وتابع “لكن استهداف أبراج الكهرباء في منطقة خان بني سعد قرب العاصمة بغداد لا تخلو كونها مجموعات خارجة عن القانون تنفذ ضرباتها لإحراج الحكومة العراقية وزرع نوع من اليأس لدى المواطنين ضدها”، خصوصاً أن استهداف البرج الواحد وإعادة إصلاحه يكلف مبالغ مالية كبيرة لصعوبة وجود المواد الأولية داخل البلاد، ويتم استيراد قسم منها من الخارج، بينما القسم الآخر تستحوذ عليه مجموعات توجهها معروف في السوق المحلية”.
وزاد أن الجهاز الأمني العراقي، وخصوصاً شرطة الطاقة، حتى هذه اللحظة لا تستطيع أن توفر الحماية الكاملة لأبراج الكهرباء التي تعرضت للاستهداف لفترات متعددة طويلة، ويعني ذلك الحاجة إلى رؤية واستراتيجيات أمنية أكثر حداثة في التعامل مع تأمين هذه الأبراج.
ودعا المحافظات العراقية إلى التنسيق ما بين قيادة العمليات المشتركة ووضع مراكز قيادة وسيطرة كل من ضمن موقع عمله، وتتم السيطرة عليه من خلال نصب كاميرات حرارية في هذه الأبراج ومراقبتها بالكامل ضمن منظومة متكاملة.
وأضاف “يجب نصب كمين مستمر لأننا نفتقر اليوم إلى وجود أجهزة وتقنيات للرصد مثل الطائرات المسيرة التي يجب أن تراقب أجواء وامتداد خط هذه الأبراج، علاوة على التخطيط من الآن للاستغناء مستقبلاً عن هذه الأبراج والذهاب باتجاه مولدات لتوليد الطاقة في المحافظات، وتكون أكثر أماناً ومسيطراً عليها ومؤمنة”.
في حين أشار المتخصص في الشأن الأمني العراقي عماد علو إلى أن “حرب الأبراج” ليست فقط تتصاعد، ولكنها تتكرر في كل عام منذ عام 2021، وتحديداً في وقت الصيف ويقف خلفها في نهاية المطاف “(داعش) أو عصابات أخرى”، واختتم حديثه بتأكيد محاولات مستمرة لزيادة التذمر الشعبي بما ينعكس على الأداء الحكومي، وخلط الأوراق، وكذلك إحداث بلبلة وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطق الأبراج الكهربائية المستهدفة، مبيناً أن القوات المسلحة والاستخبارات تبذل جهوداً كبيرة لتأمين هذه الأبراج، ولكن دون التعاون بينها وبين المواطنين من سكان المناطق التي تمر فيها خطوط نقل الطاقة الكهربائية ستكون الكلف أكبر.