لم يشكل تراجع أرباح شركة أرامكو السعودية مفاجأة للأسواق، بل جاء وفق التوقعات مع إعلان السعودية عن خفض في الإنتاج وتراجع أسعار النفط الخام، وتعكس الأرقام، حسب المحللين، قدرة الشركة ومرونتها على التكيف مع تقلبات السوق.
الرياض – أعلنت شركة أرامكو السعودية الاثنين تحقيق أرباح بقيمة 30.08 مليار دولار في الربع الثاني من العام 2023، بتراجع نسبته 38 في المئة تقريبا مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي حين قفزت أسعار النفط بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وقالت الشركة في بيان “بلغ صافي الدخل 112.81 مليار ريال سعودي (30.08 مليار دولار) للربع الثاني من عام 2023، مقارنة مع 181.64 مليار ريال سعودي (48.44 مليار دولار) للربع ذاته من عام 2022”.
وأشارت إلى أن التراجع يعكس “تأثير انخفاض أسعار النفط الخام، وضعف هوامش أرباح أعمال التكرير والكيميائيات”.
وكان الانخفاض متوقعًا إلى حد كبير، ويتبع ذلك تراجع بنسبة 19.25 في المئة في الربع الأول من 2023 بعد ارتفاع كبير في 2022 مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين أمين الناصر “تعكس نتائجنا القوية مرونتنا وقدرتنا على التكيف خلال تقلبات السوق. كما نواصل إظهار قدرتنا على المدى البعيد لتلبية احتياجات العملاء في مختلف أنحاء العالم بمستويات عالية من الموثوقية”.
وتابع الناصر، الاثنين، بالقول إن الإمدادات التي توفرها الشركة للعملاء لا تزال كافية على الرغم من التخفيضات الطوعية التي اتخذتها المملكة في الآونة الأخيرة، وأضاف أن الطلب العالمي لا يزال قويا على الرغم من التحديات الاقتصادية.
وقررت المملكة الأسبوع الماضي تمديد خفض طوعي لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا لشهر آخر ليشمل سبتمبر، وقالت إنه من الممكن التمديد إلى ما بعد ذلك أو حتى زيادة الخفض.
وقال الناصر للصحافيين إنه على الرغم من التحديات الاقتصادية ترى الشركة مؤشرات إيجابية على استمرار قوة الطلب العالمي وعلى أن الطلب من الصين سيواصل النمو.
وأضاف “لا يزال الطريق طويلا أمام الصين وأمام (انتعاش) اقتصادها”، مضيفا أن قطاع الطيران وصل إلى مستوى 85 في المئة مقارنة بمستويات ما قبل الوباء، مما يشير إلى وجود فرصة للنمو.
وأعلن أنه “بالنسبة إلى مساهمينا، فإننا نعتزم البدء في توزيع أول أرباح مرتبطة بالأداء في الربع الثالث” وتبلغ 9.9 مليار دولار، فيما سيتم كذلك توزيع أرباح الفصل الثاني على المستثمرين وقيمتها 19.5 مليار دولار.
وشدّد الناصر على أنّ “نظرتنا على المدى المتوسط إلى البعيد دون تغيير”.
أرامكو تعدّ المصدر الرئيسي لتمويل “رؤية 2030” خطة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الطموحة التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
وتراجع إنتاج أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم بعدما أعلنت الرياض في أبريل الماضي خفضا قدره 500 ألف برميل يوميا في إطار تحرك مشترك مع قوى نفطية أخرى لخفض الإمدادات بأكثر من مليون برميل يوميا في محاولة لدعم الأسعار.
وأعلنت وزارة الطاقة السعودية في يونيو الماضي خفضا طوعيا آخر بمقدار مليون برميل يوميا دخل حيز التنفيذ في يوليو الماضي وجرى تمديده الأسبوع الماضي حتى سبتمبر المقبل.
ويبلغ إنتاج المملكة اليومي تسعة ملايين برميل حاليا، وهو أقل بكثير من طاقتها القصوى البالغة 12 مليون برميل يوميًا.
وتعتمد السعودية على أسعار النفط المرتفعة لتمويل برنامج إصلاحي يسعى إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن الوقود الأحفوري. ويقول محللون إن المملكة تحتاج إلى أن يكون سعر النفط قرابة 80 دولارًا للبرميل لموازنة ميزانيتها.
ويرى الخبير النفطي في مؤسسة “أس أند بي” الاستشارية هيرمان وانغ أنّ خفض الإنتاج “يظهر المدى الذي ستذهب إليه المملكة للدفاع عن أسعار النفط، حيث أنّ تراجع السوق (…) يضرّ بجهود التنويع الاقتصادي الطموح”.
وتستثمر أرامكو في مشاريع لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027.
500 ألف برميل يوميا خفضتها السعودية من إنتاجها في إطار تحرك مشترك مع قوى نفطية أخرى لخفض الإمدادات
وقال وانغ “الأمل هو أن التضحية التي تُبذل حاليا ستؤتي ثمارها في النهاية مع ارتفاع الأسعار”.
وتعدّ أرامكو المصدر الرئيسي لتمويل “رؤية 2030” خطة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الطموحة التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وسمحت الأرباح القياسية المسجّلة والبالغة 161.07 مليار دولار العام الماضي للمملكة الخليجية بتحقيق أول فائض في موازنتها السنوية في حوالي عقد.
ورأى كبير المحررين في “مركز الشرق الأوسط للمسح الاقتصادي” جيمي إنغرام أنّ هذه “كانت أرقامًا استثنائية مدفوعة بمجموعة خاصة جدًا من العوامل الجيوسياسية”. وتابع “بالطبع سيفضل المسؤولون زيادة الإيرادات (النفطية)، لكن السعودية لا تزال لديها على أيّ حال (..) احتياطيات قوية يمكنها الاستفادة منها”.
وتمتلك السعودية 90 في المئة من أسهم أرامكو التي أدرجت في البورصة السعودية في ديسمبر 2019 بعد أكبر عملية طرح عام أولي في العالم وصلت قيمته إلى 29.4 مليار دولار في مقابل بيع 1.7 في المئة من أسهمها.
وتعهّدت المملكة تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، لكن المدافعين عن البيئة يشككون في إمكان تحقيق هذا الإعلان الطموح إذ يدافع المسؤولون السعوديون في الوقت نفسه عن ضخ المزيد من الاستثمارات في الوقود الأحفوري لضمان أمن الطاقة وخفض التضخم وغيره من المشاكل الاقتصادية.
من جهتها، تعهدت أرامكو بتحقيق انبعاثات كربونية “صافية صفرية تشغيلية” بحلول 2050. وينطبق ذلك على الانبعاثات التي تنتجها مواقع أرامكو مباشرة، ولكن ليس على ثاني أكسيد الكربون الناجم عن إحراق العملاء للنفط السعودي في سياراتهم ومحطات الطاقة.
العرب