العلاقات الجزائرية – الإيرانية تتغذى من التحولات الإقليمية

العلاقات الجزائرية – الإيرانية تتغذى من التحولات الإقليمية

تسعى الجزائر إلى إعطاء دفع جديد للعلاقات الثنائية مع طهران بعد قطيعة دبلوماسية لسنوات طويلة، بسبب ما اعتبرته الدور الإيراني في تأجيج العمل الإرهابي داخل البلاد، فضلا عن الخلافات الحيوية في المحيط العربي.

الجزائر – استفادت العلاقات الجزائرية – الإيرانية من التحولات الجيوسياسية في المنطقة، فبالموازاة مع حالة الاندماج المستجد لطهران في إطار مسار تطبيع مع دول الجوار، تغذى محور طهران – الجزائر بصفحة جديدة جسدتها دعوة وجهها القادة الإيرانيون للرئيس عبدالمجيد تبون، وبزيارة يؤديها رئيس الغرفة الأولى للبرلمان إبراهيم بوغالي.

ويؤدي رئيس الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني) إبراهيم بوغالي زيارة إلى إيران تدوم أربعة أيام، يراهن عليها لكي تعطي دفعا جديدا لعلاقات البلدين، وتخرجها من زاوية الشكوك التي اكتنفتها خلال السنوات الأخيرة، في ظل انفتاح دبلوماسي وتطبيع يخيم على علاقات طهران مع محيطها الإقليمي في الآونة الأخيرة.

وتأتي هذه الزيارة، في أعقاب دعوة وجهها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، منذ أسابيع لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، من أجل زيارة بلاده في القريب العاجل، ولا يستبعد أن تندرج زيارة رئيس الغرفة البرلمانية في خانة الترتيبات الأولية.

◙ آخر قطيعة بين البلدين تعود إلى تسعينات القرن الماضي لما قررت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران

وحافظ البلدان على حد أدنى من العلاقات الثنائية، رغم المشاكل الدبلوماسية التي عاشتها إيران مع دول الجوار في السنوات الأخيرة، بسبب الخلافات الحيوية بين الطرفين، في ما يتعلق بالأزمة اليمنية والسورية واللبنانية، ووجدت الجزائر نفسها في حالة حرجة بسبب عدم الانحياز لصالح جهة بعينها في الأزمات المذكورة.

وتعود آخر قطيعة بين البلدين إلى تسعينات القرن الماضي، لما قررت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بسبب ما أسمته بـ”الدور الإيراني في تأجيج العمل الإرهابي داخل البلاد”، ولم يتم رأب الصدع إلا بمقدم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، الذي أصر على ترميم علاقات بلاده مع إيران مطلع الألفية الجديدة.

وقام رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، بزيارة إلى مقر الأمانة العامة لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، بصفته الرئيس الحالي للاتحاد. واغتنم بوغالي فرصة تواجده بالعاصمة طهران لزيارة مقر الأمانة العامة للاتحاد، حيث كان في استقباله الأمين العام للاتحاد محمد قريشي نياس، الذي عرض عليه نشاط الأمانة العامة، لاسيما في إطار مواكبتها لمختلف الأحداث التي تعيشها الأمة.

وكشف الأمين العام عن حزمة من الاقتراحات أهمها طلب لنيل صفة عضو مراقب بالأمم المتحدة، والتواصل مع برلمانات الدول التي شهدت أعمال حرق المصحف الشريف، بالإضافة إلى بحث المساهمة في حلحلة الوضع في النيجر.

وفي هذا الشأن، أكد إبراهيم بوغالي “ضرورة تكثيف الجهود من أجل تفعيل حضور قوي للاتحاد، وبالأخص في ظل التحديات الراهنة التي تواجه الأمة الإسلامية”. ونوه المتحدث بـ”أهمية العمل الإسلامي المشترك على الصعيد البرلماني، وبأمله في التحضير الجيد للدورة المقبلة المقرر عقدها في كوت ديفوار”.

وتظهر الخطوة نية البلدين لاستغلال البرلمان الإسلامي، من أجل تنسيق المواقف بشأن حملة التحرش المتصلة بحرق المصحف الشريف، ومتابعة التطورات في دولة النيجر، لاسيما في ظل تضارب المواقف بين داع إلى توظيف التدخل العسكري في إعادة الشرعية الدستورية الممثلة في الرئيس محمد بازوم، وبين رافض ومحذر من الخطوة، خشية تفجير أزمة يصعب التحكم في تداعياتها على المنطقة.

ويزور رئيس غرفة المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على رأس وفد يضم النائبين رياض خلاف وإلياس قمقاني، وذلك تلبية لدعوة رسمية وجهها له رئيس مجلس الشورى الإيراني.

وتتضمن جولة الوفد البرلماني الجزائري عدة أنشطة واستقبالات من طرف مسؤولين إيرانيين، حيث أفاد بيان للغرفة بأن “لقاءات مبرمجة مع بعض كبار المسؤولين في إيران، لبحث الفرص المؤاتية لاستعراض واقع التعاون القائم بين البلدين وسبل ترقيته في شتى المجالات، فضلا عن برنامج متنوع يتضمن التنقل إلى مواقع ومقار مختلفة ذات طابع اقتصادي وثقافي”.

◙ التطبيع المستجد لعلاقات إيران مع دول الجوار شكل ذريعة للجزائر للاحتفاظ بعلاقاتها مع طهران حتى في ذروة الاستقطاب مع محيطها العربي

وتبقى العلاقات الجزائرية – الإيرانية من الملفات النادرة التي لا تحظى بالإجماع داخل الرأي العام الجزائري، بسبب خلفيات أيديولوجية، والصراع القائم بين ما يعرف بالتيار السني وخلايا التشيع المدعومة خفية من طرف دوائر تصدير الثورة الإيرانية.

وتعمد إيران في علاقاتها مع الجزائر إلى الاستثمار في التراث الثقافي والحضاري وتوليه أهمية قصوى، لقناعة راسخة لديها بضرورة استغلال الرصيد التراثي الشعبي المستلهم من الثقافة الشيعية الغابرة، في ربط أواصر حضارية تكون منصة لعلاقات أفقية مستقبلية.

ومن ضمن ما يربط البلدين منذ سنوات، اتفاق أبرم العام 2015 حول الإنتاج الفني والسينمائي، كانعكاس لنوايا طهران في توظيف الثقافة الشعبية والتراث كمنصة لبناء علاقات إستراتجية والبحث عن فرص التمدد في المنطقة وعموم القارة السمراء، خاصة الجهات التي يهيمن عليها الفكر الصوفي.

وشكل التطبيع المستجد لعلاقات إيران مع دول الجوار، خاصة المملكة العربية السعودية، ذريعة للجزائر للاحتفاظ بعلاقاتها مع طهران حتى في ذروة الاستقطاب بينها وبين محيطها العربي، والشكوك التي حامت حولها بعدم الانحياز للموقف العربي في عدد من الملفات والأزمات كاليمن وسوريا.

العرب