إياد العناز
عودة إلى العلاقة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران بعد التقرير الذي قدمه (روفائيل غروسي) رئيس الوكالة إلى مجلس المحافظين المتكون من 35 عضواً والذي من مهامه دراسة البيانات المالية للوكالة وبرنامجها وتقديم التوصيات للمؤتمر العام بشأنها، وينعقد المجلس في أشهر (أذار وحزيران وأيلول _مرتين _ قبل المؤتمر العام وبعده وفي تشرين الثاني) من كل عام، وفي بداية شهر أيلول لهذا العام أعلن رئيس الوكالة ( أن إيران زادت على مدار الربع السنوي الماضي مخزونها من اليورانيوم بدرجة نقاء بلغت 60٪ بواقع 7،5 كغم إلى 121،6 كغم على الرغم من تخفيف 4،6 كغم من بيورانيوم مخصب بدرجة نقاء أقل ) وهذا يشكل نصف معدل نحو التخصيب.
في ضوء هذه الملاحظات فأن الوكالة تقدم واقعاً ملموساً لعدم كفاية الأدلة التي يحاول النظام الإيراني تسويقها بتعاونه وتقديم ما مطلوب منه، فهو لحد الأن لم يستجيب للأسئلة التي قدمتها الوكالة وطلبت الإجابة عنها عن اربع مواقع نووية تشهد نشاطات نووية وعدم السماح لمفتشي الوكالة بالوصول إلى صور كاميرات المراقبة المثبتة في شهر أيار 2023، وهذا يدل على أن إيران لا زالت تتبع سياسة التسويف والمماطلة بعدم التعاون نحو حل يرضى الجميع ولا زالت متمسكة بشروطها القائمة على رفع العقوبات كاملة عنها لتبدأ بمراجعة خفض التزاماتها وفق بنود الاتفاق النووي الذي وقع في أب 2015، واستمرار النهج التصاعدي في لغة الخطاب الرسمي الموجه للجميع بأن اي استهداف عسكري لمنشأتها النووية سيقابل برد حاسم وأن ابداء المرونة في تركيب المزيد من كاميرات المراقبة مرهون بالتزام جميع الأطراف بالاتفاق النووي.
اوضحت الوكاله الدولية للطاقة الذرية (أن إنتاج إيران اليورانيوم المخصب إلى درجة النقاء تقترب من مستوى صنع أسلحة نووية رغم تباطئه ولكنها لا زالت تواصل في الوقت نفسه إعاقة جهود الوكالة لمراقبة برنامجها النووي بشكل أوثق)، ويتزامن هذا مع المعلومات الدقيقة حول امتلاك إيران إلى (42) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ واذا ما استمرت عملية التخصيب فإنها ستصل إلى صناعة القنبلة النووية .
تأتي هذه التطورات في العلاقة بين طهران ومفتشي الوكالة الدولية متزامنة مع اللقاء الذي عقده المرشد الأعلى علي خامنئي يوم 30 أب 2023 مع الرئيس الإيراني وأعضاء حكومته متحدثاً إليهم بالعمل على إحياء الحوار حول الاتفاق النووي مع الغرب والعمل المتواصل لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، ويعتبر هذا توجيهاً سياسياً ميدانياً وطريقاً مفتوحاً لرئيس المفاوضين الإيرانيين ومدير الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية للعمل الميداني ومحاولة من قبل النظام الإيراني لتلافي الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد الوسائل الفعالة ومنع أي محاولات لعودة الانتفاضة الشعبية خاصة وأنها تقترب من ذكراها السنوية الأولى في منتصف هذا الشهر المتعلق بحادثة مقتل الشابة مهسا أميني في أيلول 2022، وهو الأمر الذي تسعى اليه الأجهزة الأمنية لتلافيه وتخشى حدوثه، كما وان دعوة علي خامنئي تؤكد السياسة التي يحاول النظام التمسك بها في دعم الوساطة القطرية والعُمانية لبدأ حوارات حول البرنامج النوري وعودة المباحات في العاصمة النمساوية (فيينا)، والتزاماً واضحاً بأتفاقية تبادل السجناء التي من نتائجها إطلاق الأموال المجمدة، وهذا يشير إلى وجود خطة بديلة تنفذ على أرض الواقع ومحاولة التغلب على الصعاب التي تواجه انعقاد الجولة العاشرة من مباحثات البرنامج النووي الإيراني، خاصة وان طهران أحست بالدوافع الأمريكية لتحقيق انجاز ميداني يعين الرئيس بايدن في الانتخابات القادمة وانها لديها دوافعها وغايتها بالحصول على مبلغ (27) مليار دولار هي إحدى الهبات التي تقدمها واشنطن لها نتيجة انسجامها مع الدوافع الأمريكية والتي سيتم استحصالها بموافقة أمريكية ووساطة قطرية منها(7) مليار دولار من كوريا الجنوبية ومثلها من مفاوضات مع البنك الدولي بمساعدة أمريكية و(10) مليار دولار من العراق.
رغم هذه الهبات المالية والتوافقات السياسية بين إيران وامريكا الان ان الخطاب الاعلامي الموجهه للشعوب الإيرانية لا زال قائماً على المواجهة والتحدي، فالتقرير الذي أشارت اليه اليه وكالة فارس الاعلامية أكد على (أن الأنشطة النووية الايرانية مستمرة بدون إنقطاع في جميع المجالات بناء على خطط سابقة لمنظمة الطاقة ووفقاً لقانون المبادرة الاستراتيجية) وهو القانون الذي أقره مجلس الشورى الإيراني عام 2020 وفيه دعى إلى الغاء الحظر على النشاطات النووية وحماية حقوق الشعب، وهذه رسالة واضحة حول الاخبار والمعلومات التي تداولها الإعلام وبعض المسؤولين الامريكان عن تباطئ إيران في تخزين اليورانيوم المخصب وأنها ليست في وارد التنازل عن أي نشاط يتعلق بالبرنامج النووي، وتحاول إبعاد الانظار عن الإغراءات المالية والمعنوية التي تلقاها الإيرانيون من صفقة إطلاق السجناء.
إن تقرير الوكالة الدولية كان واضح وصريح وبعيد عن الإملاءات السياسية بشرحه للسلوك الإيراني وابتعاده عن النهج الأمريكي في سياسة الحوار والدبلوماسية التي تمليه مصالحه في منطقة الشرق الأوسط وسعيه للتهدئة رغم حالة التطور في التقدم النووي الذي تتبعه إيران والذي أعلنه رئيس الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية (محمد سلامي) يوم 27أب 2023 (بأن عملية تخصيب اليورانيوم مستمرة) والإعلان لأول مرة عن إنتاج النواة المشعة لعنصر السيزيوم 137 وهي مادة تنتج من انشطار ذرة اليورانيوم، واستمرار طهران بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية وحديث المدير التنفيذي لمنظمة الرفاه الاجتماعي في القوات المسلحة الايرانية ( مجيد أبن الرضا) في 17 أب 2023 ( إن إنتاج الصورايخ زاد بنسبة 64٪) واعلان وزارة الدفاع عن انضمام صاروخي خرمشهر وقاسم سليماني إلى منظومتها الدفاعية وللقوات الجوية التابعة للحرس الثوري، يضاف إلى تطوير فني وعلمي للطائرات المسيرة نوع (هاجر 10) التي تستطيع الطيران مدة 24 ساعة و بارتفاع 7 الأف متر وبسرعة 210 كم وبمدى 2000 كم وهي إضافة نوعية لصاروخ فتاح الذي أعلن عنه في أيار 2023 وهو اول صاروخ بالستي فرطت صوت يعمل بالوقود الصلب.
وقراءة ميدانية يمكن لنا أن نقول ان الإدارة الأمريكية ساعية وحسب رغبتها إلى اتفاق مؤقت يساعد على خفض عملية تخصيب اليورانيوم والنشاط النووي الإيراني ومنح إيران بعضاً من المنح المالية لقاء تعاونها في حوارها مع الولايات المتحدة الأمريكية برفع جزئي عن صادرات النفط والأموال المجمدة رغم رفض وممانعة بعض من أعضاء الكونكرس الأمريكي الذين يرون في هذه السياسة دعم لبقاء النظام الإيراني وسياسته في الشرق الأوسط والوطن العربي، وهنا تبرز إمكانية النظام الإيراني في التعامل مع أهداف الإدارة الأمريكية ومحاولة الاستفادة منها في الاستجابة او التعامل بشكل مرن وبإنسيابية ميدانية لتحقيق الغايات الإيرانية بتخفيف العقوبات الاقتصادية والحصول على الأموال المجمدة ودعم الاقتصاد الإيراني في محنته المالية والتي جاءت في حديث المرشد خامنئي بقوله (أن خفض التضخم أهم مؤشر لإجهاض العقوبات)، وهذا ما قد يعرض الرئيس ابراهيم رئيسي وحكومته إلى انتقادات داخلية من قبل المحافظين او المنتقدين لسياسته الخارجية اذا لم تراعي فيها قانون المبادرة الاستراتيجية ولهذا جاء الدعم له من المرشد الأعلى، ولكن على إيران بنفس الوقت أن تدرك احتمالات التغيير السياسي في رئاسة الولايات المتحدة ومجئ رئيس جديد قد لا يتوافق مع اراء إدارة بايدن الحالية وهذا ما يشكل حالة ميدانية تنعكس على طبيعة التعامل القادم مع واشنطن وعليها ان تسارع إلى حلول منطقية قبل منتصف شهر تشرين الأول 2003 حيث انتهاء موعد العقوبات عليها وفق اتفاق عام 2015، والذي من الممكن أن تعمل الدول الأوربية على تمديده بعد التعاون الذي تستمر فيه طهران على تزويد موسكو بالطائرات المسيرة والصواريخ والزيارات المشتركة وآخرها قيام قائد القوات البرية الإيرانية حيدري بزيارة روسيا.
تبقى المصالح المشتركة والمنافع الميدانية هي حصيلة التجاذبات الإقليمية والدولية وهذا ما ستشهده المنطقة في قادم الأيام من أحداث وشواهد ميدانية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية