صنعاء- تصاعدت حدة التصريحات الغاضبة من جماعة الحوثيين ضد حليفهم المفترض في الحكم حزب المؤتمر الشعبي العام، في خطوة عدها قادة في الحزب ويمنيون مؤشرا على أن الجماعة في طريقها للانقلاب على الحزب والاستفراد بالحكم بعد أن حرصت منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 2014 على أن تبدو منفتحة على الشراكة مع بقية الأطراف اليمنية.
جاء ذلك على إثر الاحتقان الشعبي بسبب توقف صرف الرواتب لموظفي القطاع الإداري منذ أواخر عام 2016، في حين وجه الحزب اتهامات إلى الجماعة بالمسؤولية كونها سلطة أمر واقع.
وتواجه الجماعة الأصوات المطالبة بصرف الرواتب بحساسية بالغة خشية أن تخرج الأوضاع عن سيطرتها، ومؤخرا استدعت الأجهزة الأمنية التابعة لها كل من يتحدث عن الرواتب، خصوصا من النشطاء والنقابيين والحقوقيين.
وقال صبري (موظف اكتفى بذكر اسمه الأول) إن الحوثيين كانوا يتعذرون بالحرب، وبعد سنة ونصف من توقف المعارك يرفضون صرف الرواتب، وإذا طالبنا يحولوننا إلى التحقيق.
وأضاف صبري للجزيرة نت أن “الأوضاع صارت محتقنة جدا وقابلة للانفجار بأي وقت، الناس فقط يحتاجون طرفا يقودهم بصدق ويقدم لهم نموذجا في الحكم، صدقنا أن الحوثيين لن يطوّلوا (يبقوا) في السلطة نهائيا”.
هجوم حاد
وفي سياق متصل، اتهم رئيس حزب المؤتمر جناح صنعاء صادق أبو راس الجماعة بالفساد ودعم مطالب الموظفين، وقال “للمواطنين الحق في أن يتكلموا عن مرتباتهم لأنها حق، ويجب أن نفكر بأن نضع للموظف شيكا في يده بقيمة مرتباته خلال السنوات الماضية، ومتى ما توفرت الموارد يستلمها”.
جرى ذلك خلال حفل نظمه الحزب بمناسبة مرور 41 عاما على تأسيسه، منها 33 عاما كان فيها على سدة الحكم بقيادة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح الذي تنحى عن الحكم إثر انتفاضة شعبية عام 2011.
ومنذ ذلك الحين تراجع دور الحزب وانقسم إلى عدة أجنحة، وكانت الضربة الأقسى حين قُتل صالح على يد الحوثيين أواخر 2017 بعد أن تصدعت عرى التحالف بينهما، ليخلفه صادق أبو راس على رأس الحزب في صنعاء، لكن المعطيات تشير إلى أن الحزب قد يتعرض لضربة أخرى.
وقد يحدث ذلك نتيجة تخوف الجماعة من أن تصريحات أبو راس قد تؤجج غضب الشارع، لكن رئيس الكتلة البرلمانية للحزب عبد الوهاب معوضة يرى أن قيادات المؤتمر الموجودة في مناطق سيطرة الحوثيين لا تقوى على ذلك منفردة.
وقال معوضة للجزيرة نت إن “الأمر يتطلب جهودا جماعية بين مختلف القوى السياسية في الداخل والخارج، وفي مقدمة ذلك قيادة واعية وشجاعة تتولى قيادة وتوجيه الجماهير الغاضبة في الداخل”.
ودون أن يسمه شن القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى (أرفع سلطة سياسية في مناطق الحوثيين، والذي شكّل بالشراكة بين الجماعة والمؤتمر) هجوما قاسيا على نائبه في المجلس أبو راس، ووصف المطالبين بالرواتب بأنهم “حمقى”.
وقال المشاط في حديث جماهيري “نتحمل الطعن في الظهر وكل الدعايات التي تتلقاها آذان الحمقى والعملاء حفاظا على الجبهة الداخلية”.
من جهته، طالب القيادي البارز محمد علي الحوثي ببيع مقرات وممتلكات ما سماه النظام السابق (حزب المؤتمر) بحجة تحويل أموالها إلى صندوق المعلم، فيما هدد نشطاء حوثيون أبو راس.
لكن المتحدث باسم حزب المؤتمر في صنعاء عبده الجندي قلل من تهديدات الحوثيين، وقال للجزيرة نت إنها انفعالات فقط من عناصر ليست قيادية، مشيرا إلى أن الوضع لم يعد يحتمل أي خلاف.
إنهاء الشراكة
ينتمي رئيس الحكومة في مناطق سيطرة الحوثيين (غير معترف بها) عبد العزيز بن حبتور إلى حزب المؤتمر، ورغم أن دوره ينحصر في حضور تشريفي للفعاليات والنشاطات فإن الجماعة قد تنقلب حتى على الشراكة الصورية مع الحزب بعد أن تصاعدت النقمة ضدها فيما قد يستغلها المؤتمر لصالحه.
ونقل موقع “المصدر أونلاين” المحلي عن مصدر لم يسمه أن الحوثيين يعتزمون إلغاء منصب “الرئيس” في الحكومة المحسوب على حزب المؤتمر، وربط الوزراء برئيس المجلس السياسي مثل النموذج الإيراني.
لكن المتحدث باسم المؤتمر عبده الجندي قال إن ذلك يبقى توقعات، واستدرك أن “التوقعات تكون غير صحيحة”.
ولم يسمِ الجندي ما يجري بين الطرفين أزمة، بل اختلاف في وجهات النظر بشأن الرواتب، ففي حين رأى المؤتمر ضرورة أن تكون هناك آلية لها يرى الطرف الآخر أن صرف السندات (الشيكات) ليس عمليا، وقال إن هناك حوارات وتقاربا في هذا الجانب تدور بين الطرفين حاليا بشأن هذا الملف.
أزمة متوقعة
من جهته، قال رئيس الكتلة البرلمانية للحزب عبد الوهاب معوضة إن هناك أزمة حقيقية يبدو فيها المؤتمر “الحلقة الأضعف أمام غطرسة واستبداد المليشيات الحوثية، وبالتالي لا يوجد تكافؤ حتى في حده الأدنى”.
ويضيف معوضة -الذي يقيم خارج مناطق سيطرة الحوثيين- أن ذلك يضعف موقف قيادات الحزب، خاصة في ظل الخنوع والاستسلام الشعبي لدى معظم الناس، علاوة على تشتت أطراف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وهو ما يخدم جماعة الحوثيين ويساعدها على فرض هيمنتها.
وأشار إلى أن جماعة الحوثيين قد تنقلب على المؤتمر وتستبعده من المشاركة الصورية للحكم وتصادر كل أملاكه، و”هذا الاحتمال قائم منذ اللحظات الأولى للتحالف المشؤوم بينهما، ولم يتأجل إلا لظروف الحرب”.
ومؤخرا، اصطف عدد من قادة الصف الثاني في الحزب مع الحوثيين ضد تصريحات أبو راس، في خطوة تشير إلى أن الجماعة تدفع بتيار جديد من الحزب، ليعلن عن نفسه واحدا من أجنحة الحزب المتشظي.
بدوره، قال عضو الأمانة العامة في الحزب عبد الرحمن معزب إن ما جرى كان متوقعا والأعمق فيها لم يظهر بعد، فالحوثيون قد يسلكون أي منحى للتضييق أكثر على المؤتمر.
وأضاف معزب للجزيرة نت أن ذلك سيستمر حتى يحين التوقيت لاستهداف القيادات الموجودة في صنعاء أو الاستيلاء على مقار وأموال الحزب.
المصدر : الجزيرة