بعد فضّ الشراكة أو تقاسم السلطة ومواقع القرار في تركيبة النظام الذي كان قائماً بين المرشد ورئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي كان يشغل، في الوقت نفسه، رئاسة مجلسي خبراء القيادة الأسبق ومجمع تشخيص مصلحة النظام، بعد تحميله مسؤولية تمكين تيار اليسار الإسلامي، قبل أن يتحول أو يعرف باسم التيار الإصلاحي، من الوصول إلى السلطة والإمساك بالسلطتين التشريعية والتنفيذية على حساب رغبة المرشد.
بعد فضّ هذه الشراكة، برز وظهر على الساحة تحالف غير معلن من نوع آخر، بين مؤسسة القيادة والمرشد مع مؤسسة حرس الثورة الإسلامية، أي بين البعد الأيديولوجي للنظام وقوة عسكرية مهمتها الدفاع والحفاظ على الثورة أمام الأخطار الداخلية والخارجية مهما كان نوعها.
الشراكة بين قطبي النظام أو بين الشخصية الأقوى والأقدر في النظام، التي هي رفسنجاني والتي ترسّخ وتكرّس دورها من اللحظات الأولى للإعلان عن وفاة المؤسس السيد الخميني، نتيجة الدور الذي لعبه في إخراج عملية الانتخاب في جلسة مجلس خبراء القيادة التي نقلت القيادة إلى خامنئي وإعلانه مرشداً وولياً للفقيه مطلق الصلاحيات نتيجة التعديل الدستوري الذي أضيفت له صفة “الإطلاق” في الاستفتاء الذي مرره رفسنجاني بموافقة المؤسس في أواخر أيامه.
وبعد أن قاد رفسنجاني مرحلة إعادة الإعمار، كان لا بدّ لمؤسسة القيادة أن تستعيد صلاحياتها المطلقة، والتخلص من مراكز الثقل والقرار الموازية لها، وهذه العملية لم تكن لتحصل من دون الدور الذي لعبه التحالف الذي نشأ بين المرشد والمؤسسة العسكرية لحرس الثورة، الذي انتقل إلى مرحلة توسيع شراكته في القرار السياسي بعد أن تمكّن من الدخول والشراكة في القرار الاقتصادي من خلال الاستثمارات التي وظفها في عملية إعادة الإعمار والبناء.
وعلى خط موازٍ، دخل المرشد الأعلى في مسعى حثيث لتفكيك سلطة الحوزة الدينية التي حاول المؤسس إبعادها عن الدخول في القرار السياسي، وسعت هي للإبقاء على استقلاليتها من خلال الاحتفاظ بمسافة موضوعية بينها وبين الدولة والنظام، وذلك من خلال تحويلها إلى تابع للنظام من خلال توريطها وإدخالها في صراع المصالح وربطها مالياً واقتصادياً بمكتب المرشد وولي الفقيه، الأمر الذي حوّلها إلى أداة في يد المرشد يستخدمها في اللحظات الحرجة أو الدقيقة التي تتطلب تعزيز الدعم للنظام وتوظيف النفوذ الديني الذي تمتلكه هذه الحوزة وتأثيرها على الطبقات الاجتماعية للوقوف إلى جانب المرشد والنظام في مواجهة خصومه، حتى وصل الأمر أن تحملت هذه الحوزة جزءاً أساسياً في معركة المرشد ومنظومة السلطة في معركته مع التيار الإصلاحي، على رغم إدراكها حجم الضرر الذي سيلحق بها جراء هذه المواقف، وهو الأمر الذي دفع ببعض رجالاتها ومراجعها الذين عرفوا بالمرجعيات الإصلاحية من رفع الصوت والجهر بمعارضتهم سياسات مؤسسة النظام، الأمر الذي عرّضهم للمحاصرة والتهميش وحتى الإقامة الجبرية.
التحالف بين مكتب المرشد ومؤسسة حرس الثورة يمكن القول إنه مرّ بثلاث مراحل أساسية، أو بتعبير أدق، الدور السياسي لهذه المؤسسة العسكرية مرّ بمستويات ثلاثة، المستوى الأول كان في زمن الزعيم المؤسس الذي حصر مهمة الحرس في الدفاع عن الثورة الإسلامية أمام الأخطار الداخلية والخارجية بتعبيرها الشمولي الذي لا يقتصر على الجغرافيا الإيرانية، بل يتعداها إلى المناطق التي تشكل عمقاً استراتيجياً لهذه الثورة، هذه الصلاحية الموسعة، قيّدها على المستوى الداخلي بوضع ضوابط تمنع تدخل هذه المؤسسة في الشؤون السياسية والتنفيذية في الدولة، حفاظاً على حياديتها والتزاماً بالمهمة الموكلة لها.
أما المستوى الثاني، فيبدأ مع تولي المرشد الحالي قيادة الثورة، ومحاولة بناء منظومة تعزز من موقعه وتدعمه في مواجهة الشركاء الآخرين، بخاصة أنه لا يمتلك الكاريزما التي امتلكها المؤسس، وبالتالي، فهو بحاجة إلى عقد تحالفات وبناء قاعدته السلطوية والشعبية التي توفر له الغطاء الشرعي وتدافع عن توجهاته وقراراته وتعمل على تنفيذ سياساته وتمهيد الأرضية الفكرية والأيديولوجية لسلطته السياسية والأمنية والدينية.
من هنا، يمكن القول إن المرشد الإيراني عمل على استخلاص شخصيات وجماعات خاصة من داخل المؤسسة الدينية والحوزة العلمية، كانت مهمتها التنظير والتأسيس لنظرية السلطة أو الحكومة الدينية، التي تمنح ولي الفقيه صلاحيات مطلقة أبعد من الدستور الوضعي، وتعيد وضعه في السياق التطبيقي لنظرية ولاية الفقيه بما هي امتداد لسلطة الرسول الأكرم المعيّن من قبل الله واعتباره نائباً له تم الكشف عنه في سياق غيبي لا علاقة ولا ارتباط له بالآليات الوضعية التي تعتمدها الأمم والشعوب في عملية اختيار قياداتها.
أما المستوى الثالث، فيشكل انتقالة استراتيجية في تعرّف قيادة حرس الثورة لدوره وموقعه داخل معادلة السلطة والنظام، فهو بعد أن استطاع توسيع قدراته ومواقعه داخل السلطة وإدارة البلاد، ووصل إلى مرحلة تسمح له في بناء شخصيته السياسية المستقلة التي لا تحتاج لأخذ مشروعيتها من المرشد، الأمر الذي جعل منه السد المنيع والمدافع الصلب عن موقع المرشد ومنظومة السلطة التي أصبحت من صلب مهماته واستمراريتها استمرارية له، ما غيّر معادلة الشراكة بينه وبين المرشد، من حاجته للمرشد لتعزيز مواقعه، إلى حاجة المرشد له من أجل تثبيت أركان النظام والسلطة، يعززها التوسع الكبير في الدور الاقتصادي والتنموي على جميع المستويات والأصعدة الذي حققه خلال العقود الماضية، بخاصة في المجال العسكري وبناء القدرات القتالية والصاروخية وتطوير البرنامج النووي، فضلاً عن فرض معادلات إقليمية لم تكن لتتحقق من دون الدور الذي قام به الحرس في منطقة غرب آسيا، وتحديداً في الشرق الأوسط.