ناغورنو قره باغ… خلفية الأزمة والأدوار الإقليمية والدولية

ناغورنو قره باغ… خلفية الأزمة والأدوار الإقليمية والدولية

ناغورنو قره باغ إقليم متنازع عليه يقع جنوب غربي أذربيجان، تسكنه غالبية أرمنية. يعود الصراع على الإقليم لأوائل القرن الـ20، عندما أنشئت منطقة حكم ذاتي أرمينية في قره باغ داخل حدود جمهورية أذربيجان السوفياتية. وفي 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفياتي طالب الأرمن بنقل قره باغ من سيادة أذربيجان إلى أرمينيا، مما أدى إلى اندلاع حرب بين البلدين.

في 1994 تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن لم يحل النزاع. ومنذ ذلك الحين ظلت المنطقة تحت سيطرة القوات الأرمينية، بينما تطالب أذربيجان باستعادة السيطرة عليها.

تلعب إيران وتركيا وروسيا أدواراً مهمة في الصراع، ففي حين تدعم إيران أرمينيا، تدعم تركيا أذربيجان، وهناك طرف ثالث هو روسيا.

الدور الروسي

روسيا هي القوة المهيمنة في المنطقة، وتنشر قوات حفظ سلام في قره باغ وظيفتها مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار ومنع تصعيد النزاع، وذلك منذ 1994 بعد أن شاركت في مفاوضات السلام بين أذربيجان وأرمينيا التي أدت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وفي عام 2020 شاركت روسيا مرة أخرى في مفاوضات السلام التي أدت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار جديد.

ترى روسيا أن الصراع في قره باغ إقليمي داخلي بين أذربيجان وأرمينيا، لكن مع وجود قوات حفظ السلام التابعة لها بالإقليم المنتشرة، فهي تسعى إلى التوصل إلى حل سلمي للنزاع يضمن حقوق جميع الأطراف المتنازعة، بما في ذلك السكان المحليون من الأرمن والأذربيجانيين، كما تسعى إلى التوصل إلى حل من خلال المفاوضات بما يحافظ على السلام والاستقرار في المنطقة.

الدور الإيراني

موقف إيران في أزمة قره باغ معقد يعكس مصالحها المتضاربة في المنطقة، فمن جهة تدعم إيران أرمينيا، وهي دولة ذات أغلبية أرمينية تقع على حدودها الغربية، لكن طهران في الوقت نفسه تسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع أذربيجان، وهي دولة ذات أغلبية أذرية تقع على حدودها الشمالية.

في عام 2020 دعمت إيران أرمينيا في حربها ضد أذربيجان، إذ قدمت لها مساعدات عسكرية واقتصادية، مع ذلك بعد انتهاء الحرب تغير موقف إيران إلى حد ما، إذ دعت إيران إلى حل سلمي للنزاع، ورحبت باتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه برعاية روسيا.

في الوقت الحالي تسعى إيران إلى لعب دور أكثر حيادية في الأزمة، وتدعو إلى حل سلمي يضمن حقوق جميع الأطراف المتنازعة، بما في ذلك السكان المحليون من الأرمن والأذربيجانيين.

هناك عوامل عدة تؤثر في موقف إيران في أزمة قره باغ، منها العلاقات التاريخية مع أرمينيا، إذ تتمتع إيران بعلاقات تاريخية قوية مع أرمينيا، ويرجع ذلك إلى التقارب الديني والثقافي بين البلدين في مقابل المصالح الاقتصادية مع أذربيجان، إذ تتمتع طهران بمصالح اقتصادية كبيرة في أذربيجان وتربطها معها علاقات تجارية واستثمارات مهمة.

على صعيد الموقف الإقليمي تسعى إيران إلى الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وتخشى أن يؤدي تصعيد الصراع في قره باغ إلى زعزعة الاستقرار جنوب القوقاز، في ظل هذه العوامل يبدو أن موقف إيران في أزمة قره باغ سيظل معقداً، وقد يتغير بحسب الظروف الإقليمية.

الدور التركي

تدعم تركيا أذربيجان في أزمة قره باغ، وترى أن الإقليم جزء لا يتجزأ من الأراضي الأذربيجانية. وتعارض تركيا أية محاولة لتغيير الوضع الراهن في الإقليم، وتدعم حق أذربيجان في استعادة السيطرة عليه.

في 2020 ساندت تركيا أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، إذ قدمت لها مساعدات عسكرية واقتصادية، بينما لعبت أنقرة دوراً مهماً في مساعدة أذربيجان في تحقيق نصر عسكري في الحرب.

في أعقاب الحرب تواصل تركيا دعم أذربيجان في جهودها لتحقيق حل سلمي للنزاع، وتدعو إلى حل يضمن حقوق جميع الأطراف المتنازعة، وهناك عوامل عدة تؤثر في موقف تركيا في أزمة قره باغ، على صعيد العلاقات التاريخية والاقتصادية مع أذربيجان.

أما على صعيد الموقف الإقليمي فتسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في منطقة جنوب القوقاز، وترى أن دعم أذربيجان في أزمة قره باغ سيساعدها في تحقيق هذا الهدف.

في ظل هذه العوامل يبدو أن موقف تركيا في أزمة الإقليم الانفصالي سيظل داعماً لأذربيجان، وقد يتغير بحسب الظروف الإقليمية، وفي ما يأتي بعض الأمثلة على دعم تركيا لأذربيجان في أزمة قره باغ:

– 2020

سلمت تركيا أذربيجان طائرات مقاتلة من طراز “إف-16” وأنظمة دفاع جوي من طراز “إس-400”.

– 2021

وقعت تركيا وأذربيجان اتفاق تعاون عسكري لمدة 10 سنوات.

في ضوء هذه الأمثلة، يبدو أن تركيا ملتزمة بدعم أذربيجان في أزمة قره باغ، وقد تستمر في تقديم مزيد من الدعم العسكري والاقتصادي للبلاد في المستقبل.

الموقف الأميركي

أما الولايات المتحدة فتدعو إلى حل سلمي للصراع، لكنها لم تعلن أي موقف رسمي في شأن سيادة الإقليم، فموقف واشنطن دبلوماسي تدعو فيه إلى حل سلمي يضمن حقوق جميع الأطراف المتنازعة.

في عام 2020 أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من التصعيد العسكري في قره باغ، ودعت إلى وقف إطلاق النار. ولعبت الولايات المتحدة دوراً مهماً في التوصل إلى اتفاق لوقف المعارك خلال نوفمبر (تشرين الثاني) برعاية روسيا.

في أعقاب الحرب واصلت الولايات المتحدة دعم جهود السلام في قره باغ، وساعدت الولايات المتحدة في تنظيم محادثات سلام بين أذربيجان وأرمينيا، لكنها لم تتمكن من التوصل إلى حل وسط، وهناك عوامل عدة تؤثر في موقف الولايات المتحدة في أزمة قره باغ، بينها:

المصالح الاستراتيجية بالمنطقة، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على الاستقرار في منطقة جنوب القوقاز، وتخشى أن يؤدي تصعيد الصراع في قره باغ إلى زعزعة الاستقرار بالمنطقة.

العلاقات مع أرمينيا وأذربيجان، فهي تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات جيدة مع كل من البلدين، وتسعى إلى الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع كليهما.
الموقف الإقليمي إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون مع تركيا وروسيا جنوب القوقاز، وتخشى أن يؤدي دعمها لأحد الطرفين في أزمة قره باغ إلى الإضرار بعلاقاتها مع الطرف الآخر.

في ظل هذه العوامل، يبدو أن موقف الولايات المتحدة في أزمة قره باغ سيظل دبلوماسياً، وقد تستمر في لعب دور الوسيط بين أذربيجان وأرمينيا في جهود السلام.

الموقف الأوروبي

موقف أوروبا من أزمة قره باغ دبلوماسي، تدعو فيه إلى حل سلمي للنزاع يضمن حقوق جميع الأطراف المتنازعة، بما في ذلك السكان المحليين من الأرمن والأذربيجانيين.

في عام 2020 أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من التصعيد العسكري في قره باغ، ودعا إلى وقف إطلاق النار، ولعب دوراً مهماً في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال نوفمبر 2020 برعاية روسيا.

في أعقاب الحرب واصلت أوروبا دعم جهود السلام في قره باغ، وساعد الاتحاد الأوروبي في تنظيم محادثات سلام بين أذربيجان وأرمينيا، لكنها لم تتمكن من التوصل إلى حل وسط.

هناك عوامل عدة تؤثر في موقف أوروبا بأزمة قره باغ مشابهة للموقف الأميركي، ويبدو أن أوروبا ملتزمة بلعب دور فعال في حل أزمة قره باغ، وقد تستمر في تقديم الدعم الدبلوماسي للأطراف المتنازعة في المستقبل.

مع ذلك هناك بعض التباين في موقف الدول الأوروبية من أزمة قره باغ، على سبيل المثال تدعم فرنسا وألمانيا بشكل عام جهود السلام، لكن هناك بعض الدول الأوروبية مثل النمسا والسويد التي تدعو إلى حل سلمي يتضمن إقامة منطقة عازلة بين أذربيجان وأرمينيا.

اتجاه القضية

في ظل النزوح الجماعي من الإقليم ووقوع انفجار أول من أمس الإثنين أدى إلى عشرات القتلى يبدو أن الوضع في إقليم قره باغ يتجه نحو التصعيد، ويرى بعض المراقبين أن هذا التصعيد قد يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة بين أذربيجان وأرمينيا.

هناك عوامل عدة تسهم في تصعيد الصراع في إقليم قره باغ، منها:

أولاً: الموقف المتشدد من جانب كل من أذربيجان وأرمينيا، فكلا البلدين يرفض التنازل عن مطالبه، مما يجعل من الصعب التوصل إلى حل وسط.

ثانيا: التدخل الإقليمي، دعم إيران لأرمينيا ودعم تركيا لأذربيجان يعقد من عملية السلام.

ثالثا: الضعف الدولي، إذ فشلت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في لعب دور فعال في حل النزاع، مما يمنح الأطراف المتنازعة مساحة أكبر لانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار.

في ظل هذه العوامل، يبدو أن الصراع في إقليم قره باغ قد يستمر لفترة طويلة، مما يتسبب في مزيد من المعاناة للسكان المحليين.