يعتبر الفساد الاقتصادي من أهم المعوقات التي تقف عائقاً في بناء ورقي المجتمع وسمو ورفعة شعبه وأهله وتراجع عملية التقدم والتطور في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل ويساهم في إحداث العديد من الاختناقات والأزمات التي تعطل مسيرة الإصلاح في البلد وتعمل على ظهور العديد من ظواهر الإخفاق والتدمير للخطوات الجادة في الأخذ بمعايير إيجابية تخدم الحياة الاقتصادية للبلد.
برزت ظاهرة الفساد بشكل فعال ومؤثر على الحياة في العراق واتخذت أشكالا وأنماطا عدة تمثلت في حدة الصراعات والطموحات اللامشروعة التي تسعى إليها بعض الكتل السياسية وأحزاب السلطة وتتعامل معها بما يحقق لها مصالحها الذاتية بعيدا عن معاناة ومكابدة الشعب العراقي ومعالجة أزمات البلاد فأصبحت واردات العراق المالية رهينة للفاسدين والمفسدين وعنوانا بارزا للسلوك السياسي والاقتصادي وللمشاريع الوهمية.
لم تتمكن السلطات الحكومية من إيجاد وسائل رادعة حقيقية في مكافحة ومواجهة شبكات الفساد وشخوصها وإحالتهم للمحاكم رغم العديد من الأدلة والوثائق التي تدينهم بسبب ارتباطاتهم السياسية والحزبية أو حصاناتهم النيابية أو علاقاتهم مع كتل وأحزاب متنفذة داخلية ولم تتمكن الأجهزة التنفيذية من ومواجهتهم، وبهذه الصورة الواضحة أصبح الواقع الميداني للسياسة الاقتصادية العراقية واقعاً مؤسفاً فيه العديد من المشاكل والمعوقات التي نجمت عن سنوات عديدة مما أضعف العمل الجماعي لمواجهتهم والاقتصاص منهم.
وأمام هذه المعطيات الميدانية والوضع المأساوي الذي يعيشه أبناء الشعب العراقي، يأتي حديث السيد حامد الخفاف ممثل المرجع الديني الأعلى أية الله العظمى السيد علي السيستاني في كلمته التي ألقاها يوم الثالث من تشرين الأول 2023 في العاصمة اللبنانية (بيروت) بمهرجان الصادقين الشعري السادس، والتي أشار فيها إلى الإهتمام الكبير والمتابعة الحثيثة والأولوية الي يوليها السيد السيستاني لظاهرة الفساد في العراق وضرورة إيجاد الوسائل والأدوات الناجحة والفاعلة لمكافحتها والتصدي لها واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق الفاسدين والمفسدين سواءأكانوا صغاراً او كباراً والالتزام بالمنهج الأخلاقي التقويمي الصحيح في العمل والممارسة الحقيقية والحد من خطورة الفساد وأثاره على المجتمع والحفاظ على ثروات البلاد ومكتسبات الشعب الاقتصادية والتنموية بتحقيق الرفاهية والطمأنينة لحياة كريمة.
وما يمكن لنا ملاحظته في حديث الخفاف ان السيد السيستاني وبدافع من الحرص الكبير قد حذر المسؤولين العراقيين مراراًوتكراراً بضرورة إيجاد الحلول الجذرية وتفعيل الأدوات والوسائل الحقيقية التي تسهل عملية الحفاظ على المال العام وصيانة حقوق المواطنين بتشريع القوانين التي تعزز مبدأ العدالة الاجتماعية وتلامس هموم المواطنين وتحقق أمالهم وتبعدهم عن المعاناة والمكابدات والظلم الاجتماعي بالسعي لتحقيق الأهداف والغايات التي تساهم بتعزير روح المواطنة واحترام إرادة الإنسان وتطبيق القوانين ومراعاة الحياة المجتمعية بما يحقق الرفاهية والسعادة لأبناء البلد.
إن ما لا يدركه الفاسدون ان المال الذي يحصلون عليه عبر طرق ملتوية وأساليب مخالفة للأنظمة والقوانين إنما هو (سحت حرام) وان إهدار المال العام الاستحواذ عليه جريمة إقتصادية واجتماعية وسلوك مشين واستغلال للسلطة من قبل الداعمين والمشاركين في شبكات الفساد وتهريب وتبيض الأموال العامة.
تؤكد توجيهات السيد السيستاني العمق الإنساني الكبير والموقف النبيل والحرص الشديد على حياة ومستقبل أبناء الشعب العراقي وضرورة العمل على تنويع الاقتصاد العراقي والاستفادة من الواردات المالية ودعم الاقتصاد الوطني وحماية المؤسسات الحكومية من شبكات الفساد بالتصدي إليهم ومواجهتهم واحالتهم للمحاكم المختصة، وعلى جميع العاملين في مفاصل وهيكلية الدولة العراقية من قيادات ومسؤولين الإلتزام بتوجيهات السيد السيستاني وتنفيذ الإرادة الشعبية في العمل على حماية موارد الدولة المالية وملاحقة الفاسدين والاقتصاد منهم وحماية المنظومة الاقتصادية الوطنية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية