وسط سرديتين حول أسباب إطلاق كتائب عزالدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية – حماس طوفان الأقصى والرد الإسرائيلي المدمر-هناك من يرى أن رد حماس طبيعي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي الذي تحول لنهج خطير من الممارسات التعسفية والقمع والاعتداءات والقتل الممنهج. وقلة تحمّل مغامرة حماس وإطلاق طوفان الأقصى التي تسببت بمقتل وإصابة وجرح عشرات الآلاف وتدمير نصف مباني والوحدات السكنية في غزة- وتهجير قدّره أمين عام الأمم المتحدة بـ80 في المئة من سكان غزة ما عادوا يسكنون في منازلهم!
سبق حذرت بعدة مقالات في « القدس العربي» منذ مطلع العام من تداعيات سلوك حكومة أقسى اليمين المتطرف الفاشي من تفجير انتفاضة ثالثة في القدس والضفة الغربية، ومن حرب سادسة على غزة بعد سلسلة الحروب الدامية منذ عام 2008.
خاصة مع تصاعد اعتداءات المستوطنين واقتحامات باحات المسجد الأقصى والتضييق على الفلسطينيين والاعتداء على منازلهم ومتاجرهم وممتلكاتهم.
يتعمد الصهاينة تدفيع الفلسطينيين فاتورة كبيرة موقعة بدمائهم بمجازر ضد الإنسانية وجرائم حرب-غير مسبوقة بعددها وضحاياها.. وصلت لقتل 15,000 وإصابة 40 ألفا وفقدان 7 آلاف ثلثاهم من النساء والأطفال-وتهجير قسرياً مليون ونصف المليون فلسطيني من الشمال إلى الجنوب، وقتلت 200 وجرحت 600 في اليوم الأول بعد نهاية الهدنة الإنسانية!
يخشى أن تكون الضفة الغربية- غزة القادمة في مخطط التصعيد الإسرائيلي، حيث زادت عمليات اقتحام الجيش الإسرائيلي لمدن ومخيمات الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر
ويخشى أن تكون الضفة الغربية- غزة القادمة في مخطط التصعيد الإسرائيلي، حيث زادت عمليات اقتحام الجيش الإسرائيلي لمدن ومخيمات الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر، بالإضافة إلى تعمد السلطات الإسرائيلية الاعتداء وانتهاج سياسة الحرمان وتجويع السجناء الفلسطينيين-حسب ما أفاد السجناء والأسرى الفلسطينيون الذين أطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية. لذلك نشهد الغضب الشعبي العربي والتضامن والتظاهر وتقديم مساعدات من الجمعيات الخيرية وجمعيات النفع العام، وتسيير جسر جوي للمساعدات الغذائية والطبية وسيارات إسعاف- خاصة من الكويت والسعودية وقطر والإمارات ومصر وغيرها. ما يضغط على الحكومات العربية لأخذ موقف أقوى والمطالبة بوقف حرب الإبادة.
وكان ملفتاً مقارنة مشاهد الإفراج عن الأسرى والسجناء وأقوال وتصريحات الأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم وإجماعهم على سوء المعاملة والحط بالكرامة والضرب والاعتداءات التي تعرضوا لها في السجون الإسرائيلية ومعظمهم من الشباب -بالمقارنة مع اعتراف المفرج عنهم الإسرائيليين على حسن المعاملة والاهتمام بهم وعدم الإساءة لهم من مقاتلي حماس.
الملفت منذ البداية كان ولا يزال دعم الرئيس بايدن المطلق لحرب إسرائيل على غزة ومنحها نوافذ من الوقت لتكمل مهمة عدوانها التي شرحها ولخصها نتنياهو أكثر من مرة بالقضاء على حماس، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين ومن جنسيات أخرى، وعدم السماح ببقاء غزة مصدر لتهديد الأمن الإسرائيلي. لكن مع تصاعد جرائم الحرب والمجازر وارتفاع أعداد الضحايا والمعاناة بما فيها قصف المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، وفشل قوات الاحتلال برغم القتل الممنهج من تحقيق أي من أهداف حكومة الحرب، بدأ الموقف الأمريكي الرسمي: البيت الأبيض والكونغرس بالتحفظ وبدأ الضوء الأخضر الأمريكي يتحول لضوء أصفر. خاصة مع تمرد وانتقادات داخل حزب بايدن الديمقراطي،ورفض عملية عسكرية في جنوب القطاع ومنع دخول المساعدات. ما يعمق مأزق بايدن وحزبه، خاصة مع تراجع شعبيته وقلقه من تداعيات الموقف الأمريكي المتطابق مع الموقف الإسرائيلي.
أوفد الرئيس بايدن مدير الاستخبارات الأمريكية وليم بيرنز إلى قطر للتباحث حول تمديد الهدنة والإفراج عن المزيد من السجناء من الطرفين. وأنهى وزير الخارجية بلينكن جولة رابعة منذ بدء الحرب، وأدان أثناء لقائه مع رئيس السلطة محمود عباس عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد سكان الضفة الغربية!
لكن ما يقلق بايدن تصاعد الانتقادات ويخشى تصدع البيت الديمقراطي والضغط لوقف الحرب. ويبرز قيادات وشخصيات معتدلون من حزب بايدن مثل السناتور مارك وورنر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الذي كرر موقفه-»أن الاحتلال الإسرائيلي يفقد تعاطف الناس في جميع أنحاء العالم في ظل عدوانه على غزة».
كما أقترح السناتور كريس ميرفي عضو لجنة الشؤون الخارجية بمناقشة مشروع قانون المصادقة على توفير مخصصات مالية وعسكرية بـ14 مليار دولار لإسرائيل، على أساس التزام إسرائيل بشروط عدم استهداف المدنيين في حالة الحرب، واحترام حقوق الإنسان، كما وصف عدد القتلى الفلسطينيين المدنيين «غير مقبول»! ذه المواقف ملفتة وتعبر عن الضيق والاستياء في واشنطن من عجز وفشل إدارة بايدن من لجم التفلت الإجرامي للصهاينة، وتكتسب أهمية خاصة أن المنتقدين هم قيادات في حزب بايدن الديمقراطي! بينما غابت المواقف الناقدة عن الموقف الأمريكي في الأسابيع الأولى من العدوان وحرب إبادة غزة.
واضح أن موقف الرئيس بايدن الشخصي المنحاز كلياً للعدوان الإسرائيلي على غزة يحرج الحلفاء: مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي. وقد تجلى بوضوح برفض إدانة عملية طوفان الأقصى وانتقاد جرائم حرب إسرائيل وفي البيان الختامي للقمتين العربية والإسلامية، طالب بإدانة حرب إسرائيل على غزة وكسر الحصار وإدخال قوافل المساعدات العربية والإسلامية والدولية، والقيام بجولة على الدول الكبرى لحشد الرأي العام لإنهاء الحرب. كما برز ذلك في كلمات وزراء الخارجية العرب الأسبوع الماضي بتوجيه انتقادات لاذعة وغاضبة لحرب إسرائيل والمطالبة بوقف الحرب والانخراط في عملية سلام حقيقية. يضاف الموقف الشعبي الغاضب المتمثل بمظاهرات واحتجاجات في أمريكا ما ينعكس سلباً على إعادة انتخاب بايدن رئيساً العام القادم.