كانت المصالح الصينية في باكستان على مر السنين مهددة سواء كان ذلك من قبل الجماعات الانفصالية المسلحة أو الجهاديين. ويتوقع مراقبون تزايد استهداف مصالح بكين خاصة من قبل المجموعات الانفصالية البلوشية التي تسعى لتدعيم جهود الاندماج في ما بينها.
إسلام آباد – يهدد الاندماج المحتمل للجماعات المسلحة البلوشية في باكستان المصالح الصينية في المنطقة، لاسيما مشروع الحزام والطريق التجاري العملاق والمشاريع المرتبطة به على غرار الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني.
وأفادت تقارير أن مجموعتين انفصاليتين من البلوش شاركتا منذ 20 عاما في التمرد العنيف تجريان محادثات للاندماج وتشكيل جماعة مسلحة موحدة.
والمجموعتان هما جبهة تحرير بلوشستان وفصيل بشير زايب من جيش تحرير بلوشستان، وعلى الرغم من كونها بالفعل جزءًا من “جبهة الحرية الوطنية البلوشية”؛ وهي منظمة جامعة للجماعات المتمردة البلوشية، فإن الإعلان يشير إلى تصعيد محتمل لأنشطة المتمردين في منطقة بلوشستان المضطربة بجنوب غرب باكستان.
وجبهة تحرير بلوشستان هي جماعة مسلحة محظورة يقودها نزارالله بلوش، وهو طبيب سابق تحول إلى زعيم حرب عصابات اكتسب شعبية بعد هجوم بسيارة مفخخة في عام 2004. وأدى التفجير إلى مقتل ثلاثة مهندسين صينيين وإصابة 11 آخرين في غوادار.
البلوش يقولون إن الصين بالتواطؤ مع الجيش الباكستاني تريد استعمار الولاية واستغلال مواردها الطبيعية
وحافظت جبهة التحرير البلوشية على وجود عسكري في منطقتي مكران الساحلية وأواران لمدة عقدين من الزمن.
وأسس نزارالله في البداية منظمة الطلاب البلوش في عام 2002، وكانت منظمة شبابية متطرفة، ولكن تم حظرها في باكستان في عام 2013 بتهمة دعم الجماعات المسلحة البلوشية.
واكتسب جيش تحرير بلوشستان الاهتمام في صيف عام 2000 بعد أن أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير قنبلة في سوق كويتا.
وكان جيش تحرير بلوشستان في البداية يقوده بالاش ماري، وهو ابن نواب خير بخش ماري، وهو نفسه زعيم ماركسي شارك في تمرد البلوش في السبعينات. وحتى اليوم، لا يزال ماري رمزًا للمتمردين البلوش. ومع ذلك، عانى جيش تحرير بلوشستان من انقسامات داخلية بعد ثلاث سنوات من وفاة بالاش ماري في عملية عسكرية على طول الحدود الباكستانية – الأفغانية في عام 2007.
وانقسمت المجموعة إلى فصيلين في عام 2010، مما أدى إلى ظهور الجيش البلوشي الموحد. وفي عام 2017 شهد جيش تحرير بلوشستان انقسامًا آخر إلى فصيلين، أحدهما بقيادة أسلم بلوش والآخر بقيادة آزاد بلوش. لكن الزعيم السابق قُتل على يد انتحاري في قندهار في أفغانستان في ديسمبر 2018.
تعتبر بلوشستان التي تشكل 44 في المئة من مساحة باكستان، من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية كالغاز الطبيعي والنفط والفحم والنحاس والذهب، لكنها المحافظة الأقل نموا والأكثر فقرا في البلاد.
ويزعم المتمردون البلوش أن الحكومة المركزية تعيق التنمية لإبقاء الإقليم ضعيفا، وهو ما يحسب ضمن أسباب الصراع والتمرد خصوصا أن غالبية السكان في بلوشستان يفتقرون إلى ظروف العيش الكريمة.
ويرى الانفصاليون البلوش الذين يتنازعون منذ فترة طويلة مع الحكومة الباكستانية أن مشروعات التنمية الصينية في بلوشستان تشكل تهديداً مباشراً لسيطرتهم الديموغرافية على المنطقة.
ولطالما كان مسلّحو بلوشستان الانفصاليون الذين نفذوا هجوماً على القواعد العسكرية الباكستانية يعارضون الاستثمارات الصينية في منطقة غوادار وفي أنحاء أخرى من البلاد لمدّة طويلة، ويقولون إن الصين بالتواطؤ مع الجيش الباكستاني تريد استعمار موارد الولاية واستغلالها.
ويطالب جيش تحرير بلوشستان، وهو جماعة محظورة مؤلّفة من انفصاليين بلوش، باستقلال ذاتي أكبر لولاية بلوشستان.
جيش تحرير بلوشستان، وهو جماعة محظورة مؤلّفة من انفصاليين بلوش، يطالب باستقلال ذاتي أكبر لولاية بلوشستان
ولم يتم بعد تحديد اسم الحركة الجديدة بعد الاندماج وقيادتها، لكن التوحيد يمكن أن يعزز وجود المسلحين البلوش في المناطق الأقل تأثرًا حاليًا بالتمرد.
وقد يؤدي الاندماج إلى زيادة حدوث أنشطة ضد المشاريع التي تقودها الصين، وخاصة تلك المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني (CPEC) الذي تبلغ قيمته 65 مليار دولار.
وجاء في تقرير على موقع مؤسسة جيمس تاون أنه إذا تحقق الاندماج، فمن المرجح أن تقوم الجماعتان المسلحتان البلوشيتان الأكثر نفوذاً والأكثر فتكاً بتصعيد الهجمات على وكالات إنفاذ القانون والمصالح الصينية على طول ساحل مكران، إذ تعتبر مكران مركزًا جغرافيًا لنشاط الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني إلى جانب كراتشي.
ومن شأن الاندماج أن يمكّنهما أيضًا من الاستفادة من ملاذات وموارد وقوى العمل لدى كل منهما، والتي يمكنهما استخدامها لتكثيف الضغوط على الحكومة الباكستانية.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاندماج إلى تحالف وثيق مع الجماعات المسلحة الأخرى العاملة من بلوشستان، حيث توجد حاليًا تسع مجموعات من هذا القبيل على الأقل تحت قيادة مختلفة.
وتفتقر بعض الجماعات المتمردة الأقل شهرة إلى التنظيم والتوجيه المركزي، ولكن هناك الآن اعتراف واسع النطاق بين قادة الجماعات المسلحة البلوشية بأن افتقارهم الجماعي إلى الوحدة قد أعاق حركتهم بشكل كبير.
والآن هناك إدراك إضافي بأن الاتحاد في مجموعة واحدة أقرب إلى الجيش يسمح لجميع المجموعات المختلفة بتنفيذ هجمات أكثر فتكا والمزيد من التأثير على السياسة الباكستانية سواء كان ذلك تجاه الصين أو تحرير بلوشستان.
نظراً لتاريخ الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة البلوشية، فإن استدامة الاندماج المقترح تظل محل شك. وقد أدت الصراعات الداخلية في السابق إلى اشتباكات مميتة بين مختلف الفصائل البلوشية.
وشهد جيش تحرير بلوشستان انقسامًا في عام 2010، مما أدى إلى اشتباكات مميتة بين مقاتليه وعناصر جيش التحرير الشعبي في يونيو 2015.
وفي حين أن المرارة القبلية والانقسامات الداخلية قد ابتلي بها تاريخياً التمرد البلوشي، إلا أن هناك حالياً إدراكا بين كبار قادة المتمردين بأنهم قادرون على تحدي القوات الباكستانية المتفوقة بشكل أكثر فعالية ومساعدة البلوش على تحقيق أهدافهم معًا.
وأعرب نزارالله عن هذا الشعور على وسائل التواصل الاجتماعي عندما أكد على الحاجة إلى الاندماج، إلا أن تاريخ مثل هذه التحالفات يشير إلى أن التوترات الداخلية قد تستمر. ومع ذلك، فإن اندماج الجماعات يمكن أن يزيد من قوتها وعملياتها ويشكل تهديدًا متزايدًا للمصالح الصينية ولباكستان.
العرب