يسجل الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة إنجازات عملياتية وتكتيكية ذات مغزى في الشمال. جباية الثمن المتزايدة من “حزب الله” حطمت توقعاته، وقد تستنزفه. بالمقابل، سجل “حزب الله” إنجازاً استراتيجياً في أعقاب إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من منازلهم. والواقع في الشمال لن يعود إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر.
تحديد الأهداف أمر مرغوب فيه: إعادة كل السكان، وتعمير الدمار، وإزالة تهديد اجتياح “قوة الرضوان”. بكلمات أخرى – ألا تتكرر فظائع 7 أكتوبر أبداً. لا وهم في أن تهديد الاجتياح الواسع سيختفي، لكن سيتعين على الجيش الإسرائيلي التصدي له بالضبط مثلما كان منذ قيام إسرائيل.
ويجب الإيضاح بأننا سنبقى معرضين لتهديد من “حزب الله” على الجبهة الداخلية وإن نصل إلى وضع نهاية نرغبها؛ هذا الذي يتضمن عشرات آلاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية. ستضطر إسرائيل في نقطة معينة للعمل سياسياً أو عسكرياً، لكن في وقت وفي خدعة يمنحاها تفوقاً مهماً. عملياً، ربما يوفر لنا “حزب الله” الذريعة لعمل هذا قريباً.
إن أي وضع يزال فيه تهديد الاجتياح، ويعاد فيه عموم السكان ويرمم فيه الدمار في الشمال، سيحسن الميزان الأمني، وسيجد تعبيره في أربعة مقاييس:
1- حماية سكان الشمال، التي تحسنت اليوم، وقد تحتفظ بحجم كبير من القوات التي تحمي البلدات.
2- إزالة انتشار قوة الرضوان من منطقة الحدود، التي تشكل شرطاً أساسياً للوضع الجديد.
3- انتقال إسرائيل من سياسة الاحتواء إلى المبادرة حيال “حزب الله” في لبنان، ما يشكل تحطيماً لحاجز فكري قيدها في الماضي.
4- صور عملية الجيش الإسرائيلي العدوانية في غزة والتي تصدح في العالم العربي، تولد خوفاً لدى اللبنانيين من أن تكون بيروت هي التالية في الدور – مقياس ردعي من الصعب تحديده، ولا يمكن تجاهله.
صدام إرادات
الحرب في الجبهة الشمالية هي صراع يدور بين إرادتين متضاربتين: إرادة إيران و”حزب الله” في خلق جبهة مقاومة واحدة مع حماس، وبالتوازي الإبقاء على “حزب الله” في صالح مهام مستقبلية في خدمة إيران؛ وبالمقابل إرادة إسرائيل للفصل بين حماس والمحور الشيعي وتعطيل تهديد الاجتياح من جانب “حزب الله”.
إذن، إلى أين نسير وماذا سيحصل في وضع هدنة في الجنوب بسبب اتفاق مخطوفين، مثلاً؟ من المتوقع أن “حزب الله” سيوقف النار مرة أخرى، مثلما فعل في الهدنة السابقة. في هذه الحالة، ستبدو مصلحة إسرائيل عكس مصلحة “حزب الله”، وعليها أن تواصل سياسة تفعيل قوة نار بالمبادرة والهجوم. ولهذا اعتباران مركزيان: أولاً، هذا تنفيذ لأهداف إسرائيل – الفصل بين الساحات، ومواصلة نزع قدرة الاجتياح لدى “قوة الرضوان”. ثانياً، وهو الأهم، على إسرائيل ضمان عدم فتح النار عليهم إذا ما استؤنف القتال في غزة؛ إذ من غير المحتمل إخلاء سكان الشمال كلما حدث احتكاك مع غزة، فما بالك إذا كان في نيتنا إبقاء المسؤولية الأمنية لنا في غزة، بمعنى – العمل هناك مثلما نعمل في الضفة كل ليلة.
إن استمرار النار في الشمال، سيحقق رسالة تصميم على مواصلة كسر توقعات “حزب الله” وثقته بنفسه. نقطة الضعف المركزية في مواصلة النار أن “حزب الله” والكثيرين في العالم، أن تتطور الهجمات إلى حرب شاملة وتعرض شرعية وإسناد الولايات المتحدة للخطر. ينبغي الاستعداد لهذا بعمل سياسي، فالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة حرج للغاية.
إن حرباً شاملة في الشمال ليست قدراً. ومع ذلك، ربما يتدهور الواقع، حتى لو بدا أن الطرفين غير معنيين بها. من ناحية إسرائيل، فإن تصعيداً إضافياً لن يكون بالضرورة سيناريو سلبياً؛ لأنه سيسرع إزالة تهديد صواريخ حزب الله، ويضمن إسناداً أمريكياً في وقت بات فيه القتال في قطاع غزة أقل شدة مما سيسمح بالتركيز على الشمال بشكل أفضل.
عندما تصمم إسرائيل واقعاً جديداً في الشمال، سيكون ممكناً البحث في تنفيذ كامل ومتجدد لقرار 1701. بعد حرب لبنان الثانية، تقرر أن المنطقة جنوبي نهر الليطاني ستكون مجردة من السلاح بإنفاذ من قوة دولية. ولأن “حزب الله” لم ينفذ القرار، وإذا ما كان إصرار لبناني على البحث في نقاط الخلاف على الحدود، فعلى إسرائيل أن تشترط هذا بتنفيذ كامل للقرار.
وختاماً، يجب تقنين التوقعات؛ فالخطوة ستستغرق وقتاً طويلاً، تنقل إسرائيل في خلاله مركز الثقل من غزة إلى معركة قوية في الشمال – دون مستوى الحرب الشاملة، بعدها تتمكن من الوصول إلى تسوية أمنية محسنة. إن إحساس الأمن في إسرائيل، خصوصاً في الجنوب والشمال تضرر في 7 أكتوبر. وسيعود الاستيطان على طول الحدود ليكون جزءاً من القصة الصهيونية الطليعية، قبل أن يعود ليكون جنة عدن المتفتحة التي نحبها جميعنا. لكن هذا لن يحصل دفعة واحدة.
على الحكومة أن تمنح شبكة أمان واسعة للسكان، وتقرر سياسة جديدة في مجال تشجيع الاستيطان في النقب والجليل، وتطبيق قانون تجنيد حديث ومناسب لأغراض الساعة. نحن بحاجة لـ “مشروع مارشل” داخلي.