تسجل المستشفيات والعيادات الطبية في أفريقيا مئات الآلاف من حالات الوفاة التي كان بالإمكان منع وقوع ما لا يقل عن نصفها من خلال تحسين أجهزة غسل اليدين وتوفير المياه النظيفة ودورات المياه اللائقة. وتم رصد أعلى معدلات العدوى في وحدات الرعاية المركزة وإدارات حديثي الولادة وطب الأطفال. ويكلف علاج الإصابات بالعدوى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء 8.4 مليار دولار سنويا.
واشنطن – خلص بحث لمنظمة ووتر أيد والبنك الدولي إلى أن علاج الإصابات بالعدوى في المستشفيات والعيادات الطبية تكلف منطقة أفريقيا جنوب الصحراء 8.4 مليارات دولار سنويا، كما أن الحالة السيئة للخدمات في تلك المستشفيات والعيادات الطبية تؤدي إلى مئات الآلاف من حالات الوفاة التي كان يمكن منع وقوعها. وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أن المنظمتين قالتا إنه كان يمكن منع وقوع ما لا يقل عن نصف هذه الحالات من خلال تحسين أجهزة غسل اليدين وتوفير المياه النظيفة ودورات المياه اللائقة.
وقد تم رصد أعلى معدلات عدوى في وحدات الرعاية المركزة وإدارات حديثي الولادة وطب الأطفال. وأظهرت البيانات أن حالات العدوى في منشآت الرعاية الصحية، بما فيها أمراض مثل الإنتان والالتهاب الرئوي، كلفت الدول الأفريقية نحو 1.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي و 4.5 في المئة من ميزانيات الدول لقطاع الصحة.
وقالت منظمة ووتر أيد في بيان “هذه التكلفة سوف ترتفع عندما يصبح عدد كبير من حالات العدوى مقاوما للأجسام المضادة”. وأضافت “مقاومة الأجسام المضادة تمثل حالة طوارئ عالمية متنامية، حيث تساهم في تسجيل نحو 5 ملايين حالة وفاة سنويا”. وتعد مالاوي الأكثر تضررا، حيث تنفق 2.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي و9.10 في المئة من ميزانياتها الصحية السنوية لعلاج حالات العدوى.
وفي تقرير حول الأوضاع الصحية في إفريقيا، شددت منظمة الصحة العالمية على أن إفريقيا بصدد تطوير حلول محلية لمحاربة الأمراض والنهوض بقطاعها الصحي. والتقرير المخصص للمنطقة الأفريقية، يحلل بكثير من المعطيات الأوضاع الصحية في القارة السمراء كما يستعرض بعض التجارب الناجحة التي قد تعمم في وقت لاحق. إذا كانت القاعدة عند الحديث عن الوضع الصحي في القارة الأفريقية، أن تسترعي الاهتمام كثرة المشاكل التي تعاني منها الدول الأفريقية واحتلالها المكانة الأولى من حيت ترتيب تفشي الأمراض وكثرة الوفيات، فإن التقرير الجديد الصادر عن منظمة الصحة العالمية والمخصص بكامله للأوضاع الصحية في أفريقيا لا يخرج عن هذا التقليد.
فهو لا يخفي أن القارة السمراء تعد أكثر مناطق العالم تفشيا لأمراض مثل مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). بحيث تشتمل لوحدها على 60 في المئة من جميع حالات الإصابة بينما لا تتعدى نسبة سكانها 11 في المئة من مجموع سكان العالم. كما لا يُغفل أن 90 في المئة من جميع مرضى حمى المستنقعات أو الملاريا البالغ عددهم في العالم ما بين 300 و500 مليون شخص يوجدون في القارة السمراء.
◙ حالات العدوى في منشآت الرعاية الصحية، بما فيها الإنتان، كلفت الدول الأفريقية نحو 1.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي
كما أن القارة السمراء مازالت تعرف أكثر نسبة وفيات بالنسبة للمرأة الحامل أو بالنسبة للرضيع في سنواته الأولى وأن 19 من بين العشرين دولة التي لازالت تعرف نسبة عالية من الوفيات في هذه الفئة هي دول أفريقية. وتُعد أفريقيا مساهمًا رئيسيًّا في العبء العالمي لأمراض القلب والأوعية الدموية؛ ففي 2019، سُجلت أكثر من مليون حالة وفاة بالأمراض القلبية الوعائية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومثَّل هذا الرقم 5.4 في المئة من الوفيات العالمية المرتبطة بأمراض القلب و13 في المئة من جميع الوفيات في القارة.
ويمثل هذا التحول في خريطة الأمراض تحديًا كبيرًا للأنظمة الصحية في أفريقيا التي تعاني من نقص الموارد، ما يجعل من الصعب تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمصابين. وبالرغم من توافُر علاجات عدة لأمراض القلب، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحسين فاعلية هذه العلاجات، وتطوير علاجات جديدة، ولا يأتي ذلك دون إجراء دراسات سريرية تُحدد ما إذا كان العلاج الجديد آمنًا وفعالًا، بالإضافة إلى تحديد أفضل طريقة لاستخدامه.
ويُؤكد العاملون في مجال الرعاية الطبية حول العالم أهمية الدراسات السريرية التي تُجرى على البشر؛ لأنها تُوفّر أدلةً علميةً حول فاعلية العلاجات الجديدة، وتساعد الأطباء على اتخاذ قرارات أفضل بشأن علاج مرضاهم. لكن المفارقة أن قارة أفريقيا، التي يسكنها 1.4 مليار نسمة وتمثل أمراض القلب عبء المرض الأكبر لسكانها، تسهم بحوالي 2 في المئة فقط من التجارب السريرية العالمية المنشورة في مجال طب القلب.
وتسلط الدراسة الضوء على التفاوت المذهل بين العبء العالمي لأمراض القلب والأوعية الدموية والمساهمة المحدودة للبلدان الأفريقية في البحوث السريرية في هذا المجال. وحددت دراسة حديثة نقطة ساخنة لحالات فايروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا في أفريقيا، ما يدفع الباحثين إلى المطالبة بالدعم الصحي المستهدف. ووجدت الدراسة الجديدة، التي نُشرت في مجلة بي م جي غلوبال، ارتفاع معدل انتشار جميع الأمراض المعدية الثلاثة في منطقة غامبيلا، وهي مركز إقليمي يقع في غرب إثيوبيا على الحدود مع جنوب السودان.
وقال المؤلف الرئيسي الدكتور كيفايو ألين، من مدرسة كيرتين لصحة السكان ومعهد تيليثون كيدز في أستراليا، إنه من المقلق العثور على منطقة واحدة تبلغ عن أعداد كبيرة من جميع الأمراض الثلاثة. وقال الدكتور ألين “إن فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا هي أخطر ثلاثة أمراض معدية في العالم، وتتسبب في ارتفاع معدلات المرض والوفيات خاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل”.
وتابع: “حددت هذه الدراسة أن منطقة غامبيلا الإثيوبية، التي يقطنها أكثر من 330 ألف شخص، كنقطة ساخنة لحالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا. وقد يرجع ارتفاع معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا في هذه المنطقة إلى عدم كفاية إدارة الحالات والأنظمة الصحية الأضعف على طول الحدود”.
ومن أجل تحسين صحة المجتمعات في جميع أنحاء أفريقيا من خلال توسيع نطاق القوى العاملة والأنظمة الصحية المجتمعية الفعالة، والمتكاملة والمتمحورة حول الناس، تم إنشاء مبادرة صحة المجتمع الأفريقي الممكّنة وذات القدرة على الصمود (ريتش)، بالشراكة مع مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا.
ولا يستطيع الملايين من الناس في جميع أنحاء أفريقيا الوصول إلى الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها بسبب عدم توافرها أو القدرة على تحمل تكاليفها، مما يؤدي إلى معاناة لا داعي لها ووفيات يمكن تجنبها. وتلعب القوى العاملة في مجال الصحة المجتمعية بالفعل دورًا حاسمًا في الأنظمة الصحية في العديد من البلدان الأفريقية. تهدف مبادرة “ريتش” إلى توسيع نطاق القوى العاملة في مجال الصحة المجتمعية وتدريبها ودعمها ودمجها بشكل أفضل ضمن أنظمة الصحة العامة للمساعدة في سد فجوة الرعاية الصحية في جميع أنحاء القارة.
العرب