* الباحثة شذى خليل *
بينما نتطلع إلى الاقتصاد العالمي في عام 2025، يواجه المحللون مزيجًا من التفاؤل والقلق. تقدم تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي رؤى حول التوقعات والآفاق السائدة في المناطق الرئيسية حول العالم. وفقًا للتقرير، بينما يُتوقع أن تشهد بعض المناطق نموًا، فإن البعض الآخر قد يواجه تباطؤًا أو عدم استقرار. فهم هذه الاتجاهات أمر بالغ الأهمية لتحديد أين ستتدفق الاستثمارات وأي الاقتصادات ستنمو وتقوى في السنوات القادمة.
ضعف الاقتصاد العالمي والفروق الإقليمية
يشعر العديد من المحللين بالحذر بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي. وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، يعتقد أكثر من 56% من المحللين أن الاقتصاد العالمي سيواجه ضعفًا في عام 2025، في حين يتوقع 17% منهم فقط زيادة في قوته. تشير هذه المشاعر إلى أن عوامل مثل الضغوط التضخمية، والمخاطر الجيوسياسية، واضطرابات سلاسل الإمداد قد تواصل التأثير على النمو العالمي.
جنوب آسيا: نقطة مضيئة للنمو
تعد منطقة جنوب آسيا واحدة من المناطق الأكثر وعدًا وفقًا للتقرير، حيث يتوقع 50% من المحللين تحسنًا في الأداء الاقتصادي. من المتوقع أن تواصل دول مثل الهند وبنغلاديش وباكستان نموها في عام 2025، مدفوعة بأسواق استهلاكية متنامية، ومشاريع بنية تحتية موسعة، ومبادرات حكومية تهدف إلى تعزيز الإنتاج الصناعي. يشهد جنوب آسيا نموًا مستدامًا بفضل شبابه المتزايد وارتفاع معدلات التحضر، مما يجعلها نقطة جذب للاستثمار من قبل المستثمرين المحليين والدوليين.
أمريكا الشمالية: الاستقرار مع إمكانية النمو
تشكل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك معًا الاقتصاد في أمريكا الشمالية، والمحللون منقسمون بشأن آفاقه في عام 2025. يتوقع حوالي 44% من المحللين أن يشهد الاقتصاد الأمريكي نموًا، مدعومًا بقوة قطاع التكنولوجيا، واستمرار الإنفاق الاستهلاكي، وسوق عمل قوية. ومع ذلك، قد يثقل ارتفاع التضخم ورفع أسعار الفائدة على الآفاق، خاصة في قطاعات الإسكان والصناعة.
على غرار ذلك، من المتوقع أن تحافظ كندا والمكسيك على استقرار اقتصادي نسبي بفضل استراتيجيات اقتصادية إقليمية تهدف إلى تعزيز سلاسل الإمداد وزيادة التكامل مع الاقتصاد الأمريكي، مما قد يؤدي إلى نتائج إيجابية. ومع ذلك، تبقى أمريكا الشمالية عرضة للتحديات العالمية مثل تشديد الظروف المالية والمخاوف الجيوسياسية.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الاستقرار وسط عدم اليقين العالمي
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، يتوقع 64% من المحللين أن تستقر اقتصادات المنطقة دون تغييرات كبيرة في عام 2025. بينما حققت العديد من دول المنطقة تقدمًا كبيرًا في تنويع اقتصاداتها، خاصة من خلال الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة والسياحة، فإن المخاطر الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط ما زالت تشكل تحديات مستمرة. ومع ذلك، من المتوقع أن تستمر اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مثل السعودية والإمارات وقطر في النمو المستقر بفضل جهودها المستمرة في التنويع الاقتصادي والاستثمار في القطاعات غير النفطية.
في المقابل، قد تواجه بعض الاقتصادات الأقل اعتمادًا على النفط في المنطقة تحديات أكبر، حيث تظل القيود المالية والاضطرابات الاجتماعية من المخاطر التي تهدد استقرارها الاقتصادي.
أوروبا: نظرة أكثر تشاؤمًا
تواجه أوروبا النظرة الأكثر تشاؤمًا، حيث يتوقع 62% من المحللين انخفاضًا في الاقتصاد الأوروبي في عام 2025. ويرجع هذا التشاؤم بشكل رئيسي إلى عوامل مثل نقص الطاقة، وآثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتباطؤ في التعافي الاقتصادي بعد جائحة COVID-19. أشار المحللون إلى أن العديد من الدول الأوروبية تكافح مع ضغوط التضخم وارتفاع مستويات الديون وانخفاض الإنتاجية، مما يؤدي إلى تراجع التوقعات الإقليمية.
لقد أظهرت ألمانيا، وهي المحرك التقليدي للاقتصاد الأوروبي، بالفعل علامات ضعف في الإنتاج الصناعي، مما زاد من تعقيد الآفاق الإقليمية. كما أن الوضع في منطقة اليورو يفاقمه التحديات الديموغرافية، مثل شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد، مما يحد من آفاق النمو على المدى الطويل.
الصين: الانتقال إلى نموذج اقتصادي جديد
يعد الوضع الاقتصادي للصين من أكثر القضايا التي يتم مراقبتها على الصعيد العالمي، نظرًا لدورها كأكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، توقع 47% من المحللين أن يشهد الاقتصاد الصيني ضعفًا، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تباطؤ نموه، والمشاكل المستمرة في قطاع العقارات، والنظرة الديموغرافية الصعبة. إن تحول الصين من نموذج يعتمد على الصادرات والصناعات الثقيلة إلى نموذج أكثر تركيزًا على الاستهلاك المحلي يمثل فرصة وتحديًا في نفس الوقت. يستمر التركيز الحكومي على الابتكار والتكنولوجيا والاستهلاك المحلي كمحركات للنمو، ولكن ما إذا كان هذا التحول سيتم بسلاسة يبقى غير مؤكد.
كما أن الاقتصاد الصيني يواجه مخاطر تتعلق بعلاقاته التجارية، خصوصًا مع الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية مثل ارتفاع مستويات الدين وشيخوخة السكان. على الرغم من هذه التحديات، لا يزال 12% من المحللين متفائلين، حيث يتوقعون أن الصين ستستمر في النمو على المدى الطويل كقوة اقتصادية عالمية.
دور الصين في الاقتصاد العالمي
على الرغم من النظرة المختلطة تجاه الصين، يظل دورها في الاقتصاد العالمي أمرًا لا غنى عنه. بصفتها أكبر دولة تجارية في العالم ومصدرًا رئيسيًا للاستثمار، فإن أداء الاقتصاد الصيني سيستمر في التأثير بشكل كبير على الاقتصادات الأخرى. على وجه الخصوص، من المتوقع أن يواصل مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، إعادة تشكيل أنماط التجارة والاستثمار العالمية.
كما أن التزام الصين بتكنولوجيا الطاقة الخضراء والطاقة المتجددة سيؤثر بشكل كبير على سلاسل الإمداد العالمية. مع استثمار الصين في تقنيات الطاقة المتجددة وانتقالها إلى اقتصاد منخفض الكربون، فإنها ستغير قاعدة صناعتها وتخلق فرصًا جديدة للاستثمار في هذه القطاعات.
الخلاصة: التحولات في الاستثمارات والفرص المستقبلية
يقدم المشهد الاقتصادي العالمي لعام 2025 مزيجًا من التحديات والفرص. في حين يُتوقع أن يظل النمو غير متوازن عبر المناطق، فإن الأسواق الناشئة في جنوب آسيا وبعض القطاعات في أمريكا الشمالية تعد مجالات رئيسية للاستثمار. ومن المتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استقرارًا، بينما تواجه أوروبا مخاطر كبيرة قد تؤثر على نموها. تبقى الصين، رغم التحديات، لاعبًا رئيسيًا في الاتجاهات الاقتصادية العالمية.
بالنسبة للمستثمرين، سيكون من الضروري فهم الفروق الإقليمية والانتقالات الاقتصادية من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة. إن التنويع في الأسواق ذات النمو المرتفع مثل جنوب آسيا، مع مراعاة التحديات في أوروبا والصين، سيكون هو الاستراتيجية الأمثل لأولئك الذين يتطلعون للاستفادة من التوجهات الاقتصادية العالمية في عام 2025.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية