عندما يغتالون الطفولة

عندما يغتالون الطفولة

 

 

لا يمكن النظر إلى كارثة هزت المجتمع العراقي تمثلت في مقتل ستة تلاميذ وإصابة 14 آخرين، حسب الرواية الحكومية، بحادث دهس قرب مدرسة ابتدائية في منطقة الهارثة شمال محافظة البصرة على أنها حادثة عرضية، أو تدخل في أدبيات التبسيط والمقارنات المجحفة التي تتعلق بالقدر، لأنها في النهاية أزهقت أرواحاً لطفولة بريئة عبرت الشارع العام بعد الانتهاء من دوامها المدرسي دون أي إشارات مرورية أو جسور لعبور تلك الطفولة، ليكون الموت لهم بالمرصاد عن طريق سائق شاحنة برّاد فقد السيطرة عليها بسبب عطل في المكابح كما يدّعي.

في المجتمعات التي تضع احترام مواطنيها في الدرجات العليا تجرى تحقيقات مهنية غير منحازة تترتب عليها محاسبة المقصرين وإحالتهم إلى القضاء، وفي الوقت ذاته يتم أخذ العبرة لتجنب كارثة مماثلة أو تجاوز الأزمة بخطوات تمنع تكرارها، لكن في بلد مثل العراق يغوص في المكاسب النفعية والمصالح الحزبية والانتهازية السياسية، مازالت قصص أحداث وفواجع كثيرة لم تغادر ذاكرة العراقيين، حيث لم تُسفر عن محاسبة أو ردع لأي مقصر سوى كميات الحبر والورق الذي كُتبت به التقارير وأعداد لجان التحقيق التي يتم تشكيلها.

◄ حادثة دهس طلاب مدرسة زينب الابتدائية لم تكن الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة في بلد يسجل أعلى الأرقام القياسية في موسوعة غينيس للأرقام القياسية في أعداد الضحايا والأبرياء المسفوكة دماؤهم

في كل حادثة تتعالى الأصوات بمواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع، لتنحية هذا المسؤول في الحكومة المحلية أو الوزير في الحكومة المركزية، كرد اعتبار لذوي الضحايا على الأقل، وكأن الاستقالة ستحل الأزمة أو في أحسن الظروف لا تندرج ضمن أخذ العبرة وتوفير البديل المختلف عن السالف، بالمقابل يجد المسؤول أن محاولة تقديم الاستقالة تثير السخرية أو الضحك باعتبار أنها رد فعل لا يستحق حتى التفكير فيه.

في بلدنا تنعدم ثقافة تقديم الاستقالة حتى مع الاعتراف بالفشل، فلا توجد مشكلة عند هذا المسؤول أن يقدم العراقيون قوافل من القرابين عن طريق وسائل الموت المتعددة، سواء كانوا ضحايا إبادة جماعية أو مفخخات أو غرقى، وكأنهم يستقبلون الموت استقبال الليل والنهار.

هي مشكلة حقيقية لمنظومة سياسية تتناوب الأدوار بنظام المحاصصة وتعاني من أمراض مزمنة ولا تتخذ من أحداث الماضي الدروس والعبر كما تفعل الدول التي تحترم شعوبها، لتستمر حمامات الدم على أرصفة الشوارع.

كل تلك الثروات التي تتكدس فوق الأرض وتحتها لم تُشعر العراقيين بإنسانيتهم على الأقل، فالمهم في كل ما يحدث هو توزيع المغانم والحصص بانسيابية لا تتوقف، حتى في مشهد حزين لأطفال تدهسهم ساعة الغروب وعند نهاية فصلهم المدرسي حافلة لسائق متهور.

نعترف بأننا إزاء عملية تدوير فارغة تعيد إنتاج الأحزان والمصائب بأشكال تعبيرية مختلفة، هكذا هو الوضع العراقي منذ سنين.

حادثة دهس طلاب مدرسة زينب الابتدائية لم تكن الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة في بلد يسجل أعلى الأرقام القياسية في موسوعة غينيس للأرقام القياسية في أعداد الضحايا والأبرياء المسفوكة دماؤهم، المهم أن يبقى العنوان خالداً حتى الطفولة تموت من أجل أن تحيا السلطة.