أعلنت وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض في سورية عن قرب افتتاح كلية عسكرية في مناطق سيطرتها في شمال البلاد بقدرة استيعابية تصل إلى نحو ألف طالب وتلميذ، في خطوة تأمل هذه الوزارة أن تكون مقدمة لإعادة هيكلة “الجيش الوطني” المعارض وتجاوز “الفصائلية” المستشرية. وذكرت الوزارة على معرفاتها الرسمية، قبل أيام، أن وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة الطيار حسن الحمادة أجرى جولة تفقدية في منشأة الكلية الحربية في منطقة عمليات غصن الزيتون (عفرين، شمال غربي حلب)، مشيرة إلى أنه “تم إنجاز معظم مراحل إنشاء المباني والمرافق الخدمية داخل الكلية”. ونقلت عنه قوله إنه “سيُبدأ في المرحلة المقبلة بتجهيز المنشأة بالمعدات واللوازم الضرورية قبيل دخولها إلى الخدمة قريباً، بقدرة استيعابية تصل حتى ألف طالب ضابط وتلميذ”. وكان الحمادة قد أكد، في فبراير/شباط الماضي، خلال اجتماع مع الائتلاف الوطني المعارض، أنه “تم الانتهاء من وضع المنهاج والنظام الداخلي واختيار الكادر التعليمي لإقامة كلية بمعايير عالمية”.
الكلية الحربية ستكون في الخدمة بشكل فعلي أواخر شهر يونيو المقبل
وذكر مصدر في وزارة الدفاع، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الكلية “ستُخرّج كوادر عسكرية من ضباط وضباط صف مؤهلين على أعلى مستوى عسكري من حيث التدريب والتأهيل”، مشيراً إلى أن ضباطاً منشقين عن قوات النظام “يشرفون على إدارة الكلية”. وبيّن المصدر أن العميد المنشق عن جيش النظام إبراهيم الكردي كُلّف بإدارة هذه الكلية، موضحاً أن الكلية ستكون في الخدمة بشكل فعلي أواخر شهر يونيو/حزيران المقبل. وأوضح أن تمويلها هو من الجانب التركي الذي يشرف على مراحل البناء وتحضير المعدات، كما سيكون له دور في الإشراف على التدريب وتخريج المنتسبين إلى هذه الكلية، لافتاً إلى أن التدريب سيشمل تدريب ضباط وضباط صف من المنتسبين السابقين إلى الفصائل المنضوية ضمن “الجيش الوطني”، بالإضافة إلى تدريب منتسبين جدد إلى هذا الجيش.
مظاهرات تحرير الشام
إعلام وحريات
سورية: اعتداء على صحافيين وناشطين في تظاهرات تطالب بإسقاط الجولاني
ويعج الشمال السوري بعشرات الفصائل والمجموعات والتشكيلات العسكرية التي انضوت قبل أعوام بدفع تركي في جيش واحد هو “الجيش الوطني السوري”، إلا أنها لم تستطع تجاوز حالة الفصائلية، ومن ثم تعذّر التوصل إلى مرجعية عسكرية واحدة لقوى المعارضة العسكرية حتى اللحظة. ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد المقاتلين في فصائل المعارضة السورية، إلا أنه من المؤكد أنهم عشرات الآلاف الذين اكتسبوا خبرات واسعة منذ دخول الثورة السورية طور العسكرية في عام 2012. وكان الآلاف من الضباط وضباط الصف من قوات النظام انشقوا خلال السنوات الأولى من الثورة، إلا أن العدد الأكبر لم يأخذ دوره في الحراك العسكري، ولم يتصد لمهام كبرى، وتولى قيادة الفصائل والتشكيلات القتالية المهمة أشخاص لا علاقة لهم بالعلم العسكري، وهذا ما أدى إلى مزيد من تشرذم قوى المعارضة العسكرية وتراجعها وخسارتها معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها.
اسكيف: إنشاء الكلية خطوة مهمة على طريق إعادة هيكلة الجيش وتطويره وجعله جيشاً محترفاً
وتعليقاً على قرب افتتاح الكلية الحربية في الشمال السوري، قال القيادي في “الجيش الوطني” المعارض هشام اسكيف، في حديث مع “العربي الجديد”، إنها خطوة مهمة على طريق إعادة هيكلة الجيش وتطويره وجعله جيشاً محترفاً. وأشار إلى أن “هذه الخطوة هي من سلسلة خطوات تقوم بها وزارة الدفاع بكل ثقة”، معترفاً أنها تأخرت، مستدركاً: لكنها حدثت وأصبحت واقعاً ملموساً. وبيّن أن الكلية “ستقوم بمهامها في تدريب وتعزيز القدرات القتالية للمقاتلين ومنتسبي الجيش الوطني ورفده بالكوادر القتالية والمقاتلين الجدد”، مؤكداً أن “باب الانتساب إلى الجيش الوطني مفتوح”، مضيفاً: الكلية الحربية ستكون خطوة مهمة على الطريق باتجاه إنهاء الفصائلية.
من جهته، رأى الكاتب والضابط المنشق عن قوات النظام السوري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن افتتاح كلية حربية في مناطق سيطرة المعارضة “خطوة إيجابية وفي الجانب الصحيح”، مضيفاً أن “الجيش الوطني السوري” المعارض بحاجة إلى كوادر قيادية وميدانية بعد إخضاعها لدورات تدريبية وتعليمية مركّزة. وتابع: “يوجد في الجيش الوطني الكثير من الكوادر الثورية التي اكتسبت خبرات ميدانية ضخمة من خلال الحروب التي خاضتها في سنوات الثورة الماضية ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية والتنظيمات المتطرفة، وإذا ما أُرفقت هذه الخبرات الميدانية مع التعليم والتدريب الأكاديمي والعلمي، فيمكن أن نحصل على نماذج فريدة تعود بالنفع على فرق الجيش الوطني، وتسهم في تعزيز حوكمة ومأسسة وتنظيم هذه المؤسسة الفتية”.
قمح سورية (كرم المصري/Getty)
اقتصاد عربي
سباق على اقتناص قمح سورية عبر رفع الأسعار
أما الباحث العسكري في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، فأشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن قرب افتتاح كلية حربية “محاولة من وزارة الدفاع للتوجه إلى مأسسة العمل العسكري واعتماد أساليب إعداد الكفاءات والخبرات العسكرية المعمول بها في الجيوش التقليدية”. ولفت إلى أنها “ليست هذه المرة الأولى التي يُعلَن بموجبها عن بدء عمل الكلية الحربية”، مضيفاً أن “هناك العديد من المعوّقات تعترض النهوض والسير قدماً في مشروع إنشاء كلية عسكرية، أبرزها المؤتمرات والمسارات البينية بين الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة على الساحة السورية، كأستانة وجنيف، وما تضمّنته تلك المسارات من حل سياسي يهدف إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية”.
وأشار حوراني إلى أن من بين المعوقات “النزعة الفصائلية المنتشرة والمعززة بعدد من الإجراءات”، موضحاً أن “لكل فيلق من فيالق الجيش الوطني حالياً كليته العسكرية التي يتدرب فيها عناصر الفيلق والفصائل المنضوية تحت لوائه”. وتابع: يجب العمل على حل هذه الكليات الفرعية قبل افتتاح الكلية الحربية في الشمال. وبيّن أن “غياب مناهج التدريب العسكري عن الكلية المزمع افتتاحها واحد من المعوقات، كما أنه لا تُستثمَر جيداً الخبرات العسكرية، المتمثلة بالضباط المنشقين، في إنشاء هذه الكلية وفق القواعد والأسس العسكرية”. وفي سورية كلية حربية واحدة تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي في مدينة حمص وسط البلاد، وتخرّج في كل عام أكثر من ألف ضابط منذ سيطرة العسكر على مقاليد الحكم في سورية بشكل نهائي منذ مارس/آذار 1963.