تمثل تايوان إحدى النقاط الملتهبة بين الصين والولايات المتحدة، فالجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي تحظى بدعم أميركي كبير بينما تصر بكين على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها وأنها لن تتواني عن استعادتها حتى ولو استدعت الحاجة لاستخدام القوة.
وفي تصعيد جديد، حذرت الصين الأربعاء من أن الدعم العسكري الأميركي لتايوان يزيد من “خطر حصول نزاع” في مضيق تايوان، وذلك بعد أن خصص الكونغرس الأميركي مساعدة عسكرية بقيمة ثمانية مليارات دولار للجزيرة.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين “أود التشديد على أن تعزيز الولايات المتحدة وتايوان لعلاقاتهما العسكرية لن يجلب الأمن لتايوان”.
وأضاف أن من شأن ذلك “فقط زيادة التوترات وخطر اندلاع نزاع عبر مضيق تايوان وفي نهاية المطاف سيكون بمثابة إطلاق المرء النار على قدمه”.
ووافق الكونغرس الأميركي بشكل نهائي ليل الثلاثاء على حزمة مساعدات لحلفاء لواشنطن من بينهم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.
وقال رئيس تايوان المنتخب لاي تشينغ-تي إن هذه المساعدات “ستعزز قدرة الردع في وجه الاستبداد والسلطوية” و”ستحفظ السلام”.
ونبهت الصين، الأربعاء، إلى أنها ستتخذ “إجراءات حازمة وفعالة لحماية سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها”.
وقال وانغ إن تعزيز الروابط العسكرية “لن ينقذ استقلال تايوان الذي مصيره الفشل”. وأضاف “على الولايات المتحدة أن توقف تسليح تايوان وافتعال توترات جديدة ووقف تهديد السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان”.
سعادة تايوانية
وأبدت رئيسة تايوان تساي إينغ وين اليوم الأربعاء سعادتها بإقرار الكونغرس الأميركي لحزمة مساعدات خارجية كبيرة تشمل دعماً لتسليح تايوان.
وتعد الولايات المتحدة أهم داعم دولي ومورد أسلحة لتايوان حتى مع غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية. وطالبت الصين واشنطن مراراً بوقف مبيعات الأسلحة إلى تايبه.
ووافق مجلس الشيوخ بغالبية 79 صوتاً مقابل 18 على أربعة مشروعات قوانين أقرها مجلس النواب يوم السبت، بعد أن غير الزعماء الجمهوريون في مجلس النواب مسارهم فجأة الأسبوع الماضي وسمحوا بالتصويت على حزمة قدرها 95 مليار دولار معظمها مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان وشركاء الولايات المتحدة بالمحيطين الهندي والهادئ.
وقالت تساي في اجتماعها مع المشرعين الأميركيين الزائرين في المكتب الرئاسي في تايبه “نحن أيضاً سعداء للغاية لأن مجلس الشيوخ أقر للتو مشروعات القوانين هذه”.
محاولات تحسين العلاقات
وتعمل الولايات المتحدة والصين على إصلاح العلاقات بينهما منذ اللقاء بين الرئيسين جو بايدن وشي جينبينغ في سان فرانسيسكو العام الماضي، والذي أعقبته زيارات عدة قام بها مسؤولون أميركيون إلى بكين، لكن من الناحية العملية تظل العلاقات متوترة.
خلال زيارته إلى الصين المقررة من الأربعاء إلى الجمعة، سيواجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سياقاً صعباً لمواصلة المفاوضات الثنائية حول مواضيع مختلفة، من الدفاع إلى الاقتصاد.
ووصل بلينكن الأربعاء إلى الصين في ثاني زيارة له إلى هذا البلد في أقل من عام، بهدف تشديد الضغط على بكين في ملفّات عدة منها دعمها لروسيا، مع السعي إلى إرساء المزيد من الاستقرار في العلاقة.
ويجري بلينكن الجمعة محادثات مع القادة الصينيين في بكين، يتوقع أن يدعو خلالها إلى ضبط النفس في وقت تستعد تايوان لتنصيب رئيس جديد.
كذلك، سينقل مخاوف الولايات المتحدة حيال الممارسات التجارية الصينية التي تعتبرها واشنطن مناهضة للمنافسة، وهي مسألة أساسية للرئيس جو بايدن في هذا العام الانتخابي.
وتأتي هذه الزيارة في وقت وصلت الضغوط الأميركية على الصناعة الصينية إلى أعلى مستوياتها، في ظل مطالبة واشنطن بزيادة الرسوم الجمركية على الصلب والألمينيوم للشركات الصينية المتهمة بـ”الغش” لأنها تستفيد من إعانات وافرة.
كذلك، تعمل واشنطن على تعزيز تحالفها في آسيا، فيما تدرس اليابان الانضمام إلى التحالف الدفاعي “أوكوس” AUKUS (أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) وبينما تجري الولايات المتحدة مناورات مع الفيليبين في بحر الصين الجنوبي الذي يشهد توترات متكررة.
يعتبر الاقتصاد من المصادر الرئيسة للتوتر. وتنظر الصين إلى المحاولات الأميركية لخفض إنتاجها الصناعي ومنع الوصول إلى الرقائق الأكثر تقدماً على أنها حرب تجارية.
ويقول راين هاس المتخصص في الشؤون الصينية في معهد بروكينغز، “تعتبر بكين هذه الضوابط المتنامية رمزاً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة للحد من صعود الصين”.
في أبريل (نيسان)، لم تستبعد وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين فرض عقوبات محتملة على الصين بسبب طاقتها الصناعية الفائضة. وتعتقد أن الدعم الضخم الذي تقدمه بكين للقطاعات الرئيسة أدى إلى فائض في الإنتاج، مما أجبر الشركات على تصدير البضائع إلى الخارج بأسعار منخفضة.
وفي الوقت ذاته، هددت واشنطن بحظر تطبيق “تيك توك” الذي يحظى بشعبية كبيرة على أراضيها إذا لم تقم الشركة الصينية الأم “بايت دانس” ByteDance ببيعه، وذلك خوفاً من نشر الدعاية، الأمر الذي نفته الشركة.
ولكن ليو شينغ الخبير في العلاقات الصينية- الأميركية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية يتساءل “هل تستطيع الصين التخلي عن تنميتها لتبديد مخاوف الولايات المتحدة؟”، ليرد أن “هذا مستحيل”.
الصين وروسيا
وقال بلينكن إنه يريد تشجيع الصين على تقليل دعمها لروسيا المنخرطة في حرب ضد أوكرانيا للعام الثالث. ويقول مسؤولون إن الصين قدمت مساعدة أساسية لروسيا في إطار جهودها لإعادة التسلح منذ العهد السوفياتي. وامتنعت بكين عن تقديم مساعدة عسكرية مباشرة، لكنها قدمت معدات يمكن أن يكون لها استخدام مدني وعسكري، وفقاً لواشنطن.
وفي هذا الإطار، قال بلينكن الأسبوع الماضي إنه “لا يمكن للصين أن تحصل على الأمرين”. وأضاف “إذا ادعت الصين أن لديها علاقات إيجابية وودية مع أوروبا ودول أخرى من ناحية، لا يمكنها تأجيج ما يمثل أكبر تهديد للأمن الأوروبي منذ الحرب الباردة من ناحية أخرى”.
وفي حين اقترحت الولايات المتحدة أيضاً أن تستخدم الصين علاقاتها الجيدة مع إيران لتشجيع ضبط النفس في إطار التوترات مع إسرائيل، أكدت بكين مراراً أن على واشنطن دفع إسرائيل إلى القبول بوقف إطلاق النار.
أثار اللقاء بين جو بايدن وشي جينبينغ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 جواً من التفاؤل، ولكن منذ ذلك الحين، “من وجهة نظر الصين لم تستجب الولايات المتحدة بسرعة لمخاوف” بكين، بحسب ما أشار وو.
وبعيداً من الحظر التكنولوجي، تشكل المبادرات الأميركية لتعزيز تحالفات واشنطن العسكرية في آسيا مصدراً رئيساً لاستياء بكين.
ويشير ليو من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إلى أن “بيان الرؤية المشتركة” الصادر أخيراً عن اليابان والفيليبين والولايات المتحدة عقب قمة قادتها في واشنطن، يمثل “البيان السياسي الأكثر عدائية تجاه الصين منذ نهاية الحرب الباردة”.
ويضيف أن “الولايات المتحدة تعتقد أن الوضع مستقر وليس مضطرباً للغاية، كل شيء على ما يرام”، لافتاً إلى أن “الجانب الصيني يعتقد أن تحقيق الاستقرار في العلاقات ليس كافياً”.