جاءت رياح انتخابات مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، في الرابع من أبريل (نيسان) 2024، بما لا تشتهي سفينة الحكومة ولا سفن أخرى، كانت تنتظر أن يهبّ الكويتيون لتغيير التركيبة السياسية التي تحكم السلطة التشريعية منذ نحو عقدٍ من الزمان، وتقاسمت خلالها مع الحكومة الاضطراب السياسي الذي تشهده البلاد. إذ كان التغيير طفيفاً، ولا يعتدّ به. ذلك أنه على الرغم من أن التقديرات الأولية أشارت إلى أن نسبة التغيير في انتخابات 2024 بلغت 22 في المائة، فإن النسبة الحقيقية كانت في حدود 10 في المائة فقط، مع بقاء 90 في المائة من التركيبة البرلمانية السابقة، إذا جرى احتساب أن ثلاثة نواب سابقين لم يرغبوا أصلاً في خوض السباق الانتخابي، ونائب رابع شطب ترشحه هو مرزوق الحبيني، ومع عودة ثلاثة نواب سابقين للقبة البرلمانية: نائبان من مجلس 2016 وهم صالح عاشور وأحمد الفضل، ونائب واحد من مجلس 2020 هو الدكتور عبيد الوسمي. وبالتالي، لم يشمل التغيير في هذه الانتخابات سوى دخول 8 نواب جدد فقط من أصل 50 نائباً.
الانتخابات الكويتية السابقة جاءت على وقع حلّ برلمان عام 2023 (بعد عمر لم يتجاوز 9 أشهر)، لسبب لا يتصل مباشرة بالعلاقة المضطربة بالحكومة، بل إن الحل وهو الأول من نوعه من حيث التسبيب جاء «بناء على ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي وتعمد استخدام العبارات الماسة غير المنضبطة»، حسبما جاء في مرسوم الحلّ رقم 16 لسنة 2024 في 15 فبراير (شباط) الماضي. ومنذ كان ولياً للعهد، دأب الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أمير الكويت على تأكيد «تصحيح المسار». ويوم 20 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وجه انتقادات لاذعة لعمل السلطتين التشريعية والتنفيذية في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة أميراً للبلاد، متهماً إياهما بالتواطؤ في الإضرار بمصالح البلاد.
مفاجآت انتخابية
المفاجأة الأولى التي حملتها الانتخابات تمثلت في أن العملية الانتخابية أسفرت عن عودة كامل الوجوه القديمة، وإضافة وجوه أخرى كانت تعدّ من «الصقور». بل إن النائب المتهم بإطلاق التوصيفات التي صدر بسببها مرسوم الحلّ، وهو عبد الكريم الكندري، حقق فوزاً ساحقاً في الدائرة الثالثة، وجاء في المركز الأول بعدد أصوات بلغ 9428 صوتاً.
أما المفاجأة الثانية، فكانت نسبة الإقبال على الاقتراع، إذ فاقت النسبة الـ62 في المائة. ومع نسبة مشاركة عالية بلغت 62.10 في المائة من الناخبين البالغ عددهم 518 ألفاً و365 ناخباً من أصل 835 ألفاً يحق لهم التصويت – أكثر من نصفهم من النساء – رغم الظروف المصاحبة لإجراء الانتخابات ووقوعها في أواخر شهر رمضان، وأيضاً مع تكرار توجه الناخبين للاقتراع، وسط فقدان الأمل بحدوث تغيير حقيقي، بدا أن النسبة العالية أبرزت قلقاً على مصير التجربة الانتخابية في الكويت، ورغبة في تأكيد التمسك بها، مع تكرار عمليات حلّ المجلس. ثم إنها أظهرت أيضاً قلقاً آخر بشأن إجراءات سحب الجناسي، وهو موضوع اختارت الحكومة طرحه بموازاة الحملات الانتخابية، بعدما أعلنت عن عزمها على مكافحة مزوري ومزدوجي الجنسية، ودعت الجمهور للإبلاغ عنهم. هذا الموضوع شكل في الواقع القضية الأساسية للانتخابات. وبحسب أحد النواب الفائزين لـ«الشرق الأوسط»، فإن الكويتيين خاضوا انتخابات 2024 من دون قضية مركزية، إلى أن جاءت التصريحات الحكومية بشأن مكافحة تزوير الهوية الوطنية (الجنسية) وملاحقة المزدوجين، لكي تشدّ العصب في اتجاهين متناقضين: الاتجاه الأول الجمهور الذي كان يخشى استغلال قضايا الهوية الوطنية للعقاب السياسي، وهؤلاء أكثرهم من الاتجاهات القبلية. والاتجاه الثاني الذي أظهر تشدداً وحزماً نحو حماية الهوية الوطنية ومكافحة المزورين.
لقد أنتجت الانتخابات أيضاً مجلساً تهيمن عليه المعارضة التي حافظت على مقاعدها الـ29 من أصل 50، وإن كانت معارضة مفتتة وغير متجانسة، وسيكون بإمكان الحكومة أن تشدّ بعض الكتل والمستقلين نحوها. بل إن الخلافات بين أعضاء المجلس تبدو أحياناً أقوى مما هي عليه مع الحكومة، أضف إلى ذلك أنه عادة ما يمثل قطاع واسع من النواب الانقسام السياسي الأكبر الذي تقوده أقطاب بارزة في الدولة.
خريطة المجلس
لقد تقاسم مجلس الأمة بالمناصفة: الحَضَر (25 نائباً)، والقبائل (25 نائباً). وجاء الإسلاميون السنة بنصيب وافر (8 مقاعد للتيار السلفي)، ومقعد واحد من أصل ثلاثة للحركة الدستورية الإسلامية (حدس – الإخوان المسلمين) مع وجود نواب مقربين لها في العديد من الدوائر. وحصل الإسلاميون الشيعة على 3 نواب: «نائبان للتآلف الإسلامي»، ونائب واحد لـ«تجمع العدل والسلام». ولوحظ أن الانتخابات الأخيرة أسوة بالانتخابات التي سبقتها شهدت تراجعاً في مزاج الناخب الشيعي في الكويت لصالح دعم مرشحين ليبراليين أو مستقلين، مع تمثيل المرأة الوحيدة في المجلس لدورتين، الدكتورة جنان بوشهري، كما حصل نائبان شيعيان على التمثيل لأول مرة، وهما من فئة الشباب: محمد جوهر حيات (ليبرالي)، وباسل البحراني، الذي ينتمي إلى التكتل الشعبي الذي يقوده النائب السابق مسلم البراك (يمثل هذا التكتل حالياً نائبان، هما البحراني، ومحمد الدوسري)، وهكذا يصبح مجموع النواب الشيعة في هذا المجلس ثمانية.
العواصف المقبلة
نتيجة هذه الانتخابات ظهرت بوضوح في قرار رئيس الحكومة السابق، الدكتور محمد صباح السالم، الاعتذار عن تشكيل الحكومة المقبلة، وذلك بعد أول تجربة له في قيادة «الكابينة» الوزارية، وفي أعقاب موجة تفاؤل وترحيب لم يسبق لهما مثيل، استقبلته يوم تعيينه رئيساً للوزراء في 4 يناير (كانون الثاني) 2024. لكن المدة التي أمضاها رئيساً للوزراء لم تتجاوز 100 يوم.
وعلى الأثر جرى تعيين رئيس وزراء جديد، يتولى قيادة الحكومة لأول مرة، هو الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح. وفي حال تشكيل حكومته الجديدة سيصبح الشيخ أحمد العبد الله، رئيس الوزراء الحادي عشر في تاريخ الكويت، وستحمل حكومته المقبلة الرقم 46 في تاريخ الحكومات منذ نحو 62 سنة هو عمر الحكومات الكويتية.
ولكن إذا نظرنا إلى الصورة القريبة، فإن الحكومة العتيدة ستكون الرابعة في ظرف ثلاث سنوات فقط. ويكفي أن نشير إلى أنه خلال سنتين جرى تكليف ثلاثة رؤساء للحكومات، كما أن الرئيس الأول، وهو الشيخ أحمد النواف، مكث في منصبه نحو سنة ونصف شكّل خلالها أربع وزارات. ومنذ عام 2022 تم انتخاب ثلاثة مجالس نيابية في غضون سنتين. ومنذ عام 2020، نظّمت أربع انتخابات برلمانية في الكويت، وحُلّ مجلس الأمة السابق 2023 في فبراير (شباط) الماضي، بعد نحو تسعة أشهر فقط على بدء أعماله.
فضلاً عما سبق، فإنه قبل أسبوعين من موعد افتتاح أعمال مجلس الأمة، وتقديم الحكومة تشكيلتها للمجلس، توعّدت مجموعة من النواب كلاً من رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالاستجواب، على خلفية توقيف مرشح سابق بسبب تصريحات منسوبة إليه تمثّل تجاوزاً على الذات الأميرية، بحسب النيابة. غير أنه من الواضح أن هذه الحادثة، ومعها قضايا ملاحقة مزوري الجنسية، تمثلان «رأس جبل الجليد» في الثقة المعدومة بين النواب والحكومة، وخاصة أن علاقة المجلس السابقة برئيس الحكومة الجديد لم تكن على وفاق حين كان وزيراً في الحكومات السابقة.
أنتجت الانتخابات مجلساً تهيمن عليه
المعارضة
التي حافظت
على مقاعدها
الـ29 من أصل 50
آفاق المرحلة المقبلة
بالنسبة لآفاق المرحلة المقبلة، توّقع المحلل السياسي الكويتي الدكتور عايد منّاع في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تشهد العلاقة بين المجلس الجديد والحكومة المقبلة «شدّاً وجذباً» في المرحلة المقبلة. ويلاحظ الدكتور منّاع، أن رئيس الوزراء الجديد يمتلك سجلاً من العلاقات السابقة بالبرلمان، إذ سبق له شغل مناصب وزارية متعددة كالمالية والمواصلات والنفط والإعلام والصحة. ولكن في المقابل أيضاً، كان يشوب هذه العلاقة كثير من الشوائب، وكانت لكثرة من نواب البرلمان تحفظات عليه في المرحلة السابقة قبل أن يكلف رئاسة الوزارة. ومع أن الرئيس الجديد القادم من القطاع الخاص، يمتلك تأهيلاً جيداً، فإن العلاقة المستقبلية بين رئيس الوزراء وحكومته، وبين البرلمان، تعتمد على السياسة التي ستتبناها الحكومة في علاقتها بالبرلمان، وعلى الخطوات التي ستقوم بها.
أما عما يتعيّن على رئيس الوزراء القيام به، فهنا يقول الدكتور عايد مناع «يتعيّن على رئيس الوزراء الجديد، كي يتجنب المواجهة مع البرلمان، أن يتعامل معه بطريقة مهنية تتضمن تلبية مطالب النواب وفقاً للقانون وبأسرع طريقة ممكنة. وعدا ذلك فإن العلاقة ستشهد مرحلة من التجاذب لكنها قد لا تصل إلى القطيعة إذا ما أجاد رئيس الوزراء كيفية التعامل وامتصاص ردود الفعل، وقدّم رؤى حقيقية من القيادة السياسية لتحسين الأوضاع الداخلية في البلد من تحسين رواتب المواطنين وتنظيم مصادر الدخل وضبط الأمن الداخلي وتجنب استفزاز المجتمع بملفات معينة، مثل قضايا التجنيس وغيرها».
رئيس الوزراء الجديد الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح (مواليد 5 سبتمبر (أيلول) 1952)، هو الابن الخامس للشيخ عبد الله الأحمد الجابر الصباح، الابن الأكبر لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح. وهو مثل سلفه الشيخ محمد صباح السالم، متخصص في الاقتصاد، إذ التحق بجامعة إيلينوي في الولايات المتحدة؛ حيث درس تمويل البنوك والاستثمارات، وحصل على درجة البكالوريوس في عام 1976. بعد ذلك، في عام 1978 عمل في المركز المالي الكويتي، ثم انتقل إلى العمل في البنك المركزي الكويتي، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1987. وكان في ذلك الوقت يشغل منصب مدير إدارة الرقابة المصرفية بدولة الكويت.
في عام 1987 تولى الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح منصب رئيس مجلس إدارة بنك برقان الكويتي، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1998. أما أول منصب وزاري يتولاه فكان تعيينه وزيراً للمالية ووزيراً للمواصلات يوم 13 يوليو (تموز) 1999. بعدها، في 14 فبراير 2001 جرى تعيينه وزيراً للمواصلات مجدداً. وفي 14 يوليو 2003 عيّن وزيراً للمواصلات ووزيراً للتخطيط ووزير دولة لشؤون التنمية الإدارية. وفي 15 يونيو (حزيران) 2005 عيّن وزيراً للمواصلات ووزيراً للصحة. ومن ثم عُين في 9 فبراير 2006 وزيراً للصحة. وفي 10 يوليو 2006 أعيد تعيينه وزيراً للصحة مرة أخرى.
صدام مع البرلمان
لقد شهدت مسيرة الشيخ أحمد صداماً مع البرلمان، حين قُدّم له في 19 فبراير 2007 استجواب من عدد من أعضاء مجلس الأمة، وتقرر تقديم طلب طرح ثقة فيه. عندها أقدمت الحكومة على تقديم استقالتها في 4 مارس (آذار) 2007، ورفض الشيخ أحمد الصباح العودة إلى الحكومة التي تلتها في أي منصب وزاري آخر. بيد أنه عاد يوم 9 فبراير 2009 ليشغل منصب وزير النفط، ثم في 29 مايو (أيار) من العام نفسه أسندت إليه أيضاً حقيبة وزارة الإعلام بجانب وزارة النفط، وظل بهذا المنصب حتى 8 مايو 2011 عندما شُكّلت حكومة جديدة ولم يكن ضمن الوزراء بها. ولاحقاً، في 20 سبتمبر 2021 صدر مرسوم بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد بدرجة وزير لمدة أربع سنوات.