يرجح محللون أن يتسارع تطوير إيران للميليشيات القبلية العربية في شرق سوريا باستخدام نموذج ميليشيات حلب وبدعم من أجنحة اجتماعية واقتصادية وإدارية جديدة ممولة من الحرس الثوري الإيراني.
وتمثّل سوريا إحدى القواعد الرئيسة في المشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وقد ظهر هذا الاهتمام خلال فترة حكم الشاه؛ لكنها تبدّت بشكل ممنهج وأكبر مع وصول نظام “الولي الفقيه” إلى السلطة؛ فحينها بدأت التدخلات الإيرانية في سوريا تتطور وتتعاظم، خصوصاً مع دخول إيران بقوة في العراق بعد 2003، حيث بدأت تتطلع إيران لاستكمال هلالها الشيعي.
وتُعتبر معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال وشمال شرق سوريا مناطق ذات طابع عشائري، مما فرض على قسد والإدارة الذاتية الكردية منذ تأسيسهما التعامل على هذا الأساس والتواصل بشكل رئيسي مع الفاعلين المحليين من شيوخ ووجهاء قبائل وعشائر وَفْق سياسات مختلفة بين الاستثمار أو التحالف أو التفكيك أو تغيير مراكز القوى للقبائل والعشائر بالشكل الذي يضمن مصالحهما واستدامة مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لكن الخلافات تصاعدت مؤخرا وتحولت إلى اشتباكات مسلحة بين الحليفين وهي حالة لم تتخلف إيران عن استثمارها لصالحها.
منذ انتهاء أعنف القتال في حلب تسيطر الميليشيا والتي تضم فصائل عربية محلية مختلفة مدعومة من الحرس الثوري الإيراني على مساحات كبيرة من المدينة والمناطق المحيطة بها
وتستثمر إيران الصراعات المتصاعدة بين المكونين العربي والكردي في شرق سوريا لتحقيق هدفين أساسيين هما مواجهة الأكراد والسيطرة على منطقة شرق الفرات الحيوية لمصالحها بهدف إقامة ممر متواصل لانتقال المقاتلين التابعين لها بين دير الزور وحلب.
وفي البداية، اقتصرت إيران إلى حد كبير على استيراد الميليشيات التطوعية الشيعية الأجنبية مثل لواء أبوالفضل العباس ولواء الإمام الحسين لتأمين المواقع الدينية الشيعية والسيطرة على العمليات العسكرية في المناطق الحيوية لإيران.
ويقول عبدالله حايك، و هو مساعد باحث في برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن في تقرير نشره المعهد، إنه على الرغم من أن هذه الجماعات طائفية (شيعية) في روحها التأسيسية، فإنها تعمل تحت مظلة إستراتيجية أوسع يسترشد بها الحرس الثوري الإيراني، مما يشير إلى أهداف إيران المزدوجة المتمثلة في الحماية الثقافية والتوسع العسكري.
وتشكل المجموعتان نقطة جذب للمتطوعين الشيعة من العراق ولبنان وأفغانستان واليمن والعديد من البلدان الأخرى التي تتمتع بحضور شيعي قوي.
وبمرور الوقت، توسع تركيزهم الجغرافي لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني على جبهات متعددة مثل حلب وحمص ودير الزور. لكن ضعف هذه الآلية هو أن هذه الجحافل الأجنبية كانت دخيلة على الشعب السوري.
الجذور السنية والاصطفاف الشيعي
الميليشيات العربية ليست مجرد كيان عسكري ولكنها أيضا جهة فاعلة سياسية منخرطة بعمق في الحكم المحلي
الميليشيات العربية ليست مجرد كيان عسكري ولكنها أيضا جهة فاعلة سياسية منخرطة بعمق في الحكم المحلي
أحد أقدم الأمثلة على نفوذ إيران في سوريا – والآن أقواها – هو لواء الباقر، حيث نشأت هذه الميليشيا في منطقة حلب وتتكون في الغالب من قبيلة البقارة السنية، وقد تأثرت بشكل كبير بالتشيع (التحول إلى الإسلام الشيعي) منذ عام 2013، مما أظهر قدرة إيران على طمس الخطوط الطائفية لتعزيز أجندتها.
وهذه الميليشيا ليست مجرد كيان عسكري ولكنها أيضًا جهة فاعلة سياسية، منخرطة بعمق في الحكم المحلي، وتمارس السلطة في حلب ودير الزور من خلال القوة العسكرية والمشاركة المجتمعية.
ويسلط الدور المزدوج الذي يلعبه لواء الباقر الضوء على إستراتيجية إيران الرامية إلى تعزيز التبعيات المحلية التي تؤمّن مصالحها طويلة المدى في المنطقة.
والبقارة قبيلة عربية بارزة لها حضور واسع في سوريا والعراق. وفي سوريا، انشق زعيمهم القبلي، الشيخ نواف راغب البشير، عن نظام الأسد في عام 2011 للانضمام إلى المعارضة السورية.
وفي وقت لاحق، أعاد التحالف مع نظام الأسد في عام 2017 ويلعب الآن دورًا مهمًا.
ورغم أن لواء الباقر هو أكبر ميليشيا تابعة للبقارة، إلا أن البشير لا يشرف عليه شخصيا. ومع ذلك، فهو يمارس تأثيرًا كبيرًا على المجموعة.
وبدلاً من قيادة لواء الباقر مباشرة، اختار البشير قيادة ميليشيات البقارة التي تستخدم زخارف قبلية متميزة، مثل أسود القبائل وفوج القبائل الهاشمية، مما يعكس اختلافاً محتملاً بين الهوية الشيعية الجديدة.
أهمية حلب الإستراتيجية
Thumbnail
في الشمال الغربي، تم استخدام فيلق المدافعين عن حلب لتعميق نفوذ إيران في حلب، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 1.85 مليون نسمة وتتمتع بأهمية إستراتيجية ورمزية هائلة في الحرب السورية.
ومنذ انتهاء أعنف القتال في حلب في 2015 – 2016، تسيطر الميليشيا التي يبلغ قوامها 5000 عنصر، والتي تضم فصائل عربية محلية مختلفة مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، على مساحات كبيرة من المدينة والمناطق المحيطة بها، وتدير كل شيء بدءًا من إنفاذ القانون إلى الحكم المحلي.
ومنذ عام 2017، كان دورهم حاسماً في تعزيز النفوذ الإيراني في المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، حيث كانوا بمثابة نموذج لكيفية دمج إيران للبراعة العسكرية مع الحكم الاجتماعي والسياسي.
وفي غضون سنوات قليلة، يمكن أن يعادل تشيّع الكادر القيادي لهذه الجماعات نظيره في قيادة ميليشيا البقارة.
شرق سوريا: مركز المقاومة القبلية
في صف من تسيرون؟
في صف من تسيرون؟
تشير تقديرات موقع ميليشيا سبوت لايت إلى أن الميليشيات القبلية العاملة جنوب الأراضي التي تسيطر عليها رابطة مكافحة التشهير، في وادي نهر الفرات، أصبحت الآن نقطة محورية لمصالح طهران الإستراتيجية.
ويمكن القول بقوة إن الهدف هو أن تقوم هذه الميليشيات، لاسيما في منطقة دير الزور، بمحاكاة قدرات المشاركة الإدارية والمجتمعية التي أظهرتها رابطة مكافحة التشهير في حلب.
ويهدف هذا التوسع في النفوذ إلى إنشاء نموذج حكم قوي يكرر صيغة حلب، وبالتالي توسيع نطاق إيران الإداري وتعزيز نفوذها عبر هذه المناطق السورية الحيوية إستراتيجيا.
وتشمل هذه الميليشيات العربية الموسعة في وادي نهر الفرات، حركة أبناء الجزيرة والفرات، والقوات القبلية والعشائرية العربية، وكتائب أسود العكيدات.
وتم تشكيل هذه المجموعات أيضًا (مثل فوج القبائل الهاشمية) في أغسطس وسبتمبر 2023. ويقود التشكيلات الزعيم القبلي للعكيدات، الشيخ إبراهيم الهفل.
وقد استغل الحرس الثوري الإيراني رغبة هذه الجماعات في تحدي الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
على الرغم من أن هذه الجماعات طائفية (شيعية) في روحها التأسيسية، فإنها تعمل تحت مظلة إستراتيجية أوسع يسترشد بها الحرس الثوري الإيراني
ولم تنخرط هذه الميليشيات في مواجهات عسكرية متكررة فحسب، بل سهلت أيضًا طموحات إيران في ترسيخ سيطرتها على المناطق الإستراتيجية مثل دير الزور، والتي تعتبر ضرورية لتأمين ممر بري نحو حلب.
ويعكس موقفهم العدواني ضد قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأميركية، بدعم من الأسلحة الثقيلة والتوجيه الإستراتيجي من طهران، عمق استثمار إيران في الديناميكيات القبلية السورية.
ومن المرجح أن يوسع الحرس الثوري الإيراني جهوده لتحويل سكان دير الزور إلى المذهب الشيعي، معتمداً ببطء على الحالة الناجحة لزعماء قبيلة البقارة الرئيسيين.
وسوف تركز أنشطة التحويل هذه بشكل غير متناسب على السكان السنة الشباب الفقراء واليائسين في سوريا لتجنيدهم في الميليشيات.
وستشمل إستراتيجية إيران إعادة توطين المقاتلين الشيعة الأجانب وعائلاتهم في سوريا، وإظهارهم كأمثلة على الفوائد المتاحة لأولئك الذين يتحالفون معهم، بما في ذلك الرعاية الصحية المجانية، والامتيازات المجتمعية، والأولوية في الإسكان والعقارات، والمساعدة المالية.
وقد يؤدي توسيع الامتدادات الاجتماعية والإدارية من نوع رابطة مكافحة التشهير إلى ظهور الميليشيات العربية الحالية المدعومة من إيران لأجنحة اجتماعية واقتصادية وإدارية مدعومة بسخاء إيران ونظام الأسد.
ومن الممكن أن تؤدي هذه الإستراتيجية إلى تعزيز العناصر الجهادية السنية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يعكس الطريقة التي أدى بها نمو الميليشيات الشيعية في العراق إلى تنشيط صعود تنظيم داعش.