أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن شحنة من المساعدات العسكرية لإسرائيل مما أثار عاصفة من ردود الفعل، في أمريكا نفسها، حيث اتهم دونالد ترامب، الرئيس السابق، بايدن بمساعدة حماس، فيما لجأ مسؤولو إسرائيل إلى الرد بطريقتين، الأولى، بتصوير الدولة العبرية بصورة الضحيّة، كما فعل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي قال إن إسرائيل (وهي دولة نووية وأحد أكبر مصدري السلاح في العالم) «ستقاتل بأظافرها» والثانية، استخدام أسلوب ترامب نفسه بقصد إدانة الرئيس الأمريكي، كما فعل وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، بن غفير، الذي نشر تغريدة فيها علامة قلب بين بايدن و«حماس».
يرتبط وقف الشحنة الآنفة، على ما ذكرت وكالة «رويترز» بالاتصال الشهير الذي جرى بين بايدن ونتنياهو قبل شهر، الذي أنذر فيه الرئيس الأمريكي رئيس الوزراء الإسرائيلي بتغير في السياسة الأمريكية إذا لم تلتزم إدارة نتنياهو بضرورة حماية المدنيين، وذلك بعد الغارة التي نفذتها قوات الاحتلال ضد قافلة من عمال إغاثة من المطبخ المركزي العالمي وأدت لمصرع 7 منهم.
أما الإصرار الإسرائيلي على مهاجمة رفح من دون تقديم خطة تضمن سلامة السكان المتواجدين في المدينة، فهو مرتبط بأجندة حكومة نتنياهو لاستكمال التطهير العرقي للفلسطينيين (وهو مخطط يسرّع وزراء الصهيونية الدينية في تنفيذه بأشكال متعددة بما في ذلك ضمن الضفة الغربية المحتلة) وضمن هذا السياق يمكن اعتبار أن هدف إسرائيل من المفاوضات التي كانت تجري على مدى الأشهر الماضية، عبر الولايات المتحدة وقطر ومصر، كان عرض الاستسلام على «حماس» من دون قتال، مقابل وقف الإبادة المباشرة للسكان (واستكمال التطهير العرقي بطرق أخرى بعدها) وهو المنطوق الحقيقي لرفض الاحتلال الإسرائيلي الموافقة على أي اتفاق تهدئة قبل استكمال عملياتها العسكرية في رفح حسب ما أوردته صحيفة عبرية.
نشرت أسبوعية «نيوزويك» الأمريكية مقالين للكاتبين ليل ليبوفيتش (رئيس تحرير مجلة تابليت المختصة بالشأن اليهودي) ومارك غولدفيدر (مدير مركز الدفاع عن القومية اليهودية) على أنهما وجهتا نظر متناقضتان حول موضوع وقف الأسلحة الأمريكية لإسرائيل.
طالب الأول بوقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل، ولكن ليس للضغط على الدولة العبرية كما يمكن للقارئ أن يظن، بل لأن تلك المساعدات تحد من قدرة إسرائيل على تطوير صناعاتها العسكرية، معتبرا أن لوبي «اليهود الأثرياء الذين يجبرون المشرعين على إرسال دافعي الضرائب إلى إسرائيل» يسمح لـ«البيت الأبيض» بالتدخل في قرارات إسرائيل الدبلوماسية والعسكرية.
أما الثاني فرأى أن إيقاف شحنة المساعدات هو «محاولة سياسية مكشوفة» لكسب الأصوات من الولايات المتأرجحة الرئيسية في الانتخابات الرئيسية القريبة، وأن صدور ذلك عن الرئيس يشكل معارضة لقرار الكونغرس لعام 1974 الذي يراقب الأموال التي يخصصها مجلس النواب الأمريكي، وعليه فإن على الكونغرس أن يقوم بعزل بايدن لأنه يؤذي «حليفا ديمقراطيا يواجه حربا وجودية» لأنه «رئيس يعتقد أنه فوق القانون».
تحيل الوقائع والتفاصيل المذكورة إلى أن الخلاف بين بايدن ونتنياهو يتضمن، إضافة إلى مماحكات ترامب الرئاسية، منحى المؤثرات الداخلية على إدارة بايدن، التي تحاول الموازنة بين انجرافها الهائل لتنفيذ السياسات الإسرائيلية، مع عناصر منها خرقها اتفاقية الإبادة الجماعية، على ما أشارت إليه منظمات الحقوق العالمية، وكذلك الموازنة بين التأثير المالي الكبير للوبي الإسرائيلي، الذي يمثّل تحالفات المركب العسكري ـ السياسي الأمريكي – الإسرائيلي، والفظائع التي ستتابع إسرائيل ارتكابها، وكذلك موازنة أثر الأصوات العربية والإسلامية والانتفاضة الجامعية على قيم الحزب الديمقراطي الذي يجازف بايدن بخسارتها جميعا.