اتفاقية كامب ديفيد في مرمى نيران النخب المصرية

اتفاقية كامب ديفيد في مرمى نيران النخب المصرية

بسيطرة إسرائيل على معبر فيلادلفيا من الجانب الفلسطيني عاد الحديث في مصر عن جدوى معاهدة كامب ديفيد مع الدولة العبرية. وتعالت الأصوات المنادية بإلغاء المعاهدة أو تعديلها، وهو جدل مناسباتي يشتد أثناء التوتر في قطاع غزة ويخفت بنهايته.

القاهرة – لوّحت المعارضة المصرية وبعض النخب السياسية بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل (كامب ديفيد)، عقب تمدد القوات الإسرائيلية في شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة مؤخّرا، والسيطرة على المعبر البري من الجانب الفلسطيني، وباتت الاتفاقية تواجه رفضا من مؤيدين ومعارضين للنظام المصري، تماشيًا مع رأي عام بدا مزاجه أكثر غضبا على إسرائيل.

واعتبرت الحركة المدنية الديمقراطية، وتضم عددا من الأحزاب والشخصيات العامة المعارضة، الأربعاء دخول إسرائيل رفح انتهاكا لبنود اتفاقية كامب ديفيد، وقالت “أسقطتها عملياً من جانب واحد”، ودعت صراحة إلى “إلغاء الاتفاقية وما ترتب عليها، وطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من مصر، وقطع العلاقات الدبلوماسية”.

وتزامن هذا الخطاب مع رفع الدولة رسميا شعار “ضبط النفس” ومحاولة تهدئة الأوضاع وعدم الانجرار وراء تصعيد له تبعات سلبية على المنطقة، ما جعل مطالب المعارضة أشبه بضغط على القاهرة للتعامل بحزم مع الانتهاكات الإسرائيلية.

ويحمل هذا الخطاب إشارة سياسية مفادها أن الغضب الشعبي في مصر من إسرائيل بلغ مداه، ما يدعم الاتجاه نحو تبني إجراءات مباشرة لعدم الإخلال بالأمن القومي.

وظلت اتفاقية كامب ديفيد على مدار سنوات طويلة ساحة لمزايدات بعض قوى المعارضة في مصر، غير أن موقف النخب الداعمة لرفضها حاليا أوجد تناقضا، لأن هناك قناعة بأن الاتفاقية لها أهميتها على المستوى الرسمي بين البلدين، وعززت قدرة الجيش المصري على تطهير سيناء من الإرهابيين.

كما أن وجود حالة سلام مع إسرائيل أسهم في تأمين المناطق الصحراوية الشاسعة على الحدود مع غزة قبل أن تشكل الحرب الأخيرة رأيًا مؤيدا لفكرة أن إسرائيل تميل إلى خرق الاتفاق وإحراج مصر، ما أعاد نغمة المطالبة بتعليق الاتفاقية والتهديد بإلغائها.

وتجد بعض الشعارات الرافضة للسلام مع إسرائيل تفاعلا في الداخل، وقبولا غير مباشر من قبل الحكومة لمساندتها في الضغط على إسرائيل، وتتعامل قوى سياسية معارضة تفتقر إلى الحضور القوي في الشارع مع مسألة التضامن مع القضية الفلسطينية كورقة قد تحدث اختراقًا في علاقتها مع العازفين عن السياسة.

ولم تقتصر شعارات النيل من كامب ديفيد على المعارضة، بل إن وسائل إعلام قريبة من النظام المصري استخدمت خطابًا شبيها، ذهب أصحابه إلى حد المطالبة بالتوقيع على اتفاقية جديدة يمكنها أن تعالج أخطاء الاتفاقية الحالية، ما يعني وجود مرحلة جديدة من العلاقات مع إسرائيل بعيدة عما جرى في نهاية السبعينات من القرن الماضي.

وطالبت الإعلامية قصواء الخلالي، مقدمة برنامج “المساء مع قصواء” على فضائية “سي بي سي”، بمعاهدة سلام جديدة بتوقيع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعكس طبيعة التغيرات التي حدثت في السنوات الماضية بعد “خرق إسرائيل معاهدة كامب ديفيد”.

وأضافت على محطة فضائية تابعة للحكومة “الكيان الصهيوني اخترق معاهدة السلام مع مصر، وده (هذا) يعتبر إلغاء للمعاهدة بالنسبة إلينا كمصريين، ومصر جاهزة بعد هذه الخروقات لكل السيناريوهات للحفاظ على أمنها القومي”، وواصلت حديثها “مصر ليست دولة حرب، ونحن بحاجة إلى معاهدة سلام جديدة مع إسرائيل، لأن المعاهدة القديمة أصبحت عبئًا ومُحرجة”.

وأكد رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) محمد أنور السادات أن الاستفزازات التي تحدث من الجانب الإسرائيلي في رفح خلقت حالة من الغضب الشعبي بمصر، والمعارضة تعبر عن رأيها وآراء عموم المواطنين، مع ضرورة وجود فصل بين الرأي المعارض وبين التوجهات السياسية والدبلوماسية التي تقودها أجهزة الدولة المصرية، والتي لا يجب أن تقوم على التهييج أو التحريض.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “القاهرة تضع في الحسبان جميع المعطيات وتتعامل وفقًا لما لديها من معلومات دقيقة، وهناك ثقة من المعارضين والمؤيدين في الأجهزة الرسمية التي تقوم بكل ما في وسعها لتفادي تداعيات يدفع ثمنها الجميع في المنطقة”، مضيفا أن “الاستمرار في جهود التهدئة لا يزال في صدارة المشهد لنزع فتيل الأزمة الراهنة”.

وشدد السادات، وهو ابن شقيق الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي وُقعت في عهده اتفاقية كامب ديفيد، على أن اتفاق السلام يخضع لحسابات إقليمية ودولية، وهو مسؤولية الدولة المصرية، وأن التلويح بالإلغاء حق مشروع للمعارضة.

وتابع “إدارة الملفات الحيوية في يد أجهزة الدولة الرسمية التي تدرك حجم المكاسب والخسائر من بقائها أو إلغائها، وما يمكن أن يترتب عليها، ودعم الدولة هو السائد بين المعارضين، وهناك فرصة لتصفي أحزاب المعارضة خلافاتها حاليا”.

وطالبت الحركة المدنية الديمقراطية، وتمثل القوام الرئيسي للمعارضة في مصر، الدولة بـ”استخدام كل أدوات ومصادر القوة لرد العدوان”، ونادت بـ”إطلاق سراح السجناء على خلفية التظاهر دعماً لفلسطين، وكل سجناء الرأي على وجه أعم”.

وتسيطر على الحركة المدنية مجموعة من الأحزاب الناصرية واليسارية التي تعتمد في سرديتها على معارضة التطبيع مع إسرائيل، ولم تتوقف عن استخدام هذا الخطاب في السنوات الماضية، بما فيها فترات الهدوء في مسارات العلاقات.

وذكرت الكاتبة سكينة فؤاد لـ”العرب” أن “ما فعلته إسرائيل في رفح أسقط عمليا اتفاقية كامب ديفيد، ما انعكس على مواقف النخبة التي أدركت خطورة الخطوة مع رفض المصريين المساس بأية حبة رمال من أرضهم، وهي محاولة لتذكير إسرائيل بأنها في طريقها إلى صنع كارثة في المنطقة ليست في صالحها بعد أن خلقت المزيد من الكراهية والرفض لها، على الرغم من السلام المستمر منذ عقود”.

وأضافت أن “المعارضة تختلف كثيراً مع الحكومة وتتوافق معها أيضا في القضايا الوطنية، والتلويح بإلغاء الاتفاقية أو تعديلها هو موقف يدعم قوة الدولة في مواجهة الدعم الأميركي لإسرائيل”، وذكرت أن “الحراك الشعبي المصري يتفاعل مع آخر في دول عديدة، ومواقف الأحزاب الداعمة للدولة هي أقل ما يمكن أن يقدم مع الاقتناع بوجود تهديد يمس سيناء، وتيقن الشعب من أنها مستهدفة من قوى خارجية”.

وأكدت فؤاد أن “التاريخ يشير إلى أن المصريين يواجهون الأخطار الداهمة بالمزيد من التوحد وليس عبر المظاهرات، ويتابعون في خضم حياتهم العادية ما يدور حولهم”.

وفسّر قانونيون مصريون قيام إسرائيل باجتياح رفح وإدخال معدات عسكرية ثقيلة بأنه “خرق للمادة الرابعة من الاتفاقية” التي نصت على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود، وحذروا من تصاعد الانتهاكات التي تهدد معاهدة السلام، ما يمنح مصر الحق في تعليق العمل بها أو الانسحاب منها وفقًا لأحكام القانون الدولي.

العرب