الحرس الثوري الإيراني تنين برؤوس متعددة

الحرس الثوري الإيراني تنين برؤوس متعددة

كشف محسن سازيغارا، القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، عن أهم أسباب الصعود الكبير لأبرز مؤسسة إيرانية سرعان ما توسعت أعمالها لتطال أهدافا خارجية وإقليمية، ما يؤكد حسب مراقبين أن الحرس الثوري الإيراني متعدد الرؤوس والأدوار.

وقال سازيغارا “سافرت إلى الولايات المتحدة في عام 1975 لمواصلة دراستي وانضممت إلى جمعية الطلاب المسلمين وحركة حرية إيران، وكانت الحركة منظمة سياسية برئاسة مهدي بازركان، الذي أصبح أول رئيس حكومة في إيران بعد سقوط الشاه، وكانت الحركة محظورة داخل إيران ولكن أمكن تنظيمها سرا خارج البلاد، وكلّفتني بدراسة الجيوش التطوعية المختلفة، مثل الجيشين الإسرائيلي والسويسري، إضافة إلى الحرس الوطني الأميركي والجيوش الشعبية التي كانت موجودة آنذاك، مثل الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام (الفيت كونغ) وجبهة التحرير الوطني الجزائرية”، لافتا إلى أنه “مع صعود الثورة الإسلامية ونقل آية الله روح الله الخميني إلى فرنسا، انضممت إلى فريقه هناك، وتابعت فكرة تشكيل جيش شعبي خلال إقامته التي استمرت مئة يوم في نوفل لوشاتو، وكان ذلك بعد اقتراح من إبراهيم اليزدي، أحد قادة حركة حرية إيران خارج البلاد وكبير مستشاري الخميني”.

وأضاف سازيغارا “كانت الفكرة هو أننا سنواجه حربا طويلة ضد نظام الشاه وداعمه الرئيسي، الولايات المتحدة، بما يشبه حرب فيتنام، لكن الثورة الإسلامية انتصرت بشكل كبير وغير متوقع بعد أقل من أربعة أشهر من انتقال الخميني إلى فرنسا، وكانت معتمدة على أساليب المقاومة المدنية اللاعنفية، وعدت إلى إيران على متن نفس رحلة الخطوط الجوية الفرنسية مع الخميني ومستشاريه الآخرين، وتحول بذلك مشروع تشكيل جيش شعبي لتحرير إيران إلى تشكيل جيش شعبي للحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها مع الدفاع عن النظام الجديد ضد انقلاب أميركي محتمل قد يهدف إلى إعادة الشاه إلى السلطة”.

القائد السابق بالحرس الثوري يرى أن النظام الإيراني يعد اتحادا من عصابات المافيا، والحرس الثوري جزء منه

وتابع “كنا معارضين للاتحاد السوفياتي كما كنا ضد الولايات المتحدة بصفتنا قوميين ونشطاء مسلمين. لقد اعتبرنا الشيوعيين خصومنا السياسيين، ولم تكن الفصائلية السياسية والاستقطاب قد تبلورا بعد خلال الأشهر الثلاثة الأولى حين خدمت في الحرس الثوري. لكن التوترات نشأت خارجه وداخل المجلس الثوري وعارض رجال الدين في المجلس حكومة بازركان. واعتبر بعض المعارضين أنفسهم أكثر ثورية من بازركان وحكومته والحركة، وكان العديد من الأعضاء الأوائل في الحرس الثوري الإيراني يساريين مناهضين للولايات المتحدة وأصبحوا فيما بعد إسلاميين”.

وإثر سؤاله عن سير عملية التحول السياسي قال القائد السابق للحرس الثوري “لم نشهد خلفية يسارية بين أعضاء مجلس القادة الأول، الذي كنت عضوا فيه أيضا، ومن بين أكثر من 100 شخص انضموا إلى الحرس الثوري الإيراني خلال الأشهر الأولى. وكما ذكرت سابقا، كنا المقاتلين القوميين والمسلمين الذين تنافسنا بشراسة مع الشيوعيين الذين كنا نعتبرهم، هم والاتحاد السوفياتي، أعداء خطرين مثل الولايات المتحدة”.

وأوضح سازيغارا أن “الحرس الثوري الإيراني تأسس مع انتصار الثورة، ولم يعلم الخميني بتشكيله حتى 3 أبريل، أي بعد شهرين تقريبا من انتصار الثورة، فتوجهتُ مع أعضاء آخرين من مجلس القادة إلى قم لزيارته وشرحت له أننا أنشأنا المنظمة. كان سعيدا جدا وقدم دعمه القوي ودعا لها بالنجاح”، مؤكدا أنه “عندما أصبح علي خامنئي مرشدا أعلى، كانت الحرب الإيرانية – العراقية التي استمرت ثماني سنوات قد خمدت بالفعل، ونما الحرس الثوري الإيراني إلى منظمة كبيرة خلال تلك الفترة، وأصبح جيشا موازيا يعتمده خامنئي للحفاظ على نظامه، ورغب خامنئي في السيطرة على الحرس الثوري الإيراني ووضع جميع القوات العسكرية وشبه العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى تحت قيادته. وحاول تحويل الحرس الثوري الإيراني إلى منظمة تنجز المهام المشتركة لمجموعات، مثل الحزب الشيوعي السوفياتي وجهاز الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) وقوات الأمن الخاصة النازية (وحدات إس إس)، تحت قيادته الشخصية”.

سازيغارا يرى أن النظام الإيراني يعد اليوم اتحادا من عصابات المافيا الاقتصادية الفاسدة، والحرس الثوري الإيراني هو جزء منه

واعتبر محسن سازيغارا أن الحرس الثوري انحرف عن فكرته الأولية التي حددته جيشا شعبيا بجماعة صغيرة وملتزمة من الثوار الشباب الذين تطوعوا للدفاع عن بلادهم إلى جانب الجيش النظامي. ومر بثلاث مراحل تطورية؛ أولا: خلال السنوات الثماني للحرب العراقية الإيرانية توسع الحرس الثوري تحت قيادة أمثال محسن رضائي. وأصبح يشبه الجيش النظامي (أرتش) في طريقة تنظيمه. وأسس ثلاثة فروع (برية وبحرية وجوية) مثل هذا الجيش وأضاف فيلق القدس والباسيج تحت قيادته. ثانيا: بعد الحرب، حيث غامر الحرس الثوري الإيراني بخوض أنشطة اقتصادية وتجارية، وانخرط في عمليات تشبه مهام المافيا، ومارس الأعمال التجارية بصفته جماعة مسلحة. ثالثا؛ أشرك خامنئي الحرس الثوري في الأنشطة السياسية كقوة ضد حركة الإصلاح في البلاد. وأصبح الحرس الثوري الإيراني اليوم تنينا متعدد الرؤوس”.

ويرى المتحدث أن “النظام الإيراني يعد اليوم اتحادا من عصابات المافيا الاقتصادية الفاسدة، والحرس الثوري الإيراني هو جزء منه. ويعمل فيلق القدس التابع له خارجيا بالتعاون مع حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين والميليشيات الشيعية العراقية وعدد من الجماعات الإرهابية داخل سوريا، وتجاوز فيلق القدس العمليات الإرهابية وأصبح يقود شبكة كبيرة من الاتجار غير المشروع عبر العالم، ويتعاون مع الكارتلات الروسية، ويخضع قائده لإشراف مباشر من المرشد الأعلى، ويمكن أن ينعزل النظام على الساحة الدولية بسبب عمليات فيلق القدس المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وسيشكل ذلك على المدى الطويل تهديدا لاستقرار النظام نفسه”، مشيرا إلى أنه “يُذكر على مستوى القادة أن الوحيدين المتبقين من الجيل الأول هم المتواطئون والمرتبطون بفساد المافيا القائم، ويروّج هؤلاء القادة لأفراد يشبهونهم، لكن المجندين الأصغر سنا أصبحوا مثل العديد من الناس العاديين على المستوى الشعبي، وهم غير راضين تماما وتنتابهم شكوك أيديولوجية بينما يواجهون مصاعب معيشية، ويعتبر هذا اتجاها خطيرا وإشكاليا للحرس الثوري الإيراني”.

واعتبر سازيغارا أن “روسيا تتمتع بالنفوذ الأكبر في الحرس الثوري الإيراني وجهاز الاستخبارات ومكتب المرشد الأعلى، ويعاني الحرس الثوري من انشقاقات داخل صفوفه وأخرى إقليمية”، موضحا أنه “خلال السنوات الأخيرة، بعد الأحداث الدامية التي شهدها نوفمبر 2019 والقمع الوحشي للاحتجاجات التي اندلعت إثر مقتل مهسا أميني في 2022، أصبح الحرس الثوري مكروها بين أبناء الشعب الذين يعتبرونه العمود الفقري لفساد النظام وجرائمه.

سازيغارا اعتبر أن روسيا تتمتع بالنفوذ الأكبر في الحرس الثوري الإيراني وجهاز الاستخبارات ومكتب المرشد الأعلى

ويصادف هذا الشهر الذكرى الـ45 لتأسيس الحرس الثوري الإيراني.

وكان محسن سازيغارا، الباحث غير المقيم في برنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط، أحد مؤسسي الجماعة وعضوا في مجلس قادتها الأول. ثم أصبح صحافيا وناشطا سياسيا إصلاحيا.

وسُجن سازيغارا أربع مرات قبل أن يغادر إيران.

وتأسس الحرس الثوري الإيراني في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979 بهدف حماية النظام الناشئ وخلْق نوع من توازن القوى مع القوات المسلحة النظامية، وسرعان ما توسعت أعماله لتطال أهدافا خارجية وإقليمية.

وبعد سقوط الشاه أدركت السلطات الجديدة أنها بحاجة إلى قوة كبيرة تكون ملتزمة بأهداف النظام الجديد والدفاع عن “قيم ومبادئ الثورة”، فصاغ رجال الدين قانونا جديدا يشمل القوات العسكرية النظامية ويضطلع بمهمة الدفاع عن حدود البلاد وحفظ الأمن الداخلي، وقوات الحرس الثوري (الباسدران) التي كُلفت بحماية النظام الحاكم.

ويُقدَّر عدد أفراد الحرس الثوري بـ125 ألف عنصر، ولديه قوات أرضية، بالإضافة إلى وحدات بحرية وجوية، ويشرف على أسلحة إيران الإستراتيجية.

وعلى الرغم من أن عدد عناصر الحرس الثوري يقل عن عدد قوات الجيش النظامي، إلا أنه يُعتبر القوة العسكرية المهيمنة في إيران، ويتولى العديد المهام العسكرية الكبيرة في البلاد وخارجها.

وفي وقت سابق أصدر البرلمان الأوروبي قرارا لصالح تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمجموعة إرهابية، لكن يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الموافقة على مثل هذه الخطوة.

وقد أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على قائمتها الإرهابية عام 2019 بسبب الدعم الطويل الأمد الذي يقدمه فيلق الحرس الثوري للجماعات المسلحة مثل حزب الله.