هناك العديد من النقاشات حول موقف الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط. وقد فتح تسارع الحروب بالوكالة مع مرور الوقت الباب أمام النقاشات بشأن طبيعة هذه الجهات الفاعلة لتكتسب بعدًا أوسع. وإن المقاومة التي أبدتها حماس ضد “إسرائيل” بوصفها جهة فاعلة مسلحة غير حكومية في عملية طوفان الأقصى، التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023م، وحرب غزة اللاحقة- أكثر شمولًا وتأهيلًا من حيث نضال هذه الجهات ضد الدول أو الأدوار التي تتولاها داخل الدولة التي أثبتت أنه من الضروري معالجتها أكاديميًّا.
في واقع الأمر، يُعَدّ جلب دراسات جديدة حول حماس إلى الدراسات الأكاديمية في سياق حرب غزة نابعًا من ضرورة الاستجابة لهذه الحاجة. وقد أتاحت عملية طوفان الأقصى الفرصة لإعادة مناقشة حزب الله بوصفه فاعلًا آخر غير حكومي (دولاتي) في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، قدمت عملية طوفان الأقصى دافعًا جديدًا لتحليل هذه الحركة بكل أبعادها، سواء حول محيطها القريب أم خارجها. كما نجد أن الحزب نظّم اتصالات مع فصائل المقاومة الفلسطينية بالإضافة إلى علاقته الخاصة بإيران.
إن دراسة الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط، التي تقع غالبًا في نطاق فهم “الآخر”- تؤدي في الغالب إلى تفسيرات سطحية وقاطعة لهذه الحركات. إن جهد الفهم، الذي يجري في إطار أنماط ضيقة، يقتصر في الغالب على تصنيف هؤلاء الفاعلين، ومن ثَمّ فهو غير كاف لشرح ردود أفعال هذه الحركات عندما ينشأ وضع جديد غير عادي. على سبيل المثال، في أثناء تفسير أداء حماس على مدار سبعة أشهر في سياق حرب غزة وعلاقة أهل غزة بالحركة، يجري تسليط الضوء على الروايات التي تقول إن الحركة أنشأت معادلة جديدة تختلف عن الماضي. ومع ذلك، فإن هذا “الوضع الجديد” لم يكن مفاجئًا بالنسبة للأكاديميين الذين تابعوا حماس عن كثب طوال العملية التاريخية. لهذا السبب، يظهر في أثناء محاولة فهم الجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة، أن عملية الفهم “الداخلية” والشاملة نسبيًّا ستجعل من الممكن التخلص من الأحكام المسبقة، وتمكننا من رسم توقعات أكثر صحة للمستقبل. وستظهر واحدة من أكبر فوائد اعتماد هذا النهج للأكاديميين عند التعامل مع حزب الله. إن وجود نصوص أكاديمية متناقضة بشكل شبه كامل فيما يتعلق بحزب الله لا يجعل من الصعب فهم الأنشطة السياسية والعسكرية للحركة فحسب، بل يمهّد الطريق أيضًا للعديد من التكهنات بشأن توجهات سياسته الخارجية.
يتولى حزب الله الذي دخل في معادلة القتال مع “إسرائيل” بعد يوم واحد من عملية طوفان الأقصى، إدارة جبهة جديدة منخفضة الوتيرة في حرب غزة بعملياته في شمال “إسرائيل” منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023م. إن إنشاء غرف عمليات مشتركة مع فصائل المقاومة، وبخاصة حماس والجهاد الإسلامي، ودعم إيران في هذه الحرب- أدّيا إلى التشكيك مرة أخرى في موقف حزب الله السياسي في لبنان. وفي هذا السياق، يبدو من الضروري إعادة تحديد موقف حزب الله حول حجج قطبين متعارضين: “إنه تابع لإيران” و”إنه جهة فاعلة غير حكومية مستقلة تمامًا”. وعلى هذا ستتناول الدراسة طبيعة علاقات حزب الله مع إيران وتأثيراتها في حرب غزة. وفي نطاق هذا البحث، وبعد التطرق بإيجاز إلى تأسيس حزب الله، ستجري دراسة إسهامات إيران في مراحل تأسيسه وتطوره، ومن ثم سيجري بحث تأثير إيران في أنشطة حزب الله العسكرية والسياسية والاقتصادية في سياق شعار “اللبننة”. وأخيرًا، وفي إطار حرب غزة، ستجري مناقشة أسباب تفضيل حزب الله حربًا منخفضة الجرعة، وإن كانت مستقرة، بدلًا من الانخراط في حرب شاملة.