يراقب مسؤولو الحكومات الغربية والعربية عن كثب تداعيات انتخابات البرلمان الأوروبي التي فازت فيها أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا بمقاعد، ويشعرون بالقلق إزاء تأثير ذلك على التحالفات الدولية.
بروكسل – حققت الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف مكاسب في انتخابات البرلمان الأوروبي مما زاد حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاتجاه السياسي لأوروبا. وقد يؤدي الميل إلى اليمين داخل البرلمان الأوروبي إلى أن يصبح تمرير تشريعات جديدة للاستجابة للتحديات الأمنية أو أثر تغير المناخ أو المنافسة في قطاع الصناعة من الصين والولايات المتحدة مهمة صعبة.
وبما أن البرلمان الأوروبي يلعب دورا حاسما في صياغة القوانين واتخاذ القرارات على المستوى الأوروبي، فإن نتائج هذه الانتخابات لها تأثير على جميع الدول الأعضاء والقارة ككل. ويعزو المراقبون السياسيون التحول إلى اليمين إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، والمخاوف بشأن الهجرة وكلفة التحول الأخضر، فضلا عن الحرب في أوكرانيا، وهي المخاوف التي استغلتها الأحزاب القومية والشعبوية.
وتقول ليانا فيكس، المؤرخة وعالمة السياسة والخبيرة الأمنية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إن النتائج التي أفرزتها انتخابات البرلمان الأوروبي، أحد الهيئات التشريعية في الاتحاد الأوروبي، في يونيو، هزت الساحة السياسية في القارة.
وتضيف فيكس في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أنه في ظل النقاش المحتدم حول الهجرة والحرب في أوكرانيا ومستقبل الاتحاد، حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة، خاصة في فرنسا، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن انتخابات برلمانية مبكرة تبدأ في وقت لاحق من هذا الشهر، ما قد يزيد من الاضطراب السياسي في واحدة من أهم دول الاتحاد الأوروبي.
جاء قرار الرئيس ماكرون بحل الجمعية الوطنية، وهي مجلس النواب في فرنسا، كرد فعل على النجاح الانتخابي لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي حصل على أكثر من ضعف الأصوات التي حصل عليها التحالف الوسطي لماكرون.
ويأمل ماكرون في استعادة المبادرة السياسية من خلال إجبار الناخبين الفرنسيين على اتخاذ قرار الآن، بدلا من الانتظار لعامين حيث كانت الانتخابات مقررة أصلا، حول ما إذا كانوا يريدون حقا أن يحكمهم اليمين المتطرف.
في النظام الفرنسي، يؤدي برلمان جديد إلى تشكيل حكومة جديدة وتعيين رئيس وزراء جديد، على الرغم من أن الأخير أقل قوة من الرئيس. وتعقد الانتخابات الرئاسية بشكل منفصل، وهي مقررة لعام 2027، حيث لن يتمكن ماكرون من الترشح مرة أخرى بسبب حدود الفترات.
وستكون فترة الحملة القصيرة حتى الجولة الأولى والثانية من التصويت في 30 يونيو و7 يوليو تحديا لحزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”، والذي تأسس كوسيلة انتخابية لماكرون نفسه ولديه بنية تحتية حزبية ضعيفة.
وتشير بعض الاستطلاعات إلى أن الحزب قد يفقد نصف مقاعده. وإذا حقق حزب التجمع الوطني الأغلبية، يمكنه تشكيل حكومة جديدة، بما في ذلك اختيار رئيس وزراء جديد. وهذا الترتيب، حيث يأتي الرئيس والحكومة من أحزاب مختلفة، يعرف بـ”التعايش”، ويمكن أن يجعل الحكم أكثر تعقيدا.
وفي هذا السيناريو، يمكن أن يصبح جوردان بارديلا، الزعيم الشاب والكاريزمي لحزب التجمع الوطني، رئيسا للوزراء، ويمكن للزعيمة السابقة للحزب مارين لوبان الترشح للرئاسة في عام 2027.
وقد يؤدي الحكم إلى إزالة الغموض عن اليمين المتطرف وفي النهاية تآكل دعمه، وهذا بالتأكيد هو أمل ماكرون في أنه يمكنه تقييد حزب التجمع الوطني بينما لا يزال رئيسا. ولكن قد يمنح هذا الحزب أيضا صلاحيات غير مسبوقة داخليا، ومنصة قوية للتنافس على الرئاسة في عام 2027.
وسيكون وجود حاكم يميني متطرف في السلطة في باريس، التي تعد مع برلين القوة الدافعة للاتحاد الأوروبي، تحديا أكبر بكثير للتكتل من وجود زعيمة يمينية متطرفة في روما، هي رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.
عززت الأحزاب اليمينية المتطرفة نفوذها ووسعته في البرلمان الأوروبي، لكن صعودها كان أقل مما يخشاه الوسطيون الحاكمون في البداية. وحصلت هذه الأحزاب على ثلث المقاعد إجمالا، على الرغم من أن الأحزاب الوسطية حافظت على الأغلبية.
واليمين المتطرف غير منظم ومنقسم داخليا، مما يضعف من قوته. ولا يزال العديد من ممثلي اليمين المتطرف، بما في ذلك أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب “فيدس – الاتحاد المدني المجري” لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، حتى الآن غير منتمين إلى أيّ من التجمعات السياسية الأوسع في البرلمان.
◙ أحزاب اليمن المتطرف حصلت على ثلث المقاعد إجمالا، على الرغم من أن الأحزاب الوسطية حافظت على الأغلبية
لكن في حين لا يزال الوسط السياسي صامدا في أوروبا، فإن السؤال الأهم هو ما إذا كان حزب الشعب الأوروبي اليميني الوسطي، وهو أكبر تجمع فردي، سيكون مستعدا في النهاية للانفتاح على اليمين المتطرف للحصول على الدعم السياسي أو كشريك في التحالف، وهو ما رفضته الأحزاب الوسطية في السابق.
وهذه الديناميكية تظهر بالفعل في دول أعضاء مثل هولندا، ويمكن أن تؤدي إلى دمج أجندة اليمين المتطرف في التيار الرئيسي، خاصة في ما يتعلق بالهجرة. ويمكن أن تهز نتائج الانتخابات قيادة الاتحاد الأوروبي. وسيتم إعادة توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي بما يتناسب مع التأثير المحدث للأحزاب السياسية والدول الأعضاء.
والأهم من ذلك، سيتعين على البرلمان الأوروبي تأكيد رئيس جديد للمفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، التي تتمتع بصلاحية اقتراح القوانين. وجعلت الولاية الأولى لرئيسة المفوضية الحالية أورسولا فون دير لاين منها شخصية جديرة بالاحترام في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم.
وقد قادت جدول الأعمال الخاص بالصفقة الخضراء الأوروبية، وهي مجموعة كبيرة من المبادرات المتعلقة بالمناخ، وكذلك سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين والسياسة الأمنية.
وواجهت فون دير لاين انتقادات من الأحزاب اليمينية واليسارية بشأن سياسة الهجرة وقضايا رئيسية أخرى. لكن استمرار أغلبية الكتلة الوسطية في البرلمان يمنحها فرصة عادلة لإعادة انتخابها لولاية ثانية والمضي قدما في جدول أعمالها لمدة خمس سنوات أخرى.
العرب