واشنطن- اعتبر البنك الدولي أن أداء الاقتصاد الأميركي الأقوى من المتوقع دفعه إلى رفع توقعاته للنمو العالمي خلال العام الجاري، لكنه حذر من أن الناتج سيظل أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة حتى 2026.
وتوقع البنك في أحدث تقارير آفاق الاقتصاد العالمي أن يتفادى العالم انخفاضا ثالثا على التوالي في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي منذ قفزة كبيرة بعد الجائحة في 2021، وذلك مع استقرار معدل النمو هذا العام عند 2.6 في المئة دون تغيير عن 2023.
والتوقعات الجديدة أعلى بنحو 0.2 في المئة من تقديرات البنك في يناير الماضي، في ما يرجع إلى حد بعيد إلى قوة الطلب في الولايات المتحدة.
وقال نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك أيهان كوسى لرويترز “يمكننا استشراف مسار نحو هبوط سلس”.
وأشار إلى أن الفائدة المرتفعة بحدة أدت إلى خفض التضخم دون خسائر كبيرة في الوظائف أو أيّ اضطرابات أخرى في الولايات المتحدة أو الاقتصادات الكبرى.
وأضاف كوسى “تلك هي الأخبار الجيدة. أما الأخبار السيئة فهي أننا قد نظل عالقين في المسار البطيء”.
وتوقع البنك أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي 2.7 في المئة خلال العامين المقبلين، وهو أقل بكثير من المتوسط البالغ 3.1 في المئة في العقد السابق للوباء.
كما يتوقع أن تظل أسعار الفائدة في السنوات الثلاث المقبلة عند ما يعادل مثلي المتوسط في الفترة من 2000 إلى 2019، مما سيكبح النمو ويزيد من ضغوط الديون على دول الأسواق الناشئة المقترضة بالدولار.
وأوضح التقرير أن اقتصادات الدول التي تمثل 80 في المئة من سكان العالم وناتجه الإجمالي ستنمو بوتيرة أقل مما كانت عليه قبل الجائحة حتى 2026.
وقال رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك إندرميت جيل إن “الآفاق بالنسبة إلى أفقر اقتصادات العالم مثيرة للقلق أكثر، إذ تواجه أعباء شديدة ومستويات مؤلمة من خدمة الدين، فضلا عن تقليص إمكانات التجارة وأحداث مناخية مكلفة”.
وأوضح تعليقا على التقرير الذي يتضمن تصورا موازيا يضع في الحسبان سيناريو فائدة “أعلى لفترة أطول” أن تلك البلدان ستواصل طلب المساعدة الدولية لتمويل احتياجاتها.
والتصور المقترح يُبقي التضخم المستمر في الاقتصادات المتقدمة الفائدة أعلى بنحو 40 نقطة أساس من توقعات خط الأساس للبنك الدولي، مما سيؤدي إلى تراجع النمو العالمي في 2025 إلى 2.4 في المئة.
ويشير التقرير إلى أن الطلب القوي في الولايات المتحدة وزيادة وتيرة التضخم عن المتوقع يفرضان خفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) للفائدة في وقت قريب، وذلك بينما يتغلب الاقتصاد الأميركي للعام الثاني تواليا على توقعات التباطؤ.
ويتوقع البنك الدولي حاليا نمو اقتصاد الولايات المتحدة بنحو 2.5 في المئة خلال العام الجاري، وهي نفس وتيرة العام الماضي إلا أنها أعلى كثيرا من توقعات يناير البالغة 1.6 في المئة.
وقال كوسى إن “التوقعات المعدلة للولايات المتحدة تقف وراء 80 في المئة تقريبا من التعديلات التي أُدخلت على معدل النمو العالمي مقارنة بتقديرات يناير”.
ورفع البنك توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني خلال هذا العام إلى 4.8 في المئة من 4.5 في المئة في يناير، ويرجع ذلك إلى حد بعيد لزيادة الصادرات التي عوضت ضعف الطلب المحلي.
وتوقع أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني إلى 4.1 في المئة العام المقبل وسط ضعف الاستثمار وثقة المستهلك واستمرار التباطؤ في قطاع العقارات. وعدّل البنك توقعاته لنمو الاقتصاد الهندي خلال العام الجاري إلى 6.6 في المئة من 6.4 في المئة في يناير، وذلك بفضل قوة الطلب المحلي.
وخفض توقعاته لنمو اقتصاد اليابان إلى 0.7 في المئة من 0.9 في المئة بسبب ضعف نمو الطلب وتباطؤ الصادرات واستقرار الطلب على السياحة. وأبقى توقعاته لمنطقة اليورو دون تغيير عند 0.7 في المئة مع استمرار الصعوبات التي تواجهها الكتلة وسط ارتفاع تكاليف الطاقة وضعف الناتج الصناعي.
2.7 ىفي المئة نسبة النمو الاقتصادي خلال العامين المقبلين، وهو أقل بكثير من المتوسط البالغ 3.1 في المئة في العقد السابق للوباء
وإضافة إلى التصور المعدّل بأخذ أسعار الفائدة الأعلى لفترة أطول في الاعتبار ذكر البنك الدولي أن أبرز المخاطر التي تهدد التوقعات هي زيادة التداعيات المرتبطة بالصراعات المسلحة في قطاع غزة وأوكرانيا.
وقد يتسبب اتساع دائرة الحرب في الشرق الأوسط في المزيد من الاضطرابات في حركة الشحن ويدفع أسعار النفط والتضخم إلى الارتفاع.
وعلى نحو مماثل أوضح البنك أن المزيد من عدم اليقين إزاء مسار الحرب الروسية – الأوكرانية قد يُحدث اضطرابات في أسواق النفط والحبوب ويعيق الاستثمار في الدول المجاورة. كما أن ازدياد القيود التجارية المدفوعة بالنزاعات الجيوسياسية قد تعيق التعافي الضئيل للتجارة الذي بدأ العام الماضي بنحو 0.1 في المئة.
وتوقع البنك انتعاش حركة التجارة إلى 2.5 في المئة في 2024، ارتفاعا من 2.3 في المئة في توقعات يناير الماضي. لكنه أشار إلى أن زيادة الإجراءات الحمائية في العديد من الدول قد تؤثر سلبا على سلاسل التوريد العالمية وتقلل الاستثمار في الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
وأوضح أن زيادة حدة التباطؤ في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من شأنها أن تعيق النمو خاصة في البلدان المُصدرة للسلع الأساسية والاقتصادات التي تعتمد على التجارة بالأساس.
وعلى الجانب الإيجابي، ذكر البنك أن الولايات المتحدة قد تواصل تجاوز التوقعات على نحو يعزز النمو العالمي مع انخفاض التضخم إن استمرت معدلات الإنتاجية المرتفعة وإمدادات العمالة بسبب الهجرة.
وأشار إلى أن تراجع وتيرة التضخم عالميا، بدعم من مكاسب الإنتاجية وانتعاش سلاسل التوريد وتراجع أسعار السلع الأساسية، قد يدفع البنوك المركزية إلى خفض الفائدة أسرع من المتوقع في الوقت الحالي، مما سيعزز نمو حجم الائتمان.
العرب