جاء توجيه المرشد الأعلى علي خامنئي للرئيس الإيراني مسعود بزشيكان بالانفتاح السياسي على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية في وقت يشهد فيه المجتمع الإيراني أزمات إقتصادية واجتماعية وتدهور واضح للمنظومة الاقتصادية وألقت بظلالها على طبيعة الحياة اليومية للمواطن وانخفاض المستوى المعاشي الذي أدى إلى زيادة التضخم المالي واتساع ظاهرة البطالة بين الشباب ووصلت إلى نسبة 46٪ مع انخفاض العملة الإيرانية وأصبح الدولار يساوي 60ألف تومان.
بدأت هذه الأوضاع تشكل ضغطًا سياسياً داخليًا على المنظومة الحاكمة وبدأت القيادات الأمنية والسياسية تستشعر خطورة الأوضاع الميدانية وبدأت تخشى من انفجار شعبي يعبر عنه بتظاهرات احتجاجات واسعة، خاصة بعد الاضطراب الشامل في 30 آب 2024 والذي قامت به الكوادر الطبية في (20) مدينة إيرانية و(50) مستشفى حكومي، بسبب سوء الاحوال المعاشية وتردي الخدمات الصحية وتأخر دفع الرواتب المستحقة للعاملين في المؤسسات والمراكز الطبية.
يحاول المرشد الأعلى من التفويض الذي منحه لوزارة الخارجية وكبار مفاوضي البرنامج النووي الإيراني بالحوار مع الجانب الأمريكي الأوربي أن يستعيد دور إيران الإقليمي عبر رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة ومعالجة الأحوال الداخلية ووضع الخطط التنموية بزيادة مستوى الأعمال التجارية وفرص الاستثمار المالي بحيث يؤدي إلى انتعاش المستوى الاقتصادي وانخفاض نسبة التضخم المالي وتقليل الأسعار والانتباه إلى التضخم السكاني واتساع قاعدة الانتشار البشري وعدم وجود الوحدات السكنية التي من الممكن أن تساهم في الحد من هذه الظاهرة الإنسانية.
وزادت صفقة الصواريخ الإيرانية الى الجيش الروسي من المعاناة الاقتصادية واضعفت دور الرئيس بزشكيان بعد العقوبات التي طالت المجال الجوي الإيراني الخاص برحلات الطيران المدني وفرض عقوبات إضافية تم فيها حظر شركة الطيران الوطنية الإيرانية (إيران إير) من الطيران إلى المطارات الأوروبية في ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بالتزامن مع العقوبات الأمريكية والتي سيكون لها مرودات إقتصادية سيئة على النظام الإيراني،
وقالت هذه الدول في بيان مشترك (سنستمر في فرض عقوبات على كيانات وأفراد مهمين منخرطين في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونقل صواريخ باليستية وأسلحة أخرى إلى روسيا).
أن التعاون العسكري الإيراني مع روسيا وأن كان ضمن مصالح وأهداف يعمل عليها الإيرانيين إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على جميع المتطلبات الخاصة بتحسين منظومة الدفاع الجوي والقوات المسلحة والقيادة الجوية ولا زال هناك العديد من المعدات التي لم تصل إلى إيران ومنها الصواريخ الخاصة بمنظومة ( أس 400) رغم قيام الجانب الروسي بتسليم الرادارات الجوية الخاصة بها مما يجعل المنظومة بحالة غير مجدية.
ورغم اتباع إيران لسياسة التوجه نحو الشرق في عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي وتأكيد مسعود بزشيكان على الالتزام بها عند لقائه وحكومته المرشد علي خامنئي إلا أن الروس لازالت مخاوفهم قائمة من السياسية التي أعلنها بزشكيان بضرورة الانفتاح والحوار مع واشنطن والغرب وينتظرون موقفًا عمليًا وواضحًا من طبيعة التوجهات الإيرانية، وهي إحدى الأسباب الرئيسية في عدم تعاظم التعاون العسكري وتطوره نحو تزويد إيران باحتياجاتها من المقاتلات الجوية والمعدات الخاصة ومنظومات الدفاع الجوي والغواصات البحرية.
وأدت التطورات في العلاقة مع روسيا وإيران إلى ضغوط سياسية ابعدت حالة الحوار الذي كان مقررًا له مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد العقوبات الأخيرة التي صدرت بخصوص الطيران المدني الإيراني والكيانات والأشخاص التابعين لبرنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وأصبح جو بايدن في موقف لا يستطيع فيه من عقد صفقة سياسية مع إيران حول اتفاقية جديدة للبرنامج النووي، والوقت أصبح ضيقًا مع قرب الانتخابات الأمريكية، وهو ما تخشاه إيران التي تدرك عدم أهتمام الحزب الجمهوري ومرشحه دونالد ترامب بأي حوار قادم معها، وتنظر إلى واقع الحال حتى في حالة فوز كامالا هاريس كونها ستعمل على الاهتمام بإدارة وترتيب سياسات البيت الأبيض وفق المصالح والأهداف الأمريكية الدولية والإقليمية،
وإذا كانت إيران جاهزة للحوار والتفاوض فهل الإدارة الأمريكية القادمة ستكون بنفس التوجهات والغايات أم ستكون هناك تطورات ميدانية وتغيرات سياسية تتعلق الأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وطبيعة الصراع الروسي الأوكراني وانعكاسه على مجمل العلاقات الروسية الإيرانية؟ أم أن هذا الأمر سيكون ضمن جدول الأعمال عندما يلتقي الرئيس بوتين بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عند زيارته لروسيا وحضوره مؤتمر مجموعة ( بريكس) التي ستعقد في تشرين الثاني 2024 بمدينة ( كازان الروسية)؟
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية