التدهور البيئي في العراق: الأسباب والحلول

التدهور البيئي في العراق: الأسباب والحلول

الباحثة شذى خليل*

يواجه العراق، البلد الغني بالتاريخ والموارد الطبيعية، أزمة بيئية متفاقمة. وقد وصل تدهور البيئة إلى مستويات مقلقة، مما يؤثر على صحة ورفاهية المواطنين ويهدد قدرة البلاد على دعم أنظمتها البيئية الطبيعية. أصبحت الكوارث البيئية، التلوث، البنية التحتية الضعيفة، وغياب العمل الحكومي الفعّال من القضايا الملحة. تستعرض هذه المقالة العوامل الرئيسية التي تساهم في التدهور البيئي في العراق، والأسباب الكامنة وراءه، والحلول المحتملة للقضاء على هذه المشكلات.

أسباب التدهور البيئي في العراق
1. التوسع الحضري غير المنضبط والتلوث
أدى التوسع السريع وغير المخطط له للمدن في العراق، خاصة في بغداد والبصرة، إلى مشكلات بيئية خطيرة. تعاني المناطق الحضرية من نظم إدارة نفايات غير كافية، مما يؤدي إلى تراكم القمامة في الشوارع والمجاري المائية والمناطق السكنية. كما أن حرق النفايات في الهواء الطلق يطلق سمومًا ضارة في الهواء، مما يساهم في تدهور جودة الهواء والأزمات الصحية العامة.

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تكون أنظمة الصرف الصحي قديمة أو غير كافية، مما يؤدي إلى تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالجة مباشرة إلى أنهار مثل دجلة والفرات، التي تعد مصادر حيوية للمياه في العراق. هذه الأنهار الآن ملوثة بشكل كبير، مما يؤثر على الحياة البشرية والمائية.

2. تلوث الهواء
يعد تلوث الهواء أحد أكبر التحديات البيئية التي تواجه العراق. في المناطق المحيطة بالسفارة الأمريكية في بغداد، تم تصنيف جودة الهواء على أنها “غير صحية”، وهو انعكاس لمشكلة أكبر في جميع أنحاء البلاد. تساهم الانبعاثات الصناعية، عوادم السيارات، والاستخدام الواسع للوقود منخفض الجودة في ارتفاع مستويات الجسيمات الضارة في الهواء. تزيد العواصف الترابية، التي تزداد بسبب التصحر وسوء إدارة الأراضي، من تفاقم المشكلة.

يتنفس العراقيون، خصوصًا في المناطق الحضرية، هواءً أقل بكثير من المعايير الصحية الدولية. ونتيجة لعدم وجود أنظمة تكييف الهواء والترشيح، يتعرض الناس لمستويات خطيرة من الملوثات يوميًا، مما يزيد من معدلات الأمراض التنفسية وغيرها من المشاكل الصحية.

3. نقص أنظمة التكييف والتبريد
يشهد العراق درجات حرارة شديدة الارتفاع، خاصة في فصل الصيف حيث تتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية. ومع ذلك، يفتقر العديد من المواطنين إلى الوصول إلى أنظمة تكييف هواء موثوقة، مما يجعل الحياة لا تطاق في هذه الظروف. تتفاقم هذه المشكلة بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي وارتفاع تكاليف الكهرباء، مما يمنع العديد من الأسر من استخدام أجهزة التبريد حتى إذا كانت متاحة.

لا يؤدي نقص التكييف إلى انعدام الراحة الجسدية فحسب، بل يساهم أيضًا في المخاطر الصحية مثل ضربات الشمس والجفاف، خاصة بين الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن.

4. ندرة المياه وتلوثها
تعد أزمة المياه في العراق مشكلة بيئية حرجة أخرى. أدى الجمع بين الجفاف الطويل وسوء إدارة المياه والتلوث إلى نقص حاد في المياه في جميع أنحاء البلاد. يعاني نهرا دجلة والفرات، المصدران الرئيسيان للمياه في العراق، من انخفاض مستويات المياه بسبب السدود المقامة من قبل الدول المجاورة والاستخدام المفرط للمياه.

علاوة على ذلك، أدى تلوث الأنهار بالنفايات الصناعية ومياه الصرف الصحي والجريان الزراعي إلى جعل المياه غير آمنة للشرب أو الري، مما يهدد الصحة العامة والإنتاجية الزراعية.

حلول للتدهور البيئي
1. التدخل الحكومي وتنفيذ السياسات
يجب على الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لمكافحة التدهور البيئي. يتضمن ذلك فرض لوائح بيئية أكثر صرامة على الصناعات، تحسين نظم إدارة النفايات، والاستثمار في البنية التحتية المستدامة. يجب أن تتعاون الوكالات الحكومية مع المنظمات الدولية وخبراء البيئة لتطوير خطط شاملة لاستعادة البيئة وحمايتها.

2. التوعية العامة والتعليم
رفع مستوى الوعي العام حول أهمية الحفاظ على البيئة أمر ضروري. يجب تنفيذ برامج تعليمية في المدارس والمجتمعات المحلية لتعليم المواطنين كيفية إعادة التدوير وإدارة النفايات والحفاظ على الطاقة. يمكن أن تلعب الحملات الإعلامية دورًا مهمًا في إبلاغ الجمهور بمخاطر التلوث البيئي والخطوات التي يمكنهم اتخاذها لحماية بيئتهم.

3. الاستثمار في الطاقة النظيفة والتقنيات المستدامة
ساهم اعتماد العراق على الوقود الأحفوري بشكل كبير في تلوث الهواء والماء. وللتغلب على هذا، يجب على الحكومة الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية. يمتلك العراق إمكانيات كبيرة للطاقة الشمسية، خاصة في المناطق الصحراوية، ويمكن استغلال هذا المورد لتقليل اعتماد البلاد على النفط والغاز.

4. إعادة التحريج واستعادة الأراضي
يعد التصحر مشكلة متنامية في العراق، مما يؤدي إلى عواصف ترابية متكررة وفقدان الأراضي الصالحة للزراعة. يجب تنفيذ مشاريع إعادة التحريج على نطاق واسع لاستعادة النظم البيئية المتضررة. يمكن لزراعة الأشجار والنباتات أن تساعد في منع تآكل التربة وتحسين جودة الهواء وتقليل شدة العواصف الترابية.

ختاما إن التدهور البيئي في العراق مشكلة متعددة الأبعاد تتطلب اهتمامًا عاجلًا من الحكومة والمجتمع الدولي والمواطنين العراقيين أنفسهم. من خلال معالجة الأسباب الجذرية للتلوث وندرة المياه والكوارث المرتبطة بالمناخ، يمكن للعراق استعادة بيئته وتحسين نوعية الحياة لشعبه. الآن هو الوقت المناسب للتحرك، ومع الاستراتيجيات الصحيحة، يمتلك العراق القدرة على عكس تدهوره البيئي وبناء مستقبل أكثر استدامة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية