صواريخ إيران لروسيا… ماذا تعني في سياق الحرب؟

صواريخ إيران لروسيا… ماذا تعني في سياق الحرب؟

أكد الاتحاد الأوروبي، الاثنين، أن لدى الدول الغربية «معلومات ذات صدقية» عن تسلم روسيا صواريخ بالستية إيرانية، الأمر الذي لم تنفه موسكو صراحة، بخلاف طهران التي أصرت على النفي رغم تأكيد عضو بارز في البرلمان الإيراني صحة التقارير.

وأوضح الناطق باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو: «نحن نبحث المسألة مع الدول الأعضاء، وإذا تم تأكيد (عمليات التسليم)، فسيكون ذلك بمثابة تصعيد مادي كبير في دعم إيران للحرب العدوانية غير القانونية التي تشنها روسيا على أوكرانيا».

واعتبرت الولايات المتحدة، الاثنين، أن إرسال صواريخ ايرانية الى روسيا يمثل «تصعيداً دراماتيكياً» للدعم الذي توفره طهران لموسكو، مؤكدة استعدادها للرد على ذلك.وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل للصحافيين إن «أي نقل صواريخ بالستية إيرانية الى روسيا سيمثل تصعيداً دراماتيكياً في دعم إيران لحرب روسيا العدوانية على أوكرانيا»، مضيفاً «لقد كنا واضحين … لجهة أننا مستعدون لعواقب كبيرة».
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الولايات المتحدة أبلغت حلفاءها الأوروبيين بأن روسيا تسلمت من إيران صواريخ قصيرة المدى، في حين تكثف موسكو هجماتها ضد المدن والمنشآت الأوكرانية. وتوفر الدول الغربية دعماً عسكرياً لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأراضيها في فبراير (شباط) 2022، وتتهم منذ مدة طويلة إيران بتزويد روسيا بأسلحة، خصوصاً الطائرات المسيّرة. ماذا يعني هذا الخبر في سياق الحرب الجارية ؟

 هذا يعني أن  الحرب تتطور بسرعة كبيرة لتصبح واحدة من أسوأ وأطول حروب الاستنزاف في العالم بين قوة نووية عظمي والأكبر مساحة من بين كل دول العالم، ودولة جارة صغيرة نسبيا وغير نووية هي اوكرانيا، وهي وأن كانت مدعومة بالكامل من قبل حلف الناتو َودول الاتحاد الاوروبي، إلا  إنها ليست عضوا رسميا في أي منهما حتي الآن، تجنبا لما قد تجلبه هذه العضوية الرسمية فيهما من مضاعفات وتعقيدات قد تقود الي حرب عالمية ثالثة.
هذه الحرب الاوروبية آخذة الآن في التصاعد بدلا من التراجع والانحسار، وذلك في غياب نصر استراتيجي حاسم لأحد طرفيها، وبالدرجة التي ترغم الطرف الآخر علي الاقرار بالهزيمة والبحث عن تسوية سياسية لتقنين الأمر الواقع الجديد، شأنها في ذلك ككل الحروب الدولية التي وقعت في الماضي.. فهي كلها بدأت في ساحات القتال وانتهت علي طاولة التفاوض بين المنتصرين والمهزومين….
وأكثر ما يلفت النظر في هذه الحرب الروسية الاوكرانية. هو أن مجرياتها جاءت مخيبة للتوقعات المبدئية التي بني عليها الرئيس الروسي بوتين قراره بدخولها، ومنها أنها سوف تكون حربا محدودة وخاطفة وحاسمة، ومن ان اجتياح روسيا للأراضي الاوكرانية ودخولها اليها بهذا الزخم الضخم من الاسلحة والقوات سوف يمكنها من إملاء شروطها وانتزاع ما وضعته لحربها علي اوكرانيا من تنازلات كحل الجيش الاوكراني ومطالبته بالقاء سلاحه لتصبح أوكرانيا بلا جيش وطني يدافع عنها كإي دولة مستقلة ذات سيادة، والتخلص من نظام حكم الرئيس الاوكراني زيلينسكي المعادي لروسيا والقريب من للغرب علي حد وصف الكرملين له، وتحييد اوكرانيا دوليا مع التزامها رسميا بعدم الانضمام الي حلف الناتو،.

وما إلى غير ذلك من الشروط والتنازلات التي لم يتحقق أي منها بعد اكثر من سنتين ونصف من هذه الحرب الشرسة التي تجاوزت خسائرها البشرية مليون قتيل علي الجانبين بخلاف الجرحي والمفقودين والمعوقين والنازحين والمشردين واللاجئين، وخسائر اخري علي كل. الأصعدة تفوق الحصر…فهي حرب كانت وبالا علي طرفيها وما تزال..
ومن ذلك أنه بدلا من أن توفر هذه الحرب لروسيا الأمن الذي كانت تنشده بما اسمته عمليتها العسكرية الخاصة في اوكرانيا، فقد ضاعفت تداعيات هذه العملية من الاخطار الأمنية التي تتهددها بانضمام السويد وفنلندا إلى عضوية الناتو لتتخلى بذلك عن حيادهما التقليدي التاريخي لتخوفهما من أن تغزوهما روسيا كما فعلت في أوكرانيا وهو تخوف ربما لم يكن له ما يبرره ،. كما زاد تدخل امريكا ودول الناتو الاوروبية في هذه الحرب بكافة صور الدعم والاسناد التي قدموها لاوكرانيا وهو ما ساهم في اطالة امدها ومضاعفة اعبائها وتكاليفها وخسائرها ووضع روسيا امام خيارات بالغة الخطورة كان عليها ان توازن بينها بحرص شديد حتى لا تخرج حربها في اوكرانيا عن السيطرة.

وزاد من خطورة الموقف في الفترة الاخيرة ان العمق الروسي اصبح مهددا بضربه باسلحة الناتو الاستراتيجية بعيدة المدي من صواريخ باليستية ومقاتلات هجومية كطائرات اف – ١٦ التي تم تزويد اوكرانيا بها وتلح كييف في طلب الاذن لها باستخدامها دون موانع او قيود وهو ما لم تنجح فيه حتي الآن .. كما جاء احتلال اوكرانيا لمنطقة كورسك الروسية ليشكل نقلة نوعية مهمة في تطور مسار هذه الحرب.، وليرفع من سقف المخاطر والتحديات التي تواجهها روسيا فيها، وهكذا تزداد الأمور تعقيدا بدلا من ان تاخذ طريقها الي الانفراج.

في بداية الحرب الروسية- الأوكرانية، قبل عامين ونيّف كان بوسع المرء أن يجد رواية في وسائل الإعلام الغربية تتنبأ بسقوط كييف في غضون أسابيع قليلة، ومع ذلك بعد مرور أكثر عامين، تواصل أوكرانيا بدعم من الغرب، القتال من أجل سيادتها وسلامة أراضيها ونجحت في صد هجمات القوات المسلحة الروسية.

كلا الجانبين يحاولان حالياً استعادة القدرة على المناورة في ساحة المعركة، ولهذا السبب فإن مساعدة الولايات المتحدة والغرب لأوكرانيا تكتسب أهمية خاصة، لأنها ستساعدها على تعزيز قدرة قواتها على مناورة الدفاع في ساحة المعركة وتجنب هزيمة ماحقة على أقل تقدير، وإن كانت غير كافية لتأهيلها من أجل شنّ هجوم مضاد على غرار ذلك الذي شنته الصيف الماضي، وأدى لسفك المزيد من الدماء من دون تحقيق نتيجة تذكر.

بعد مرور أكثر من عامين على الهجوم الروسي الشامل لأوكرانيا، لا تزال المعلومات المضللة والمفاهيم الخاطئة للصراع- التي يغذيها الكرملين والجهات الفاعلة السياسية في الخارج- تتغلغل في النقاش العام، وكيف أدى هوس روسيا الإمبراطوري بأوكرانيا على مدى قرون إلى خلق الظروف لأكبر حرب برية في أوروبا منذ عام 1945. فقد شكّلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022 صدمة عالمية. لماذا بدأ بوتين الحرب؟ ولماذا شنّها بطريقة لم يكن من الممكن تصورها من قبل؟ لقد قاوم الأوكرانيون جيشاً متفوقاً على المستوى العالمي؛ وتوحد الغرب، لكن زادت عزلة روسيا.

بدأت الحرب الراهنة قبل تسع سنوات من الهجوم الشامل في 27 شباط/ فبراير 2014، عندما استولت القوات المسلحة الروسية على شبه جزيرة القرم القرم، إلا أن جذور هذا الصراع تعود حتى إلى قبل ذلك… إلى توترات ما بعد الاتحاد السوفييتي والانهيار الإمبراطوري في القرنين التاسع عشر والعشرين. أن هذه الحرب كانت متوقعة، وذلك من خلال سياقها  التاريخي الواسع.

ظلت أوكرانيا مركزية بالنسبة لفكرة روسيا عن نفسها حتى عندما اتبع الأوكرانيون مساراً مختلفاً جذرياً. وأصبحت أوكرانيا الآن- أكثر من أي وقت مضى- من أكثر خطوط الصدع تقلباً في أوروبا الديمقراطية، لا سيما في بيئة دولية جديدة يحددها انتشار الأسلحة النووية، وتفكك النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وعودة القومية الشعبوية.

خلاصة القول هو أنه لو كانت روسيا تقدر علي الخروج من هذه الحرب،لتوفر علي نفسها خسائر فادحة اصبحت في غني عنها، لما ترددت.. وهذه هي الحروب دائما : بداياتها معلومة، ونهاياتها مجهولة، ولو كانت الدول تعرف ما ينتظرها في نهايتها لما بدأتها أو لما ذهبت اليها من الاساس.